ما هو موقف الدين االإسلامي من الضحك والمرح والمزاح.؟ وهل يجوز للمسلم أن يضحك ويمزح ، ويفرح ويمرح ، وتصدر عنه النكات والطرائف والملح ، بالقول أو بالفعل ، فيضحك الآخرين؟ إن بعض الناس تكونت لديه فكرة: أن الدين يحرم على الإنسان الضحك والمزاح والتنكيت والمداعبة ، ويفرض عليه الجد والصرامة في كل أحواله. ويؤيدون هذا الاعتقاد بأمرين: الأول: موقف كثير من المتدينين ، أو المتحمسين للدين ، حيث لا يرى أحدهم إلا مقطب الجبين ، عبوس الوجه ، متجهمًا عند اللقاء ، خشنًا في الكلام ، فظًا في المعاملة مع الناس ، وخصوصًا غير المتدينين. حتى حسب بعض الناس أن هذه هي طبيعة الدين والتدين. والثاني: بعض النصوص ، التي قرؤوها أو سمعوها من بعض الوعاظ والخطباء ، ففهموا منها أن الإسلام لا يرحب بالضحك والفرح والمزاح ، مثل حديث "لا تكثر من الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب". وحديث: "ويل للذي يحدث الحديث ليضحك به القوم ، فيكذب ، ويل له ، ويل له".، وحديث وصف النبي صلى الله عليه وسلم ، بأنه: "كان متواصل الأحزان". وقوله تعالى على لسان قوم قارون: (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) القصص: ,76 حدود المشروعية في الضحك والمزاح: إن الإسلام بوصفه دين الفطرة لا يتصور منه أن يصادر نزوع الإنسان الفطري إلى الضحك والمرح والانبساط ، بل هو على العكس يرحب بكل ما يجعل الحياة باسمة طيبة ، ويحب للمسلم أن تكون شخصيته متفائلة باشّة ، ويكره الشخصية المكتئبة المتطيرة ، التي لا تنظر إلى الحياة والناس إلا من خلال منظار قاتم أسود. وأسوة المسلمين في ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يمزح ولا يقول إلا حقاً، ويحيا مع أصحابه حياة فطرية عادية، يشاركهم في ضحكهم ولعبهم ومزاحهم، كما يشاركهم آلامهم وأحزانهم ومصائبهم. يقول زيد بن ثابت، وقد طُلب إليه أن يحدثهم عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : [ كنت جاره، فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إليّ فكتبته له، فكان إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، قال: فكل هذا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ]. [رواه البيهقي] . وقد وصفه أصحابه بأنه كان من أفكه الناس. وقد رأيناه في بيته - صلى الله عليه وسلم - يمازح زوجاته ويداعبهن، ويستمع إلى أقاصيصهن ، إن الضحك والمرح والمزاح أمر مشروع في الإسلام كما دلت على ذلك النصوص القولية، والمواقف العملية للرسول الكريم وأصحابه صلى الله عليه وسلم . وما ذلك إلا لحاجة الفطرة الإنسانية إلى شيء من الترويح يخفف عنها لأواء الحياة وقسوتها، وتشعب همومها وأعبائها. كما أن هذا الضرب من اللهو والترفيه يقوم بمهمة التنشيط للنفس، حتى تستطيع مواصلة السير والمضي في طريق العمل الطويل، كما يريح الإنسان دابته في السفر، حتى لا تنقطع به. فمشروعية الضحك والمرح والمزاح لا شك فيها في الأصل، ولكنها مقيدة بقيود وشروط لا بد أن تُراعى. أولها : ألا يكون الكذب والاختلاق أداة الإضحاك للناس، كما يفعل بعض الناس في أول إبريل - نيسان - فيما يسمونه "كذبة إبريل". ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: [ويل للذي يُحدث فيكذب، ليُضحك القوم، ويل له، ويل له، ويل له ] . [رواه أبو داود والترمذي]. وقد كان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً. ثانياً: ألا يشتمل على تحقير لإنسان الآخر، أو الاستهزاء به والسخرية منه، إلا إذا أذن بذلك ورضي. قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءًٌ من نساءٍ عسى أن يكنّ خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفُسوق بعد الإيمان) . (الحجرات 11) . وجاء في صحيح مسلم : [ بحسْب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ] . وذكرت عائشة أمام النبي صلى الله عليه وسلم إحدى ضرائرها، فوصفتها بالقصر تعيبها به، فقال: [ يا عائشة ، لقد قلت كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته] قالت: