يبدو أن الفوز الذي حققه المنتخب المغربي في كأس العالم، والإشعاع الكبير الذي تركه عربيا وإفريقيا ودوليا، زاد من تعميق الصراع بين الجزائروالرباط، فأصبحت الرياضة بؤرة أساسية لتصريف التوتر والتنافس بين البلدين. الاتحاد الدولي لكرة القدم كافأ الأداء المغربي بمونديال قطر، فمنحه شرف تنظيم كأس العالم للأندية في فبراير من السنة القادمة في حين، حظيت الجزائر بتنظيم الشان (منتخب المحليين أقل من 23 سنة)، وبقي الصراع مفتوحا على تنظيف الكان (بطولة كأس الأمم الإفريقية المزمع تنظيمها في 2025) بعد تقديم الجزائر والمغرب ترشيحهما لتنظيم هذه الفعالية (ستة ملفات مرشحة). الجزائر، ومن أعلى مستوى، لا تزال تعتقد أن سبب إقصاء منتخبها من كأس العالم، يعود لما تسميه ب»الكواليس»، وتتهم الحكم (باركاري كاساما) الذي قاد مباراة الجزائر والكامرون بالارتشاء، وبالضلوع في مؤامرة بتنسيق مع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم السيد فوزي لقجع، ولا تزال إلى اليوم تتهم المغرب، من خلال مؤثريه في الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بإقصاء الجزائر واستهداف الكرة الجزائرية. عدد من المنتخبات العربية والإفريقية، أعربت عن عدم مشاركتها في «الشان» المقرر عقدها في الجزائر بين 13 يناير والرابع من فبراير القادم، وذلك لاعتبارات مختلفة. اتحاد الكرة بمصر، علل قراره بالتفرغ للمنتخب القومي المصري وإعداده لمحطة مناقشة الشان بعد فشله في التأهل للمونديال، واتحاد الكرة في تونس، علل الأمر بتركز جهوده على تجهيز المنتخب الأول للمشاركة في نهائيات كأس العالم، بينما اعتذرت أوغندا عن الحضور لاعتبارات مالية. المؤشر الجديد الذي ظهر قبل يومين، هو القرار الذي اتخذته الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وذلك بوضع شرط للمشاركة في فعاليات «الشان» بالجزائر، وذلك بتمكين المنتخب المغربي للمحليين من السفر في خط مباشر بين الرباط وقسطنطينة، المدينةالجزائرية التي ستنظم فعاليات «الشان» وذلك عبر الناقل الرسمي (الخطوط الملكية المغربية). الجامعة الملكية المغربية صرفت قرارها بذكاء، لأنها اختارت من حيث الشكل أن توجه الرسالة للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم بدل توجيهها إلى البلد المنظم، وذلك حتى لا تعطي الموضوع بعدا ثنائيا، واستندت في تعليلها إلى دفاتر تحملات «الكاف» في تنظيم مثل هذه الفعاليات. القرار المغربي، انطلق في الواقع من أربع حيثيات مهمة، أولها، الإصرار على معاكسة الرواية الجزائرية بكون المغرب يريد إفشال «الشان» والتأكيد على نية هذا المنتخب المشاركة. والثاني، تجنب اتخاذ أي قرار يمكن أن ينجم عنه تكبد عقوبات من قبل «الكاف». والثالث، وهو تجنب أي مناكفة مع الجزائر، وذلك بمحاورة «الكاف» بدلا عن البلد المضيف. والرابع، وهو استثمار مقتضيات قانونية في دفاتر التحملات، لإجبار البلد المضيف على كسر جزئي لقرار منع الطائرات المغربية من التحليق في الأجواء المغربية، وتعليق حركات الطيران الجوي بين البلدين، إذ اشترط المغرب أن يتم نقل المنتخب المغربي من قبل الناقل الرسمي (الخطوط الملكية المغربية) وذلك ضمن خط مباشر بين الرباط وقسطنطينة. الجزائر، ستكون بمقتضى هذا القرار محرجة من ثلاث زوايا، أولها، أنها ستجد نفسها أمام مطلب عادل وموضوعي، يتعلق باحترام دفتر التحملات التي وقعته عند تقديم ملفها للترشيح للفوز بتنظيم «الشان». والثاني، أنها ستكون في حوار ومواجهة مع «الكاف» بدلا من مواجهة المغرب، لأن رسالة المغرب وجهت ل«الكاف» وليس للجزائر، مما يفرض على اتحاد الكرة الجزائري وجوبا الجواب عن الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم. والثالثة، أن التجاوز مع القرار المغربي، سيحرج الجزائر من جهتين، ففي حالة الاستجابة، سيكون المغرب فرض على الجزائر كسرا جزئيا لقرار سيادي، يتعلق تعليق الرحلات الجوية المباشرة بين الطرفين، وستنظر النخب الجزائرية إلى قرار الاستجابة على أساس أنه رضوخ لمطالب المغرب، وتكسير للصورة الممانعة التي حرصت النخب السياسية الجزائرية أن تظهر عليها في مواجهة المغرب. أما في حالة الرفض، فإن ذلك سيشكل مستندا قويا يمكن أن يرتكز عليه لانسحاب منتخبات أخرى، كما يمكن أن يستند