قبل أيام، أعلنت إدارة الطيران والفضاء الأميريكية “ناسا” اكتشاف نجم بارد يبعد عن الأرض بحوالي 39 سنة ضوئية، تدور حوله سبعة كواكب بحجم قريب نسبيا من حجم الأرض، ثلاثة منها توجد على مسافة مناسبة من هذا النجم، وتتوفر على مياه في سطحها، ممّا يوفر لها حرارة مناسبة ويجعلها مبدئيا صالحة للحياة. هذه الكواكب السبعة الصخرية، جرى اكتشافها عبر عمل قاده باحثون عبر عدة بلدان في العالم، إذ كانت عدة محطات رصد ترصد حركية هذا النجم، ومن هذه المراصد، واحد يوجد في جبال الأطلس بالمغرب، وتحديدا جبل أوكايمدن، بالأطلس الكبير، نواحي مراكش، حيث وُضع تلسكوب للرصد يحمل اسم “ترابيست نورد”، فيما يوجد “ترابيست سيد” بالشيلي.
وحسب “سي ان ان ” الامريكية فإن عملية الرصد بأوكايمدن شارك فيها باحثان من مختبر فيزياء الطاقات العليا والفيزياء الفلكية بمراكش، يتقدمهم زهير بنخلدون، مدير مرصد أوكيمدن للفلك، وطالبه بسلك الدكتوراه خالد البركاوي، وهما اثنان من الموقعين على مقال نشرته مجلة “نيتشر” حول هذا الاكتشاف الذي أطلق عليه اسم “ترابيست- 1”.
ويعدّ زهير واحد من الشخصيات المغربية القليلة التي تميزت بعلوم الفلك، فهو حاصل على أوّل دكتوراه دولة في الفيزاء الفلكية تقدمها جامعة القاضي عياض بشراكة مع جامعة نيس صوفيا أنتيسبوليس عام 1994، أسس زهير رفقة باحثين أوّل مختبر للبحث الفلكي بالمغرب عام 1985، وكان ذلك داخل المركز الوطني للبحث العلمي والتقني.
وساهم زهير بعد ذلك في تأسيس أول مرصد فلكي بالمقاييس العلمية بالمغرب، وهو مرصد أوكايمدن، الذي افتُتح عام 2007، ثم حصل على شراكة مع جامعة لييج البلجيكية، كما أسس زهير وباحثين آخرين جمعية الفلكيين الهواة بمراكش، وهي جمعية ثقافية هدفها نشر ثقافة علوم الفلك لدى الرأي العام.
ويؤكد زهير، في حوار مع CNN الامريكية ، أن الاكتشاف الجديد شارك فيه مرصد أوكايمدن على قدم المساواة مع مراصد متعددة عبر العالم، منها مرصد سبيتزر الخاص بناسا، لافتا إلى أن التركيز الإعلامي على الوكالة الأمريكية جاء لثقل اسمها وليس لدور أكبر منها في عملية الاكتشاف. فائدة هذا الاكتشاف، وفق تصريحات زهير، تكمن في جانبين، الأول علمي بحت: فالبشرية قدمت دليلا جديدا على قيمة الجهد الذي وصلت إليه، عبر قدرتها اكتشاف وجود علامات حياة تبعد ب39 سنة ضوئية، وهذه قفزة علمية كبيرة، والثاني فلسفي يعيد النظر في فكرة أن الأرض هي مركز الكون وأن سكان الأرض هم الأحياء الوحيدون في الكون.
ويشير زهير إلى أن الاكتشاف لا يجزم بوجود حياة خارج الأرض، بل هي علامات حياة كوجود الماء والأكسجين، وأن الأعوام الثلاثة القادمة كفيلة بتوضيح مدى توفير هذه العلامات لحياة تصلح للبشر.
غير أن الدور الكبير الذي قام به مرصد أوكايمدن في هذا الاكتشاف، لا يمنع الإقرار بوجود حالة من عدم الاهتمام الحكومي المغربي بالبحث العلمي في البلاد، تترجمه أرقام رسمية صادرة لا تتجاوز 0,8 من الناتج الداخلي الخام، وفي هذا السياق يقول بنخلدون: “نتمنى من الزخم الإخباري الذي رافق هذا الاكتشاف أن يدفع المسؤولين بالبلاد إلى تشجيع أكبر للبحث العلمي، فأفضل استثمار يمكن أن يتم هو الاستثمار في الإنسان”.
ويتابع:” للأسف الأبحاث العلمية في المغرب لا تُعطى لها أهمية، وغالبيتها تتركز في مجالات الطاقة والصحة والفلاحة. أكيد أن هذه المجالات مهمة، لكن العلم لا ينحصر فقط بها، إذ يوجد كذلك بمجالات أخرى كالفلك”.
ويوّضح زهير أكثر:”هناك دول كانت إلى عهد قريب متأخرة علميا، ثم قامت على مدار سنوات ماضية بخطوات هائلة في مجالي علوم الفضاء وعلوم الفلك، كالصين والهند وباكستان. صحيح أننا تقدمنا في مشروع أوكايمدن بشكل جلي، لكن هذا الأمر جرى بمشقة كبيرة وبقلة انتباه من المسؤولين”.
التقدم في مشروع أوكايمدن يظهر كذلك من خلال مناقشة أوّل بحث دكتوراه خاص بعلوم الكواكب خارج المجموعة الشمسية بالمغرب عام 2015، من طرف الدكتور، أحمد داعسو، أحد الباحثين بمرصد أوكايمدن، يؤكد لنا بنخلدون، لافتا إلى أن المرصد سبق له اكتشاف عدة أجسام في النظام الشمسي، منها أربع مذنبات، وأربعة كويكبات، كما أرسل ما يزيد من مليون قياس فضائي إلى الاتحاد الدولي لعلم الفلك.
ويحاول القائمون على مرصد أوكايمدن نشر تجربتهم إلى الجمهور، خاصة بعد تأسيس جمعية الفلك، ويوضح بنخلدون هذا الأمر:”نظمنا عدة ملتقيات للفلك بشكل دوري، لكن الجميل أننا بتنا نرى مؤخرا تحمس شباب مغاربة لتنظيم مبادرات من مثل هذا النوع. العام الماضي، أبدعت طالبة مغربية بمرصد باريس، هي مريم الياجوري، فكرة جميلة ساهمنا في تنفيذها، تخصّ تنظيم قافلة للفلك جابت عدة مناطق مغربية بحافلة مجهزة بتقنيات استكشاف الفضاء”.
كما توجد عدة نوادي للفلك بمدينة مراكش، يضيف بنخلدون، زيادة على اهتمام واسع بماجستير للفلك أحدثته جامعة القاضي عياض، إذ يستقبل سنويا عشرات طلبات الدراسة رغم أن الفكرة الشائعة هي عدم وجود وظائف لمختصي هذا العلم بالمغرب، كل هذه المعطيات تؤكد حسب زهير وجود تعطش واسع من الشباب المغربي لدراسة علوم الفضاء، كل ما يلزم في هذا الشأن هو مجهود أكبر من الحكومة لتشجيعهم.