وحكيت له إنساناً - أي قلدته في حركته أو صوته أو نحو ذلك - فقال :[ ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا ] . [رواه أبو داود والترمذي] . ثالثاً: ألا يترتب عليه تفزيع وترويع لمسلم. فقد روى أبو داود عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال : حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم ، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ، ففزع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ لا يحل لرجل أن يروِّع مسلماً ] . وعن النعمان بن بشير قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير، فخفق رجل على راحلته - أي نعس - فأخذ رجل سهماً من كنانته فانتبه الرجل، ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا يحل لرجل أن يروع مسلماً] (رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات) . والسياق يدل على أن الذي فعل ذلك كان يمازحه. وقد جاء في الحديث الآخر: [لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً] . (رواه الترمذي وحسّنه) . رابعاً : ألا يهزل في موضع الجِد، ولا يضحك في مجال يستوجب البكاء، فلكل شيء أوانه، ولكل أمر مكانه، ولكل مقام مقال، والحكمة وضع الشيء في موضعه المناسب. ومن ممادح الشعراء: إذا جدّ عند الجِد أرضاك جِده وذو باطل إن شئت ألهاك باطلُه! والباطل هنا يقصد به اللهو والمرح. وقال آخر: أهازلُ حيث الهزلُ يَحسُنُ بالفتى وإني إذا جدّ الرجال لَذو جِدّ! وروى الأصمعي أنه رأى امرأة بالبادية تصلي على سجادتها خاشعة ضارعة فلما فرغت، وقفت أمام المرآة تتجمل وتتزين، فقال لها: أين هذه من تلك! فأنشدت تقول: ولله مني جانب لا أضيعه وللهو مني والبطالة جانب! قال : فعرفت أنها امرأة عابدة لها زوج تتجمل له. وقد عاب الله تعالى على المشركين أنهم كانون يضحكون عند سماع القرآن وكان أولى بهم أن يبكوا ، فقال تعالى : ( أفمن هذا الحديث تعجبون* وتضحكون ولا تبكون* وأنتم سامدون ) . (النجم 59-61) . خامساً : أن يكون ذلك بقدر معقول، وفي حدود الاعتدال والتوازن، الذي تقبله الفطرة السليمة ، ويرضاه العقل الرشيد ، ويلائم المجتمع الإيجابي العامل . والإسلام يكره الغلو والإسراف في كل شيء، ولو في العبادة ، فكيف باللهو والمرح ؟! ولهذا كان التوجيه النبوي : " ولا تكثر من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب " فالمنهي عنه هو الإكثار والمبالغة . وقد ورد عن علي رضي الله عنه قوله : " أعط الكلام من المزح بمقدار ما تعطي الطعام من الملح " وهو قول حكيم، يدل على عدم الاستغناء عن المزح، كما يدل على ضرر الإفراط فيه وخير الأمور هو الوسط دائماً ، وهو نهج الإسلام وخَصيصته الكبرى ، ومناط فضل أمته على غيرها. • موقف المتشددين: ولا ريب أن هناك من الحكماء والأدباء والشعراء من ذم المزاح، وحذّر من سوء عاقبته، ونظر إلى جانب الخطر والضرر فيه، وأغفل الجوانب الأخرى. ولكن ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحق أن يُتبع، وهو يمثل التوازن والاعتدال. وقد قال لحنظلة حين فزع من تغير حاله في بيته عن حاله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتهم نفسه بالنفاق: [يا حنظلة؛ لو دمتم على الحال التي تكونون عليها عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ، وهذه هي الفطرة، وهذا هو العدل]. روى ابن أبي شيبة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متحزقين ولا متماوتين، كانوا يتناشدون الأشعار، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحدهم على شيء من أمر دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون . والتحزق _ كما يقول الإمام الخطابي _ : التجمع وشدة التقبض . وفي النهاية لابن الأثير: متحزقين: أي منقبضين ومجتمعين. وسئل ابن سيرين عن الصحابة : هل كانوا يتمازحون؟ فقال: ما كانوا إلا كالناس. كان ابن عمر يمزح وينشد الشعر. وبهذا يكون موقف أولئك النفر من المتدينين أو المتحمسين للدين، وعبوسهم وتجهمهم الذي ظنه البعض من صميم الدين، لا يمثل حقيقة الدين في شيء، ولا يتفق مع هدي الرسول الكريم وأصحابه. إنما يرجع إلى سوء فهمهم للإسلام، أو لطبيعتهم الشخصية، أو لظروف نشأتهم وتربيتهم. وعلى كل حال، لا يجهل مسلم أن الإسلام لا يؤخذ من سلوك فرد أو مجموعة من الناس، يخطئون ويصيبون، والإسلام حُجة عليهم، وليسوا هم حُجة على الإسلام، إنما يؤخذ الإسلام من القرآن والسنة الثابتة. الضحك صفة كمال في الإنسان كبقية الصفات التي تميزه عن الحيوان، وهي مبعث سرور، ودليل صحة، وسبب ألفة ومحبة، ووسيلة دعوة وتأثير، ولفتُ نظرٍ وشدُّ انتباهٍ للآخرين، إلا أنه لا بد من ضابط لهذه الصفة الطيبة، حتى لا تخرج عن طورها، فتنقلب إلى ضدها. ولذلك كان ضحكه صلى الله عليه وسلم مشتملاً على كل المعاني الجميلة، والمقاصد النبيلة، فصار من شمائله الحسنة، وصفاته الطيبة، لقد كان ضحكه تربية وتوجيهاً، ودعوة ومداعبة، ومواساة وتأليفاً، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ألا يُكثر الإنسان من الضحك، ولا يبالغ فيه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا هريرة:... أقل الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وكان من صفته صلى الله عليه وسلم أنّ جل ضحكه كان تبسماً. فدينه صلى الله عليه وسلم رحمة، ومنهجه سعادة، ودستوره فلاح، ولذلك فهو يهشّ للدعابة، ويضحك للطرفة، ويتفاعل مع أصحابه في مجريات أمورهم وأحاديثهم. وهناك الكثير من الأحاديث والروايات التي تؤكد أهمية الضحك والإبتسام ، وإن كانت في الوقت نفسه تشدد على التزام حدود معينة . ف‘‘لا بأس بالمزاح ما لم يكن سفهاً ، ويشدد الرسول (ص) على أهمية الترويح (أي المزاح والضحك) بقوله : ‘‘روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة ، فإن القلوب إذا كلّت عميت'' وردت مادة الضحك في القرآن الكريم 10 مرات على النحو التالي: 1 – "فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" ( التوبة 82). 2 – "وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ" ( هود 71) 3 – "فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ" (المؤمنون 10). 4- "فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ" (النمل 19 ) 5 – " فَلَمَّا جَاءَهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ" (الزخرف 47) 6 – "وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى" ( النجم 43) . 7 – " أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ " (النجم 60،59) . 8 – " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ " ( عبس 39،38 ) 9 – " إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ" (المطففين 29 ) . 10– " فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ " ( المطففين 34 ) وفى (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوى) الذى وضعه المستشرق فنسنك ونشرته مطبعة بريل فى مدينة ليدن الهولندية - يقع فى سبعة مجلدات كبيرة - وردت لفظة الضحك ومشتقاتها قرابة مائتين مرة ..نذكر منها المقتطفات التالية : *ضحك اللهُ الليلة وعَجِب من فِعالكما . * ضَحِكَ رسولُ الله ( فقلنا ما يضحكك ؟ * إذْ ضحك فقال : ألا تسألونى ما يضحكك .. * فالتفت إليه رسول الله ( ثم ضحك .. * ثلاثةٌ يضحك الله إليهم .. * قضى رسول الله ( صلاته وجلس على المنبر وهو يضحك . * قال : تضحكُ منىِّ يارسول الله .. * فقال ( ممَّ تضحكون .. * فقال ( ألا تسألونى مما أضحك .. * فتبسَّم رسول الله( ضاحكاً .. * ما يضحكك يارسول الله .. * وكان نعيمان (أحد الصحابة) رجلاً مضحاكاً مَزَّاحاً . آداب الضحك في الإسلام؛ * كان صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب". * عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا قال: " نعم غير أني لا أقول إلا حقاً". * وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له " * أيضا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التعدي على ممتلكات