مرة أخرى يطل أحمد التوفيق بمعية الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى محمد يسف على الشعب المغربي من خلال خطبة موحدة حول نعمة الماء وترشيد استعماله. وبغض النظر عن مضمون الخطبة الذي يعد مقبولا ولا شك في الجملة؛ نشير إلى أنه من المتوقع أن تمر الخطبة في جو بارد يغيب عنه تفاعل الخطباء ويفتقد لتأثر وتجاوب المستمعين من عموم المصلين، لأن الخطيب لا يمكنه التفاعل مع خطبة أرسلت إليه من فوق، لم يكتبها ولا تناسب تعبيره ولا أسلوبه ولا مستواه؛ فليست الثكلى كالنائحة المستأجرة. إن خطباء الجمعة كما عبر كثير منهم ل"هوية بريس"، ليسوا ضد تخصيص خطبة لموضوع معين كالمواضيع الوطنية، وموضوع الماء وترشيد استعماله والمواضيع ذات الصبغة الصحية؛ ولكن يكفي تعيين الموضوع والإيعاز بإعداده للخطباء أو الاكتفاء بإشارة جزئية في أثناء الخطبة دون تخصيص خطبة كاملة لموضوع يمكن التركيز عليه عبر وسائل الإعلام والتواصل. إن إرسال خطبة جاهزة ومنع الخطباء من التصرف فيها زيادة أو نقصا فيه ازدراء للكفاءات العلمية التي لا يمكنها أن ترقى المنابر إلا بعد اختبارات ومقابلات دقيقة وعميقة وشروط لا تجعل لغير المتأهلين مكانا على المنابر... فما فائدة شهادة التزكية سابقا وشهادة التأهيل حاليا ما دام هذا الخطيب فاقدا للأهلية لإعداد خطبة عن موضوع حقوق المرأة في الإسلام أو موضوع الاستسقاء... إن من جملة خطباء المغرب نخبة من خيرة العلماء وبعضهم أعضاء في المجلس العلمي الأعلى أكبر مؤسسة علمية شرعية في المغرب. ألا يعد تكليف هذه النخبة من العلماء والفقهاء والدكاترة والأكاديميين بتلاوة خطبة ازدراءً واحتقارًا لهم وتحويلاً لهم من علماء فاعلين ومؤثرين إلى أشبه بالمذيعين قارئي نشرات الأخبار المسلّمة لهم والمحررة من غيرهم. إن هذا الصنيع يعد جناية على الشأن الديني واعتداء على المساجد واحتقارا لشعيرة صلاة الجمعة مع ما تمثله من مكانة في الشرع الحنيف ولدى عموم المؤمنين. وفي زمن سرعة الاتصال وشيوع التواصل فإن الخطب الموحدة تتسرب قبل أيام من يوم الجمعة لتنتشر عبر مواقع وبرامج التواصل انتشار النار في الهشيم، ما يشكل إحراجا لخطباء المساجد وإهانة لهم، حيث يتجشمون عناء قراءة خطبة مستهلكة قرأها الجميع واطلعوا عليها مكتوبة... بل وصوتية أحيانا عبر موقع اليوتيوب ما يجعل الخطيب كالببغاء يردد ما يلقى إليه. فهل يقبل السيد الوزير أحمد التوفيق أو فضيلة الأمين العام السيد محمد يسف أن يلقيا خطابا في مناسبة ما بعد انتشاره عبر وسائل التواصل؟؟ فإن قبلا فقد قبلا بالمهانة وإن رفضا فكيف يرضون لنواب أمير المؤمنين ما لا يرضونه لأنفسهم. إن المصلين ينظرون إلى الخطباء بعد كل خطبة موحدة بأنهم مجرد أبواق لإيصال صوت غيرهم، ما يذهب بمصداقيتهم، وبمصداقية خطبة الجمعة ويفرغها من حمولتها ووظيفتها ورسالتها. ومن جهة أخرى يستنكر عدد من الخطباء والمتابعين تركيز وزارة الأوقاف على مواضيع ذات صبغة إرشادية أو طبية أو بيئية مع الاستمرار في سياسة صم الآذان عن المواضيع الأشد خطورة على مجتمعنا كموضوع التطبيع مع الشذوذ الذي يغزوا مجتمعاتنا اليوم. ألا يستدعي مثل هذا الموضوع خطبة موحدة تعيد الأسرة المغربية إلى قيمها العربية والإسلامية المنبثة من الدين الإسلامي والفطرة السليمة؟؟ ألا يحتاج موضوع الهجمات العلمانية على القرآن والسنة وثوابت الأمة خطبا موحدة؟؟ ألا تحتاج المناكير والموبقات والفواحش المنتشرة اليوم كالزنا واللواط وشرب الخمر والمخدرات خطبا موحدة؟؟؟ لقد قلناها من قبل ونكررها الآن: إن طريقة تعاطي الوزارة مع قضايا الأمة تسير في طريق التسويق لنموذج "إسلام كيوت ولايت" لا ينكر منكرا ولا يحذر منه ولا يسعى في تغييره. فالمرجو -حفظكم الله- حفظ مكانة المنبر والخطيب، والاكتفاء في تكرار المنشورات على القنوات والإذاعات وصفحات شبكات التواصل الاجتماعي، ففيها الكفاية وزيادة.