هي ممارسات تحدث بالشارع، في العمل، بالبيت...في كل مكان، أحيانا عن قصد وكثيرا عن غير قصد، الاستهزاء والاستهانة بالناس والسخرية منهم أو احتقارهم سواء من ناحية لباسهم أو كيفية كلامهم أو تصرفاتهم أو طريقة عملهم، من أجل الضحك أو من أجل الحط من قيمتهم عقابا وانتقاما، هي سلوكات تدمر في صمت نفوسا وعلاقات، بالاضافة إلى ما ينتج عنها من تضييع الوقت ومن توترات. الدونية والضعف عجلت سلوكات مدير المصلحة التي تعمل بها «فاطمة» في تقديمها للاستقالة، كان هذا الرئيس لا يتوانى عن إحراج كل موظف عن أي خطإ قد يصدر عنه، عن قصد وبغير قصد، يزداد الطين بلة حين يكون الإحراج بطريقة مشينة، عن طريق الاستهزاء وتحسيس الآخر بالدونية وبالضعف، والتقليل من شأن الناس. تقول «فاطمة»:»أحب عملي كثيرا، وكنت أتفانى في تقديم أي جديد إلا أنني مررت بفترة صعبة جعلتني أتهاون بعض الشيء في عملي، اعترفت لرئيسي المباشر بما أتعرض له من ضغوطات إلا أنه رفض الاستماع إلي بطريقة مستفزة، وأمام جميع الموظفين صار ينتقد أي عمل به أخطاء وأحيانا يكون خاطئا في تقديراته، إلا أنه يعتبر نفسه فوق الموظفين.. بالرغم من أن شهاداته العلمية لا تقل عن شهاداتنا، ومن الموظفين من حصل على شهادات أعلى منه». واستدركت «فاطمة»، للإشارة فالشخص الذي أتحدث عنه يستهزئ من أي شيء، وأي موظف...لا يعجبه العجب، ولا أتذكر يوما أنه نوه بشخص أو عمل أي موظف، فيما تعتبر السخرية جزء من ثقافته. قصة «فاطمة» تتكرر كثيرا مع أشخاص آخرين، قد يكون الأمر مفتعلا، إلا أنه في غالب الأحيان يمثل سلوكا يعتبره البعض عاديا على اعتبار أن السخرية أو الاستهزاء لاتتجسد في العمل فقط، أحيانا يختار البعض تضييع الوقت بالحديث عن الآخرين، من خلال انتقاذ طريقة لباسهم أو مشيتهم أو كلامهم بطريقة لاذعة، بدون وعي مما قد يسفر عن تلك الساعات القليلة من الضحك على نفسية «ضحيتهم»، ناسين أو متناسين أنه من الصفات الذميمة التي ذمها الله ورسوله السخرية من الناس واحتقارهم، قال تعالى: ( ويل لِكل همزة لمزة ). آثار سلبية قال مولاي عمر بنحماد، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إن الخلفية الأساسية للاستهزاء أو السخرية مهما كانت الأهداف منها، تتجه إلى مظاهر خارجية لكنها تتسبب في آثار سلبية على نفسية الشخص. وأوضح بنحماد، في تصريح ل«التجديد» أن الاستهزاء أوالسخرية أحيانا تكونان بخلفية المزاح، أي المداعبة أو ما شابه ذلك، هذا الأمر يجب الاحتياط منه وعدم التوسع فيه، أمور كثيرة تبدأ مزاحا لكنها تنتقل إلى جدية، وتترك آثارها في القلب، وعليه ينبغي الاحتياط في هذا الأمر، فكثير من المزاح انقلب للأسف الشديد إلى عداوة وحقد. فلا يقبل أي شخص أن يكون مثار سخرية، وتبلغه في الأخير بأن الأمر مجرد مزاح، فيما لا تقبل إذا ما عاملك بالمثل. وعن احتقار بعض رؤساء العمل للموظفين بطريقة مشينة أمام الآخرين، قال بنحماد :»فيما يتعلق بتدبير الموارد البشرية، ينبغي بكل تأكيد تجنب كل ما يمكنه الانتقاص من الشخص، على أساس أن تلك الملاحظات يجب أن تسير في اتجاه العمل، وليس في اتجاه بيان ضعف الشخص، ولعل قوله تعالى في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم،» ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك» حكمة، وبالتالي يجب أن يتقدم المعني بملاحظاته بصيغة فيها احترام وتقدير للآخر وعدم الخلط بين المسائل الشخصية في العمل، اللوم بطريقة السخرية لا يساعد على العمل ولا إتقانه -يضيف المتحدث نفسه-. ولتجاوز مثل هذه الممارسات، أكد بنحماد على ضرورة التوسط و الاعتدال في المعاملات، والتقليل من المزاح الثقيل وعدم التوسع فيه، مشددا، «ينبغي ألا يتخلل المزاح كلاما جارحا أو نوعا من انتهاز الفرصة، وإذا استطاع الإنسان أن يمتنع عن مثل هذه الممارسات، فسيكون أمرا جيدا للحفاظ على العلاقات وتقدير بعضنا البعض». استصغار الآخرين السخرية والاستهزاء من المحرمات في حق من يتأذى به لما فيه من تحقير واستصغار للآخرين، قال الله تعالى : «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون». وقال ابن كثير رحمه الله، ينهى تعالى عن السخرية من الناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الكِبْر بطر الحق وغِمْض الناس. ويروى: وغمط الناس. والمراد من ذلك: احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له.