هوية بريس – الأربعاء 16 مارس 2016 صرح القرآن الكريم بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى الناس جميعاً وسائر الورى ، قال الله تعالى: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (الأعراف:158)، وقال تعالى: "تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا" (الفرقان:1)، وقال سبحانه: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" (الأنبياء:107)، وقال سبحانه: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّه قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (آل عمران:81-82). قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لم يبعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته، لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه". فهل يعقل بعد هذا البيان الإلهي الصريح في الأمر لرسوله صلى الله عليه وسلم بتبليغ الدعوة إلى العالم أجمع، بل إلى الثقلين "الإنس والجن"، أن يقال: إن رسالة الإسلام كانت خاصة، ثم حولها محمد صلى الله عليه وسلم إلى رسالة عامة؟! الإسلام دين الله سبحانه وتعالى، وقد جعله الله دين جميع الأنبياء والمرسلين، قال عز وجل: "إن الدين عند الله الإسلام"، وقال سبحانه :"قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (البقرة:136)، وقال سبحانه عن خليله إبراهيم وأولاده عليهم السلام: "إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين. ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمين. أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون" (البقرة:131-133). وقال عن يوسف عليه السلام: "رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين" (يوسف:101). وقال سبحانه عن سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ: "قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين" (النمل:44). وقال سبحانه عن نبيه موسى عليه السلام: "وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين" (يونس:84)، بل لو أدركه موسى وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لوجب عليهم اتباعه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني" رواه أحمد، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل". فدين الله هو دين جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم عليه السلام إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني أن جميع الرسالات جاءت بعقيدة واحدة وعبودية واحدة لله تعالى، وهي الاستسلام لله سبحانه وتعالى والانقياد التام له عز وجل، بجميع ما يأمر وينهى، وإن اختلفت الشرائع والأحكام. قال ابن كثير: "والآيات في هذا كثيرة، كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تُحْصَر، وهو معلوم من دين الإسلام ضرورة أنه رسول إلى الناس كلهم". وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم رسولا للناس كافة كما نصت آيات القرآن الكريم، فهو إذن مطالب بتبليغ الدعوة للناس كافة عربهم وعجمهم؛ لأنها مهمته -صلى الله عليه وسلم- التي من أجلها ابتعثه الله، ولم يكن ليخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعانيه العالم حينئذ فارس والروم، من انحراف ديني، وفساد خلقي، واضطراب اجتماعي، وما وقع بينهما من حروب وغارات أنهكت قوامهما، مما جعل هذه الشعوب على استعداد لقبول الإسلام، الذي ينعمون فيه بالإيمان والأمان والحرية والإخاء والعدل والمساواة، ولذلك لم تكد تنتهي ثلاثون عاما من دعوتهم!! حتى كانت هذه البلاد قد دخلت فيه واستظلت بلوائه، لهذا نجده -صلى الله عليه وسلم- يتجه إلى دعوة الملوك كملك الروم وكسرى فارس والمقوقس عظيم القبط وغيرهم؛ لأن الملوك هم المؤثرون في حياة شعوبهم، سواء كانوا سببا في السعادة أم في الشقاء، لهذا أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوتهم إلى الإسلام فعزم على مكاتبة الملوك والأمراء، وإرسال رسائل تدعوهم إلى الإسلام. ولذا لما جاء كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الرُّوم لم يَقُل : هذه رسالة خاصة بالعرب، ولا بالأعراب، وإنما قال لأبي سفيان -وكان مشركا-: "فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشّمتُ لقاءه، ولو كُنْتُ عنده لَغَسَلْتُ عن قَدَمِه" رواه البخاري ومسلم.