لا شك أن تفرغ المرأة للمهمة العظيمة المتمثلة في تربية الأبناء ورعاية شؤون البيت؛ نجاح عظيم تحققه المرأة على درب إيجاد ذرية صالحة نافعة لنفسها ولمجتمعها وناجحة في حياتها الدينية والدنيوية ولا يتم ذلك إلا بالامتثال العام لوصية القرآن الكريم "وقرنَ في بيوتكن". وهذه الحقيقة يؤكد عليها كثيرا كل من علماء التربية وعلماء الشرع على حد سواء. وليس سرا أن نعلم أن هذا الأمر ليس قاصرا على العرب والمسلمين؛ بل قد توصل إليه جمع من عقلاء الغرب، وإن صَوَّر ذلك دعاة تحرير المرأة بأنه رجعية وتخلف وظلامية. وممن أكد على هذا المفكر الغربي هنري ماريون الذي كان أستاذا في كلية الآداب بباريس. بل صدر تقرير للأمم المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي يؤكد أنه لو أُنفق نصف الدخل القومي للنساء نظير القيام بأعمال البيت لما كان كثيرا بالنظر لما تكتسيه مهمة المرأة في بيتها من الأهمية والأولوية. ونشرت الديلي إكسبريس البريطانية تقريرا أعدته إحدى جمعيات الأطفال جاء فيه: "إن الأمهات اللواتي يخرجن من منازلهن من أجل العمل يرتكبن خطأ كبيرا إذ أن الأطفال ينشؤون كسالى…. قد فقدوا حنان الأم". وقد أكدت على هذا الأمر الدكتورة كارلا بيانتيل… بل حتى بعض دعاة تحرير المرأة في عالمنا العربي كنجيب محفوظ. [ينظر كتاب (طوائف من رجال الغرب ونسائه يعترفون)]. ومع ذلك فتمت مهام لا تصلح لها إلا النساء، والإسلام لم يمنع عمل المرأة بإطلاق وبحكم واحد ينسحب على كل امرأة وكل وظيفة. وإنما يستقيم الحديث بالتأكيد على فضل قرار المرأة في بيتها وشرف مهمتها فيه كأصل، وبيان أن الخروج هو استثناء لحاجة شخصية أو مجتمعية. ومن الحاجة المجتمعية عمل المرأة في التوليد أو تطبيب النساء أو تعليمهن أو ما شابه ذلك؛ إذا هيئت الظروف والشروط لتكون البيئة سليمة وصالحة لهذا العمل. وفي هذه الحالة الضيقة يتم التأكيد على الضوابط الشرعية كالحجاب بكل شروطه، وترك الخلوة بالأجنبية وتجنب الاختلاط بين الرجال والنساء وسد كل أبواب الفتنة التي يستغلها الفاسدون من الذئاب البشرية كالخضوع بالقول والتمايل في الحركة.. وقد عاينا جميعا ونعاين يوميا من خلال مواقع التواصل وصحافة الفضائح ما يتجرعه المجتمع جراء التفريط في هذه الضوابط -وغيرها مما قرره أهل العلم- من انتشار الخيانة الزوجية والزنا والفساد والتحرش… وما ينجم عن ذلك من كوارث القتل والطلاق وتشتت الأسر وضياع الأبناء وفساد المجتمع. ومن الضوابط أيضا ألا يكون العمل خارج البيت سببا للتفريط في المهمة الأساسية للمرأة في رعاية بيتها وأبنائها والإشراف عليه وبخاصة في الجانب التربوي والعاطفي.. وقد أطلق بعض الشباب الطيبين في الأيام الأخيرة حملة لمقاطعة الزواج بالموظفات (مغاربة ضد الزواج بالموظفة)؛ ما أثار زوبعة وفتنة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي رجالا ونساء، بل وصل لهيبها لبعض الدعاة والمتخصصين مع الأسف. ولا شك أن مهمة الدعاة لا تعدو الدعوة إلى الله والإرشاد للخير بالتي هي أحسن للتي هي أقوم بالرفق والكلمة الطيبة والأسلوب الحسن بعيدا عن التخويف والوعيد، والتهديد فضلا عن إطلاق حملات تستهدف طائفة كبيرة من النساء حقها علينا التوجيه والرحمة والبيان. نعم، لا بأس من توعية الرجل المقبل على الزواج من مخاطر اختيار الزوجة العاملة خارج البيت عليه وعلى أسرته وأبنائه… لكن دون حملات أو استعداءات وحروب مجانية. فالأولى أن كل من شاركوا في هذه الحملة سلبا أو إيجاب، معها أو ضدها، أن يكفوا وأن يحجبوا مشاركاتهم في الموضوع حتى لا يزيد فتنة وتقاطبا وإيغارا للصدور وتنفيرا لكثير من الصالحات. وعوضا عن ذلك؛ ينشغل المصلحون من الدعاة والتربويين ببيان الشروط والضوابط والدعوة للحجاب وبيان محاسنه، والتنفير من التبرج وبيان خطره، والتحذير من الاختلاط بين الجنسين وإيضاح أثره السيء على الأفراد والمجتمعات.. وهذه أمور باليقين هي محل اتفاق بين كل النشطاء على مواقع التواصل، والانشغال بها نافع مثمر ويغني عن حملة حقيقتها الرحمة لكن تظهر بمظهر المنتقم المحارب المعتدي. وبخاصة مع سحب حكم واحد على الكل دون مراعاة فوارق ولا خصوصيات شخصية ولا مجتمعية. والله ولي التوفيق.