تسييس الفرح أو استثمار الغضب كلاهما رهانان خاسران، من طرف الفاعل السياسي الرسمي أو المعارض، في منظومة الفعل السياسي المغربي، فالمعارضة السياسية؛ خاصة ما تطلق على نفسها قوى الممانعة، تحاول دائما وأبدا، في إطار دورة سياسية أشبه بالدوامة، أن تسثمر الغضب السياسي، وتبلغ بالاحتقانات الموسمية، التي تتكرر كل عقد من الزمن إلى مداها، لأن مشاريع الفاعل السياسي الرسمي، لا تنتج سوى الوعود التي لا تأتي، وتبقى ما يطلق عليها الأغلبية الصامتة، تنتظر "عودة غودو"، لتنتحر كل مرة على أعواد الانتظار، ثم تبعث من رمادها كطائر الفينق، مع وعود أخرى قد تأتي أو لا تأتي، وهكذا تستمر محنة التكرار، التي صاحبت الفاعل السياسي منذ اتفاقية إكس ليبان إلى الآن. المهم في هذا الحجاج، هو أن قوى الممانعة، يمنى فعلها الاحتجاجي بالفشل، ولا تستطيع أن تتقدم في صيغ وأشكال ومضامين النضال، وتقف في نهاية المطاف، عاجزة عن تحويل حالات الغضب السائدة، إلى حالات استياء عامة، فتتحول حالات الغضب هذه إلى حالات اكتئاب وتتثاؤب، ولا يتجاوز الفعل النضالي بضعة وقفات معزولة أومسيرة وطنية، هي أشبه بالكرنفال السياسي، منها بعمل الاحتجاج الجدي والخلاق، حيث يحاول الفاعل السياسي الرسمي في حالات الاحتقان الشعبي، أن يحني رأسه للعاصفة، يترك بالون قوى الممانعة يمتلئ، بزفرات الغضب المتحكم فيه، ثم لما يمتلأ على أخره، يقوم بوضع ثقب صغير فيه، فيبدأ المد يتراجع رويدا رويدا، إلى أن يخفت هديره، ويرمى بالبالون في سلة المهملات وذاكرة النسيان، ولم يخرج عن محنة التكرار هذه سوى حركة 20 فبراير المجيدة، التي تغذت من وقود الربيع العربي، لكن لما تحول خريفا، صارت رمادا تدروه الرياح السياسوية والإيديولوجية. ما يلاحظ على فعل قوى الممانعة السياسية، أنها تستثمر كل أرصدتها فقط في مجال الغضب وتحوله إلى اكتئاب للأسف، كما ذكر آنفا، لكنها عاجزة عن الاستثمار في مجال الفرح، وهنا تكمن خطيئتها وخطؤها، فمجال الفرح هو مجال سيادي، ومسيج من طرف الفاعل السياسي الرسمي بلا منافس، وتمثل لحظات الفرح لحظات تيه واغتراب لدى قوى المعارضة السياسية، التي تعتبر استثمار هذه اللحظات، أو المشاركة في ذلك، وكأنها رجس من عمل الشيطان يجب أن تجتنبه، وقد كانت لحظة الفرح العارمة، بمناسبة ما حققته النخبة الوطنية، في إقصائيات كأس العالم، المقامة حاليا بقطر، كاشفة وقاصفة لمن يدمن على المكابرة، حيث غابت هذه القوى عن الساحات الفسيحة التي ملأتها الأغلبية الصامتة بعفوية وبكثافات غير مسبوقة. أما الفاعل السياسي الرسمي، فهو يدمن دائما وأبدا، على توظيف حالات الفرح بشكل مبتذل، فيحولها إلى حالات هتاف وتأييد وترموميتر يقيس به شرعيته ومشروعيته، بدون استثمار عناصر القوة في هذا الفرح، الذي يعيد حقيقة للإنسان المغربي البسيط ، توازنه النفسي والعاطفي، ويخرجه إلى الساحات أملا في مغرب أفضل، لكن عمليات الإخصاء المخزنية، تحوله إلى كائن مونولوجي يخاطب نفسه، وينعق بما لا يعرف أو يريد، وفي نهاية المطاف تجهض هذا الفرح، أو تساوم به، وتبيع أفراحه للانتصار لأوهامها. نعم من حق الأغلبية الصامتة هذه المرة أن تفرح، لأن الانتصار الرياضي كان حقيقيا، لأن الإصابات كانت تقع في الشباك، وبين ثلاثة أعمدة، على عكس تلك الإصابات الأخرى، التي يدعي الفاعل السياسي الرسمي تسجيلها، في مجال التنمية والتعليم والصحة، فهي إصابات خارج المرمى أو خارج الشرط، أو هي بتعبير صحيح إصابات داخل مرمانا نحن كأغلبية صامتة، ففرحتها مزيفة وممقوتة.. فلا تثريب إن خرجت الجماهير هذه المرة تعبر بعفوية عن فرح حقيقي. هذه هي أعطاب الفعل السياسي، فإذا كانت قوى المعارضة السياسية تسثمر في مجال الغضب، ويمنى اسثمارها بالفشل الذريع، ولا تسجل أي إصابة في شباك الفاعل الرسمي، فإن هذا الأخير، يعيش دورة معاكسة، تتجلى في توظيف حالات الفرح وتسييسها، ويركب على حصان طروادة، ليسجل العديد من الإصابات في مرمى المعارضة السياسية.