رجعت بي الذاكرة عنوة وقسرا، وأنا أستمع للسيد وزير العدل ببلادنا وقد خرج في زينته يتأبط شر حقيبته، ليستدرك مستغنيا في طغيان، متعجرفا في بطر، مستكبرا في غمط لأبناء الطبقة المطحونة في دائرة الابتلاء وما كان ربك ظلاما للعبيد، وليصدع بالفارق والامتياز الذي تمتع به ابنه حتى يكون ضمن قائمة الناجحين من أهل الحظوة الملتحقين بركب مهنة البدلة السوداء وقد خاب منهم من حمل ظلما، فاجتررت في غير مضض ولا مغالبة قصة ابن السفير في العاصمة الرباط، حيث كان أبوه السفير ممثلا لدولة عظمى. _ وإنما العظمة هاهنا بقيدها المدني المادي المبهر لا الحضاري الأخلاقي المنذر _ فقد كان هذا الابن كلما زار المغرب والتحق بأسرته أيام عطله التعليمية تنشر له الجريدة الداخلية للسيفارة وقد كانت هذه الجريدة عبارة عن نشرة تهتم بالمجال الاجتماعي، وتعلن فيها عروض مراكز التوظيف الشاغرة بالسيفارة… كما كانت توزع أسبوعيا على كل العاملين المغاربة والأجانب الرسميين والمتعاقدين الدبلوماسيين والعاديين بغير استثناء، كانت تنشر له إعلانا يضع من خلاله نفسه في خدمة ورهن كل من أراد أن يغسل سيارته بتسعيرة تفرق بين العاملين من بني جلدته، وبين العاملين من المحليين المغاربة، إذ كان ثمن الدبلوماسيين ليس كثمن غيرهم من حيث الزيادة، فلطالما رأيته ينتقل من سيارة لأخرى قد تمسلخ بلباس يحسبه الجاهل واحدا من أغمار الناس ولله في خلقه شؤون… ولك أن تتخيل وتتشخص وتتمثل ذلك الإعلان الضارب في عمق التجرد والأدب والتوازن النفسي مع هذا الحيف والبهتان، وللإشارة فهو حيف وبهتان لم يقع فيه السيد الوهبي لوحده ولم يكن بدعا من الوزراء في هذا التسفل العاطفي، فلقد سبقوه من كانوا قد تداعوا على قصعة التنصيب الوزاري الغالب فأطعموا من خبزها ولحمها وبقلها أبناءهم أولا وأخيرا، ولا يكاد المرء هاهنا يفرق في معشر المتداعين بين يساريين وإسلاميين وليبراليين وحداثيين، فالكل واحد مهما اختلفت الملل وتباينت النحل، وتلك سيرة القوم في لجة السياسة وترعة الأفن السلوكي الهابط، ولقد علمنا منهم البعض وغاب عن علمنا آخرون الله بهم عليم وبهم محيط، وعند ربها تلتقي الخصوم. كتبها المواطن المغربي محمد بوقنطار تضامنا مع الراسبين بغير وجه حق في مباراة انتقاء المحامين، وهذا أضعف الإيمان.