الغير: قال صلى الله عليه وسلم : " لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعباً أو جاداً. *عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق". يعتقد البعضُ أن الضحكَ قرينُ اللهو والمجون ، وأنه مذمومٌ شرعاً بحكم الحديث الشريف : كثرة الضحك تميت القلب .. وتلك حُجَّةٌ واهية ، إذ أنَّ الضحكَ لا يقترن بالضرورة بالمجون ، وإنما يقترن دوماً بالصحة النفسية ، فالذى لا يعرف الضحك يعانى من اختلالٍ ما فى صحته النفسية . وليس صحيحاً ما يقال من الحجج الشرعية فى ذمِّ الضحك ، وإلا فكيف نقبل تلك الأخبار النبوية التى تروى أن النبى ( ضحك فى بعض المواقف حتى بدت نواجذه ، وأنه ( كان كثيرَ التبسُّم داعياً للبشاشة .. وفى حياة الصحابة والتابعين الكثير من المواقف الطريفة التى تجسِّد الفكاهةَ والمرحَ. أما الحديث الشريف (كثرةُ الضحك تُميت القلبَ) فإنَّ فَهْمَ الناس له غير صحيح .. فقد فهموه بدلالة المخالفة (إذا كانت كثرة الضحك تميت القلب فإن قِلَّةَ الضحك تُحيى القلب) وهذا فهٌم غير مستقيمٍ ولا سندَ له فى الحقيقة ، بل الفهم الذى يستقيم مع النظرة الوسطية للإسلام ، هو (كثرة الضحك تميت القلب وقلة الضحك تميت القلب ، فحياة القلب فى الاعتدال) والاعتدالُ والوسطيةُ هما روحُ الشريعة الإسلامية .. وهكذا يمكن أن نفهم هذا الحديث إن صحَّ إسناده ولم يكن من الإسرائيليات وإذا كان (الغَمّ) هو أحد ملامحِ الفكر اليهودى - وقد ورد فى التوراة : من ازداد علماً فقد ازداد غَمّاً - فإن الاعتدال الإنسانىَّ هو أحدُ ملامحِ الفكر الإسلامى ، ومن مظاهر الاعتدال والإنسانية : التبسم والضحك . و الإمام السيوطى (جلال الدين أبى الفضل عبد الرحمن بن أبى بكر بن محمد، المتوفَّى 911هجرية) واحدٌ من أشهر أعلام الإسلام ، تزيد مؤلَّفاته على خمسمائة كتاب ورسالة ، تغطِّى العديدَ من فروع الثقافة الإسلامية .. ومن هذه الفروع عِلمُ الحديث النبوى - أحد العلوم الركيزية فى الفكر الإسلامى- فقد كان السيوطى من كبار المحدِّثين فى تاريخ الإسلام ، وله فى الحديث كتابان مشهوران: الجامع الصغير فى أحاديث البشير النذير ، والجامع الكبير . وفى الكتابين يروى السيوطى الأحاديث الآتية : * ضَحِكَ الله من رجلين قتل أحدُهما صاحبه وكلاهما فى الجنة ! * ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب . * ضحكتُ من قومٍ يساقون إلى الجنة مقرنين فى السلاسل . * ضحكتُ من أُناس يأتونكم من قبل المشرق يساقون إلى الجنة وهم كارهون . أما الحديث الذى ورد فيه أن رسولَ الله( (ضحك حتى بدت نواجذه) فقد أخرجه البخارى بثلاث روايات وأبو داود براويتين والترمذى برواية واحدة وابن ماجه بروايتين وابن حنبل بستة روايات ! ومواقف ضحكه صلى الله عليه وسلم متعددة متنوعة: ومن ضحكه صلى الله عليه وسلم ما يكون مع الأعراب الغلاظ الشداد، يضحك معهم ليشعرهم بالسعة والرحمة والنعمة التي جاء بها الإسلام، وأن الدين فيه فسحة ورفق ولين، فيقابل الإساءة بالإحسان، والعبوس بالضحك، ومن ضحكه ما يكون فرحاً بانتشار الإسلام، وذلك عندما دخل صلى الله عليه وسلم على أم حرام بنت مِلحان وهي من محارمه، فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله، ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ( ناس من أمتي، عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج - وسط- البحر، ملوكاً على الأسِرّة، أو مثل الملوك على الأسرة ) متفق عليه. يضحك النبي من ذلك لأنه رأى البشرى، رأى تلامذته وأتباعه وكتيبته، سيركبون البحار والمحيطات؛ غزاة في سبيل الله، ينشرون لا إله إلا الله في الآفاق، ويعبرون بها حدود الزمان والمكان. إن قوماً عاشوا معه صلى الله عليه وسلم، ورأوا ابتسامته، وتحيته، ويسره، وسهولته، لتمنوا أن يفقدوا الآباء والأمهات والأبناء والأنفس، ولا يشاك هو بشوكة. إن جيلاً رباه المصطفى صلى الله عليه وسلم على تلك المعالم، وهذه التعاليم، لجديرٌ بأن يفتح المعمورة، وتدين له الدنيا كلها، صغيرها وكبيرها، عزيزها وذليلها.