نتائج الانتخابات الأمريكية تؤكد مسألتين: – "هيلاري" و"ترامب" وجهان لعملة واحدة. – استمرار ترسيخ التمييز بين الرجل والمرأة وضرب فكرة المساواة. 1- لا فرق بين "ترامب" و"هيلاري" من حيث السياسة: غريب أن يظن البعض أنه لو تم نجاح "هيلاري كلينتون" في الرئاسيات الأمريكية كان ستكون أقل ضررا على المسلمين، وأن نجاح ترامب الآن هو كارثة على المسلمين! أقول لهذا: مهلا عليك أيها المفرق ! فسياسة الدول الكبرى كالولاياتالمتحدةالأمريكية لا يقررها شخص واحد، بل الحاكم الفعلي هو اللوبيات ومعها مجلس الشيوخ والصقور، والرئيس إنما ينفذ المخططات مع صلاحيات محدودة وحسب. وعليه، فلن يختلف الوضع كثيرا سواء نجح هذا الحزب أو ذاك، خاصة على مستوى السياسة الخارجية. بل من باب المقارنة نجد "هيلاري" و"أوباما" الديمقراطيين أخطر على المسلمين؛ لأنهما لا يظهران عداءهما صراحة ضد المسلمين بل يخفيانه، أما "ترامب" و"بوش" الجمهوريين فعداؤهما مصرح به. والمنافق أخطر على المسلمين من الكافر، كما نعلم. نسمع دائما أن الديمقراطيين أفضل من الجمهوريين… والواقع أن الديمقراطيين لا يختلفون عن الجمهورين، على الأقل في السياسة الخارجية؛ لأن السياسة الخارجية هي هي نفسها دائما: السيطرة على الشعوب وإشعال الحروب ودعم الانقلابات من أجل ذلك… وإذا نظرنا إلى الحروب التي شارك فيها "باراك أوباما" نجدها أكثر من التي أشعلها "بوش"، فالأول أشعل الحرب والثاني استمر فيها وحافظ عليها مع بعض التحسينات المظهرية، بل وفتح جبهات جديدة للحرب، بعضها بالوكالة. فمن الثوابت الأمريكية أن مسألة الأمن القومي وتفوق بلاد العام-سامي فوق كل اعتبار، وهما خطان أحمران دائما. فعن أي أفضلية يتحدثون؟ وصدق المثل الشهير الذي يقول: ((ليس في القنافذ أملس)). 2- ترسيخ التمييز بين الرجل والمرأة في انتخابات أمريكا: رسائل كثيرة مستفادة من الدرس الانتخابي الأمريكي الأخير الذي فاز فيه "ترامب" الرجل على "هيلاري" المرأة. من هذه الدروس ترسيخ واستمرار ذكورية السياسة والحكم في بلاد تفرض على الشعوب النامية المساواة المطلقة بين الجنسين. قبل أعوام خلت عندما كان "ساركوزي" الرجل في منافسة مع "روايال" المرأة في انتخابات فرنسا، كنت قرأت مقالا استباقيا للانتخابات يبين فيه صاحبه بالأدلة على أن "روايال" ستنهزم لأنها امرأة، وسوف يفوز عليها "ساركوزي" بالولاية الثانية لأنه رجل، فكان كما قال… والآن تتأكد هذه المقولة مع بلاد العم سام. إن الشعوب الغربية عموما، وفي مقدمتها الشعب الأمريكي، لا يؤمن بمطلق المساواة وإنما بالمساواة الانتقائية، فالشعب الأمريكي يريد المساواة في ما فيه فرجة وترويح على النفس، أما أماكن الجد والحزم فللرجال فقط، ولذلك لم تحكم امرأة واحدة الدولة الأمريكية أبدا ولا كانت وزيرة دفاع ولا رئيسة مخابرات… هذه المناصب يصعب للعقلية الأمريكية أن تتحمل وجود امرأة بها إلا كديكور مزين لمكتب الرئيس الرجل. إنها ضرب لمبدإ المساواة في بلاد يدعي المساواة. وقد سبق التأكيد من قبل بعض المحللين الأجانب على فوز "ترامب" من يوم الإعلان عن ترشيح "هيلاري" كمنافس له، وبينوا أن الشعب قد يختار المعتوه السكير على المحنكة الرصينة إن تعلق الأمر بالاختيار بين الرجل والمرأة في الحكم، وكذلك كان. والذي يؤكد قولي هذا أنه ومع كثرة نسبة النساء الناخبات مقارنة بالرجال في الولاياتالمتحدة، فلم تدفع الحميّة الأنثويّة بالمرأة أن تصوت على أختها المرأة… ونفهم من هذا أن القرارات الحاسمة عند الشعوب الغربية لا تحكمها العاطفة، فلا "كوطة" ولا فرض للمرأة على الرجل في مثل هذه الأمور المصيرية. وأظن أن الديمقراطيين علموا جيدا أن المرحلة المقبلة للجمهوريين؛ لأن سياسة أمريكا تقتضي التعاقب على السلطة وألا يستمر الحزب الواحد في الحكم لأكثر من ولايتين، وهذه حقيقة تاريخية صارت عرفا سياسيا، إن نظرنا إلى تاريخ أمريكا الرئاسي، فلن نجد الحزب الواحد حكم لأكثر من ولايتين متواليتين، ولا رئيسا حكم لأكثر من ولايتين متوالية إلا في حالة الرئيس "روزفيلت" الذي حكم البلاد لثلاث ولايات متوالية. والظاهر أنه علم الديمقراطيون أن الكرة الآن في مرمى الجمهورين، فاختاروا لأنفسهم أضعف الحلقات فرشحوا "هيلاري" حتى يفوز "ترامب" وتُتداول السلطة ويستمر الوجه الثاني للعملة الواحدة في الظهور. الأمر مدروس ومخدوم، والمسألة أعمق مما نشاهده على القنوات وفي الحملات الانتخابية، و"ترامب" رجل المرحلة، ولا بديل عنه في نفوس الأمريكيين حكومة وشعبا.