يمزج الأردنيون في شهر رمضان المبارك بين أصالة الماضي وحداثة الحاضر، إذ يمتاز الشهر الكريم بالكثير من الطقوس "الخاصة"، التي يصنعها الأردنيون لأنفسهم خلال شهر الصيام، وينعدم وجودها في الأشهر ال11 المتبقية. ويرحب سكان المملكة، التي يعاني شعبها ضغوطا اقتصادية جراء الأوضاع الإقليمية "الم لتهبة"، بالشهر الفضيل بإضاءة بيوتهم وشوارع مدنهم وقراهم بمختلف أشكال "الزينة" الرمضانية، التي كانت تقتصر في الماضي على أضواء بغاية البساطة، إلا أنها تتنوع بمختلف الأشكال والألوان، وتأخذ أغلبها شكل الهلال والفوانيس والحبال المضيئة. وخلال الشهر المبارك، تكتظ مساجد المملكة بالمصلين إلى ساعات الفجر، يتخللها تزويد المساجد بما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات والحلويات التي يشتهر بها الأردن، لرعاية المتعبدين خلال أدائهم لعباداتهم. ويحرص الكثيرون من فاعلي الخير والمحسنين، على دفع "صدقة الفطر" والزكاة والتبرعات تطلعا الى مضاعفة الأجر والثواب أثناء الشهر المبارك، حيث تقوم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الرسمية والأهلية، بالكثير من الأنشطة الدينية والخيرية، يتصدرها توزيع طرود الخير والمساعدات الإنسانية. + التكافل الإجتماعي ويحافظ سكان المملكة، التي تستضيف نحو مليون و300 ألف لاجئ سوري، على تعزيز قيم التكافل الاجتماعي خلال الشهر الفضيل، إذ يتزاور الأقارب والجيران، ويجتمعون في أغلب الأحيان عند كبير العائلة أو القرية، لإحياء ليالي الشهر الكريم. وعلى الرغم من تمسك الفئة الأكبر من المجتمعات الأردنية بتلك التقاليد، إلا أن بعض الفئات تخلت عن بعض تلك العادات، واستعاضت عنها بأساليب جديدة لإحياء الشهر الفضيل، عبر المشاركة في ليالي رمضانية تنظمها الفنادق وكبرى المطاعم والمقاهي في العاصمة عمان، وكبرى محافظات المملكة. واحتلت التكنولوجيا والتقدم التقني مكانة لدى الأردنيين، حتى في أداء عباداتهم، حيث يستخدم المصلون هواتفهم الذكية لقراءة القرآن، فضلا عن تبادل الرسائل الدينية والأدعية عبر التطبيقات الحديثة، التي كانت تقتصر في السابق على نطاق لا يتسع لأكثر من منتسبي حلقات الذكر في المساجد والمجالس الرمضانية. + العيش المشترك وفي مشهد يجسد كل معاني السلام والعيش المشترك، الذي يظهر جليا بين شعب المملكة، يشاطر مسيحيو المملكة مسلميها شهرهم الكريم، حيث يحرص أتباع الديانة المسيحية على الاحتفال مع المسلمين بهذا الشهر الفضيل، بدءا بتهنئتهم بحلول الشهر، مرورا بمشاركتهم في الإفطارات والموائد الرمضانية، وانتهاء بتبادل التهاني مع ختام الشهر المبارك وحلول عيد الفطر السعيد. وغالبا ما تنخرط مختلف الكنائس في المملكة في عمليات إقامة إفطارات وسهرات رمضانية يجتمع حولها أبناء الديانتين السماويتين على طبق واحد، إلى جانب توزيع طرود غذائية وملابس ومساعدات مالية للأسر العفيفة من المسلمين. ولا يقتصر الأمر على اقتسام موائد الإفطار، وإنما يتضمن احترام شعور المسلم الصائم، حيث يمتنع المسيحيون عن الأكل والشرب خلال نهار رمضان، خصوصا في أماكن العمل و الأسواق. وتشكل