إليه لإضعاف ملف الجزائر لتنظيم «كان» 2025، إذ إلى جانب نقاط ضعف أمنية ولوجستية سجلت في السابق على تنظيم الجزائر للملتقيات الدولية، يمكن أن تضاف إليها نقطة الضعف هذه لتشكل ضربة قاصمة لملف ترشيحها، كما يمكن أن يكون الرفض مستندا لترتيب عقوبات من «الكاف» على اتحاد الكرة الجزائري بما يؤثر على ملف ترشيحها ل»الكان» 2025. الجزائر وعبر عدد من نخبها، وخاصة الرياضية منها، استبقت الحديث عن وجود «كواليس» داخل الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، وأن الترشيح قد حسم مسبقا لصالح ملف المغرب، وأن قرار تأجيل تاريخ الإعلان عن الفائز يؤكد أن الموضوع قد حسم لصالح الرباط. لكن في الجانب المقابل، ثمة من يرى أن التسابق لطرح نظرية المؤامرة على الجزائر، أضحى سلاحا جزائريا يستعمل بشكل مسبق، للضغط على الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم لترجيح ملفها في مواجهة الملفات الخمسة المنافسة. لحد الآن، لا شيء حسم. المؤشرات الجارية، تفيد بأن تصريف التوتر بين البلدين في حقل الرياضة، سيمتد لأكثر من شهر، ويمكن أن يأخذ مدى أبعد من ذلك، إذا لم يتم قبول ملف الجزائر لتنظيم «كان» 2025، ورجح ملف من ملفات الدول الخمس المنافسة، إذ من المرجح أن تستمر النخب الجزائرية، بما في ذلك السياسية منها، في تبني أطروحة المؤامرة، لاسيما وأن هناك تحشيدا إعلاميا يعم كل البلاتوهات الرسمية والخاصة، يحاول تعميم القناعة بأن ملف الجزائر هو الأفضل، وأنها تمتلك المؤهلات اللوجستية التي تعادل مؤهلات المغرب أو تفوقها، وأن نقطة ضعفها الوحيدة، حسب ما تروج له هذه النخب هو غيابها عن التأثير في بنيات وهيئات الاتحادات الإفريقية والدولية لكرة القدم. من جهة المغرب، ثمة اليوم تقدير مختلف للنخب الرياضية والسياسية على السواء، فالنجاح الذي حققه المنتخب المغربي بمونديال قطر، والإشعاع الذي كسبه المغرب في العالم من جراء هذا الإنجاز التاريخي، فضلا عن الدعم العربي والإفريقي والدولي، جعل أفق التطلع في مجال الرياضة، يتجاوز المناكفة مع الجار الجزائري، ويقارب أهدافا أكبر، تتعلق بتأكيد الاستمرارية في تحقيق الإنجازات، وتعزيز الاستراتيجيات التي اعتمدت للنهوض بكرة القدم. تصريحات رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بعد اجتماع المكتب المديري تعطي صورة واضحة عن هذا الأفق، إذ حرص فوزي لقجع على طرح قضية الاتجار في تذاكر مباريات المنتخب المغربي بمونديال قطر، وتداعياتها السلبية، وتشويشها على إنجاز المنتخب المغربي، متوعدا مرتكبي هذه الجريمة بأقصى العقوبات، وبالإقصاء الكلي من أروقة كرة القدم ومن مختلف مستويات الهيئات، مع التأكيد على ضرورة الاستمرار في استكمال العناصر الاستراتيجية التي تضمن النهوض بالكرة المغربية وتحقق التراكم فيها. ثمة رأي يرى أن وصول التوتر إلى حقل الرياضة هو أمر طبيعي، فالخلاف السياسي يمتد إلى كل الحقول بما في ذلك حقل الرياضة، والرهان على القاعدة الشعبية هو جزء في إدارة التوتر، والرياضة تتمتع بهذه القاعدة العريضة. وثمة في المقابل رأي آخر، يرى أن استعمال نظرية المؤامرة في حقل الرياضة هو الأمر الأسهل، لأن الجماهير ترتبط عاطفيا بمنتخباتها، فيصير من السهل إقناعها بهذه النظرية، أكثر من إقناعها بها في حقل السياسة، وأن قبولها في حقل الرياضة، ييسر لدى النخب السياسية عملية الإقناع بوجود مؤامرة في السياسة وتدبير العلاقة بين البلدين. في مونديال قطر، أثبت التلاحم بين الشعبين الجزائري والمغربي فشل نظرية استعمال نظرية المؤامرة في حقل السياسة والرياضة معا، فقد كان الجمهور العربي الواسع، وضمنه الجمهور الجزائري النشط في مقدمة الداعمين للمنتخب المغربي، وكان الخطاب السائد أن الشعبين المغربي والجزائري أخوة، وأن السياسة لا تؤثر على هذه الأخوة، ولا تفسدها، لكن، رهان السياسيين على إفساد هذه الأخوة، بتأجيج خطاب المؤامرة في حقل الرياضة، أضحى يمثل اليوم تحديا آخر. تحتاج النخب السياسية أن تدرك في هذه الظرفية الحرجة أهمية تبني بلورة خطاب عقلاني، يلفت الانتباه إلى المؤشرات التي تنهض بها الرياضة، وإلى عناصر قوة التجارب الناجحة، ومخاطر الاختفاء وراء نظرية المؤامرة لتبرير فشل السياسات العامة والسياسات في الحقل الرياضي خاصة؟