كم هو جميل أن يتواضع الإنسان ؛ و كم هو جميل أن يتواضع الصغير و لا يتكبر الكبير. لكن للأسف قد أصبح التواضع في عصرنا الراهن منعدما ؛ و أصبح الكبر شعار الكثير من الناس. التواضع خلق حميد، وجوهر لطيف يستهوي القلوب، ويستثير الإعجاب والتقدير وهو من أخص خصال المؤمنين المتقين ؛ التواضع هدوء وسكينة ووقار واتزان، التواضع ابتسامة ثغر وبشاشة وجه وحسن معاملة، بالتواضع يتميز الخبيث من الطيب، والأبيض من الأسود والصادق من الكاذب. حقا ...فاقد التواضع فاقد كل شيء. نعم... فاقد التواضع عديم الإحساس، بعيد المشاعر، إلى الشقاوة أقرب وعن السعادة أبعد، فاقد التواضع لا عقل له. فاقد التواضع قائده الكبر وأستاذه العجب، فهو قبيح النفس ثقيل الطباع يرى لنفسه الفضل على غيره. إن التواضع لله تعالى خلق يتولد من قلب عالم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبته وإجلاله. إن التواضع هو انكسار القلب للرب جل وعلا وخفض الجناح والذل والرحمة للعباد، فلا يرى المتواضع له على احد فضلا ولا يرى له عند احد حقا، بل يرى الفضل للناس عليه، والحقوق لهم قبله. فما أجمل التواضع، به يزول الكبر، وينشرح الصدر، ويعم الإيثار، وتزول القسوة والأنانية وحب الذات... إن من نبذ خلق التواضع وتعالى وتكبر، إنما هو في حقيقة الأمر معتد على مقام الالوهية، طالبا لنفسه العظمة والكبرياء، متناسيا و جاهلاً حق الله تعالى عليه، و من عصاة بني البشر، متجرئ على مولاه وخالقه ورازقه، منازع إياه صفة من صفات كماله وجلاله وجماله، إذ الكبرياء والعظمة له وحده. يقول سبحانه في الحديث القدسي: « الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، من نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنم» رواه مسلم. التواضع نوعان... محمود:وهو ترك التطاول على عباد الله والإزراء بهم؛ و مذموم: وهو تواضع المرء لذي الدنيا رغبة في دنياه. لذا فالعاقل يلزم مفارقة التواضع المذموم على الأحوال كلها، ولا يفارق التواضع المحمود على الجهات كلها. أن من الواجب على كل مسلم أن يحذر الكبر وأن يتواضع و"من تواضع لله درجة رفعه الله درجة" ومن تكبر فهو على خطر أن يقصمه الله - نسأل الله العافية - قال رجل: (يا رسول الله إني أحب أن يكون ثوبي حسناً ونعلي حسناً أفذلك من الكبر؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس" و في الحديث الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر" عائل أي فقير ومع فقره يستكبر ويبتلى بالكبر، فالكبر يدعو إليه المال والغنى، ومع فقره فهو يستكبر فالكبر سجية له وطبيعة له. التواضع هو لين الجانب، وحسن الخلق، وعدم الترفع على الناس، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم "فليتذكر عظمة الله ويتذكر أن الله هو الذي أعطاه المال، وأعطاه الوظيفة، وأعطاه الجاه وأعطاه الوجه الحسن، أو غير ذلك، يتذكر أن من شكر ذلك التواضع وعدم التكبر، لا يتكبر لمال أو لوظيفة أو لنسب أو لجمال أو لقوة أو لغير ذلك، بل يتذكر أن هذه من نعم الله، وأن من شكرها أن يتواضع وأن يحقر نفسه، وألا يتكبر على إخوانه ويترفع عليهم، فالتكبر يدعو إلى الظلم والكذب، وعدم الإنصاف في القول والعمل، يرى نفسه فوق أخيه؛ إما لمال وإما لجمال وإما لوظيفة وإما لنسب وإما لأشياء متوهمة. فبأي شيء يكون علاج الكبر واكتساب التواضع؟ و صح من قال: وأقبح شيء أن يرى المرء نفسه رفيعا وعند العالمين وضيع تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع ولا تكن كالدخان يعلو بنفسه على طبقات الجو وهو وضيع لحسن بغوس"واومدا-تلوكيت"