العادات والتقاليد خليطا ممزوجا بين العادات الأردنية الأصيلة، التي دخلت عليها عادات اللاجئين الفلسطينيين، ومن بعدهم اللاجئين السوريين، الذين تستضيفهم المملكة في مختلف قراها ومدنها. + "المنسف" الأردني ويحرص الأردنيون خلال الشهر الكريم على ثوابت الزمن القديم من العادات والتقاليد عبر الإكثار من العبادات، وتعزيز أواصر العلاقات، وتنويع المأكولات، التي يتصدرها "المنسف" الأردني الشهير، ومشاهدة المسلسلات ذات الطابع الديني والتاريخي والاجتماعي. ويحتفظ "المنسف"، الذي يتكون من الأرز واللحم و"الجميد" المصنوع من لبن الأغنام، بمكانته على رأس قائمة الإفطار، إذ يفطر به أغلب الأردنيين في أول يوم من رمضان، كما لا تخلو مائدة الإفطار من عصير "التمر الهندي"، و"الكركديه"، وهما مستخلصان من النبات الطبيعي. ولا تخلو السهرة الرمضانية الأردنية أيضا من الحلويات، التي تتصدرها "القطايف"، وهي عبارة عن دقيق "قمح"، معجون يتم حشوه بأنواع الجبن المختلفة وجوز الهند والمكسرات أو التمور في بعض الأحيان. ولا يفو ت سكان العاصمة عم ان والمحافظات القريبة منها فرصة أكل "الكنافة"، وخصوصا من أزقة مركز العاصمة أو "وسط البلد" كما يسميها السكان المحليون، حيث لا يكتمل رمضانهم إلا بزيارته. + طبق الجيران واعتاد الأردنيون على تبادل أطباق الطعام بين الأهل والأقارب والجيران، ما ينو ع مادة الإفطار من جهة، ويعزز من جهة أخرى المودة والمحبة وتقارب النفوس على الصعيد الاجتماعي والديني، وفقا لما قاله المواطن الأردني خليفة الشبول "أبو بكر". ويؤكد السبعيني "أبو بكر"، أنه على الرغم من الظروف المعيشية الصعبة التي تحيط بالأسر الأردنية، إلا أن الكثير منها لا تزال تحافظ على هذا الإرث الثقافي والاجتماعي، الذي يعكس طبيعة الشعب الأردني المضياف. + مدفع رمضان والمسحراتي ومن مدفع رمضان، الذي كان يدو ي في سماء المملكة، لإخطار المواطنين بوقت الإفطار وقبيل وقت السحور، ظهر ما يسمى ب"المسحراتي"، وهو شخص يتجو ل بين شوارع وأحياء المدن والقرى في ساعات متأخرة من ليالي رمضان. "إصحى يا نايم وح د الدايم"، بهذه الكلمات وغيرها من الأدعية يرافقها ضربات على طبل، ينبه "المسحراتي"، المواطنين بموعد السحور قبيل أذان الفجر، وعادة ما يكرم الأهالي "المسحراتي" بتقديم الطعام والشراب والمال في بعض الأحيان. + ملابس و"قراص" العيد واعتاد الأردنيون على توديع الشهر الكريم واستقبال عيد الفطر السعيد بصنع الحلويات مثل "المعمول بالتمر"، إضافة إلى ما يسمونه ب"قراص العيد"، وهو عبارة عن دقيق "قمح" مطحون تضاف إليه بهارات مكونة من "السمسم والقزحة وبزر الشومر واليانسون"، وبعد أن تجهز عجينته الخاصة يوضع في قالب قرص دائري ويحمص بالفرن، ثم يدهن بزيت الزيتون قبل أن يقدم للأكل، بحسب ما تقول المواطنة الأردنية رحمة أبو العيش. وتروي الستينية أبو العيش، كيف كان الأطفال وصغار العمر من الشباب يستيقظون ليجدوا بفرحة عارمة ملابس العيد في انتظارهم، والتي كان يقتصر شراؤها في عيد الفطر فقط، مشيرة إلى أن أحد أبنائها كان ينام وفي حضنه ملابس العيد.