تعيش مدينة الرباط، اليوم الأحد، على أجواء أنظف وأهدأ مما تعرفه بقية أيام السنة، وذلك بفضل تنظيم "يوم بدون سيارات"، على غرار العديد من العواصم والمدن العالمية التي دأبت على تخصيص تاريخ 22 شتنبر كيوم عالمي يحظر فيه على وسائل النقل الملوثة للبيئة التجول في مراكز المدن لساعات محددة. ويعد هذا التقليد، الذي انطلق لأول مرة في فرنسا سنة 1998، مناسبة لتوعية المواطنين بخطورة تلوث الهواء على صحة الأفراد وسلامة الكوكب، وتحفيزهم على التقليل من استخدام سياراتهم والاستعانة بدل ذلك بوسائل النقل الصديقة للبيئة. وفي هذا الصدد، قال رئيس جمعية شباب القرن الواحد والعشرين، الجهة المنظمة لهذه التظاهرة البيئية، عزيز فكاكي، إن فكرة تخصيص يوم بدون سيارات أتت كاستجابة لمخرجات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأممالمتحدة المبدئية بشأن التغير المناخي بباريس، الذي أقر بأن وسائل النقل مسؤولة عن 70 في المائة من انبعاثات الغازات السامة. وأضاف أن المبادرة هي محاولة لحث المواطنين على المساهمة في الحد من انبعاث الغازات السامة بخطوات بسيطة تتمثل في تنظيم تنقلاتهم والاستغناء عن سياراتهم ليوم واحد أسبوعيا، يكون عادة يوم أحد، حيث تقل الحاجة لاستخدام السيارات. كما اعتبر المبادرة مساهمة جمعوية في الشق المتعلق بحماية البيئة ضمن مشروع "الرباط عاصمة الأنوار". وعن الصدى الذي لقيته هذه المبادرة في دوراتها السابقة، نوه الفاعل الجمعوي بالاستجابة الكبيرة التي أبداها المواطنون والسلطات تجاه هذه الخطوة، إذ عبر سكان العاصمة عن ترحيبهم بالبادرة، كما تم تسجيل انخفاض ملحوظ في عدد المركبات التي جالت شارع محمد الخامس، القلب النابض لمدينة الرباط، وذلك إلى حين انتهاء الوقت المخصص للمبادرة. كما أشار إلى أن السلطات وفرت التسهيلات الضرورية لإنجاح التظاهرة من خلال منح الجهة المنظمة ترخيصا لإقامة الحدث في شارع محمد الخامس، رغم صعوبة إغلاقه في وجه حركة المرور باعتباره مركز العاصمة وقلبها النابض. من جانبه، اعتبر زكرياء، أحد النشطاء بحركة الشباب الأخضر أن اليوم العالمي بدون سيارات، هو مناسبة لمساهمة المواطنين عبر العالم في خفض نسبة "تلوث الهواء"، والمشاركة الفعلية في المحافظة على البيئة، بهدف التخفيف ولو بنسبة ضئيلة، من التلوث البيئي الناجم عن انبعاث دخان السيارات والغازات الناجمة عن الاستعمال المكثف للمركبات. وحث الناشط الجمعيات ومنظمات حماية البيئة في المغرب على أن تحمل على عاتقها هذه الرسالة، وتشجع الجمهور على الانخراط بكثافة في مثل هذه المبادرات نظرا للقيمة الرمزية التي تنطوي عليها، وإسهامها في توعية وإشراك المواطنين في حماية البيئة. وإلى جانب المبادرات الجمعوية التي تسعى إلى حماية البيئة بإمكانيات محدودة، تساهم الدولة من جانبها، باعتبارها صاحبة المسؤولية الأكبر في هذا المجال، بجهود تهدف إلى التقليل من تأثير التلوث على مختلف العناصر البيئية. في هذا الشأن، قال المدير العام للمختبر الوطني للدراسات ورصد التلوث، محمد البوش، إن كتابة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة، قامت بحملات دعم لمبادرات المجتمع المدني في مجال البيئة والتنمية المستدامة، من بينها تنظيم تظاهرة يوم بدون سيارة على مستوى جهة الدارالبيضاء الكبرى من أجل تعبئة السكان والفاعلين المحليين وتحسيسهم بالمخاطر البيئية للإفراط في التنقل عبر السيارات وتأثير ذلك على جودة الهواء، إلى جانب مبادرات أخرى تهدف إلى حماية البيئة. كما أشار المدير العام للمختبر إلى مساهمة المؤسسة التي يشرف عليها في حماية البيئة من خلال العديد من البرامج وحملات الرصد وتوصيف التلوث، مثل إجراء عمليات للتفتيش والمراقبة البيئية، والاستجابة للعديد من الطلبات التي يتوصل بها من مختلف الجهات، وذلك بإجراء مهمات ميدانية وتحاليل مخبرية، للمساهمة في حل المشاكل المتعلقة بالتلوث، ورصد وتتبع الملوثات العضوية الثابتة في الهواء والماء. ولا يقتصر تنظيم مبادرة "يوم بدون سيارات" على العاصمة وحدها، كما لا يقتصر على تاريخ 22 شتنبر المتعارف عليه كيوم عالمي لهذه التظاهرة، إذ تعرف مدن أخرى مثل الدارالبيضاء والمحمدية تنظيم مثل هذا الحدث من قبل جمعيات المجتمع المدني، وذلك بالتزامن مع اليوم العربي للبيئة. ويعد تلوث الهواء من أكثر مسببات الوفاة شيوعا، حيث تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن ما يقارب سبعة ملايين شخص حول العالم يموتون سنويا نتيجة لأمراض مرتبطة بتلوث الهواء. ومن بين مصادر التلوث العديدة، تعتبر السيارات المصدر الأول للانبعاثات والمركبات الكيميائية الملوثة للهواء، إذ تنتج سنويا حوالي 333 مليون طن من ثنائي أكسيد الكربون، أي ما يمثل 20 في المائة من المعدل العالمي، وتساهم ب 72 في المائة من انبعاثات أكسيد النيتروجين، إلى جانب العديد من المركبات الضارة التي تنفثها عوادمها في الهواء الذي نتنفسه.