ما إن هل هلال شعبان، حتى قامت قيامة تلفزتنا، استشهارا وعرضا لطبيخ زقومها، ترويحا منها زعمت على معشر الصائمين وتخفيفا عنهم من آلام الجوع وأنين المعدة وطنين الأمعاء الفارغة، لقد نشأت وترعرعت على هذا المعهود النكد، حتى كاد أن يكون عندي كما غيري ارتباط رمضان بغزارة الإنتاج التلفزي من مسلسلات وسيدكومات وسكيتشات وكاميرات خفيات وسهرات ماجنات، سنة تقريرية من سنن الإسلام وحاشاه. إن ليل رمضان كما له أهله من القوامين الذاكرين الله التالين لكتابه العزيز، له خصوم يفشو فيهم على غير العادة الخنا والميسر والقمار، كما يحلوا لهم فيه السمر وتطيب لنفوسهم الموبوءة المنادمة على موائد علب الطرب والغناء والاختلاط الفاحش، ناهيك عن أولئك الذين لا تكاد تسمع لهم ركزا على طول أيام السنة، حتى إذا جاء رمضان في حلته الإيمانية، خرجوا من جحر الضب يدافعون عن الإفطار العلني تاب الله عليهم، وعفا عنهم إنه هو التواب الرحيم. إن من معشر المؤمنين من يمر عليه خير رمضان كالطيف سريع المرور يستقبله بالفرح والاستبشار، ويودعه بالنحيب والبكاء، كما أن من المحرومين من يستقبله بالاستثقال والاستطالة والتضحر والتمرد وضيق الصدر كأنما يصعد في السماء، ويكون طقسه وإمساكه إبان نهاره وليله مكاء وتصدية، والعجب العجاب أن يقع هذا ويستفحل وباله والقرين مصفد كما أفادت بالقطع نصوص الوحي… حتى إذا أزفت آزفة رحيل هذا العزيز علينا البغيض لنفسه الأمارة فرح وطاب به مقام الفراق نسأل الله السلامة والعافية. فحري حقيق بكل مسلم أن يجافي هذه القواطع وأن لا يصافي موانعها، فإن نفسا لا تملك ضمانة إن هي بلغت رمضان الحال، أن تكون حاضرة في رمضان المآل وقد حثنا بتحضيص الحريص على أمته رسول الله صلى الله عليه وسلم على اغتنام واهتبال تلك الأوقات الفاضلة على مدار العام فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إِنَّ لِرَبِّكُمْ عزَّ وجلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أبدًا)) رواه الطبراني. وإنما هي أيام وليالي معدودات تنصرم ثوانيها من عقد رصيد العمر المحدود وزاد العارية المسترجعة نسأل الله حسن الخاتمة. آمين يا رب العالمين.