في خضم التعبئة التي تقوم بها هيئات مدنية للانخراط في مسيرات احتجاجية جديدة ضد فرض الحكومة إجبارية جواز التلقيح، ستكون هي الثانية من نوعها يوم الأحد المقبل، دخل خطباء الجمعة على خط دعوة المغاربة إلى الإقبال على التطعيم ضد فيروس كورونا. وخصص خطباء الجمعة في مختلف مساجد المملكة، اليوم الجمعة، حيزا من الخطبة لحث المواطنات والمواطنين المترددين في الاستفادة من التلقيح ضد كورونا على الانخراط في هذه العملية، من أجل الوصول إلى تحقيق المناعة الجماعية. وكانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قد وجهت رسالة إلى مندوبي الشؤون الإسلامية، طالبتهم فيها بحث جميع الخطباء على أن يتناولوا في آخر الخطبة الثانية من يومه الجمعة دعوة المصلين إلى "تلقيح أنفسكم وأهاليكم من هذا الوباء المسمى كورونا، سواء بالجرعة الأولى أو الثانية أو الثالثة". وتأتي الاستعانة بخطباء المساجد لدعوة المواطنين إلى التلقيح ضد فيروس كورونا بعد ردود الفعل التي قوبل بها إقرار إجبارية جواز التلقيح، الذي سبقه قرار التطعيم بالجرعة الثالثة، والذي لم يلق الإقبال المنتظر، ما حذا بالسلطات إلى سلك جميع السبل التي من شأنها إقناع المترددين بالتطعيم ضد كورونا، بما في ذبك منابر المساجد. وجاء في الخطبة التي عممتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن التلقيح "ضروري لوقاية النفس ووقاية الغير لأن الحياة والصحة أمانة الله عند كل الناس، والتفريط فيها إلقاء بالنفس إلى التهلكة وهو أمر منهي عنه بنص القرآن الكريم، قال الله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)". وعلى الرغم من أن مضمون المراسلة التي وجهته الوزارة إلى مندوبي الشؤون الإسلامية كان موحدا، إلا أن الخطباء تناولوا موضوع التطعيم ضد فيروس كورونا بشكل مختلف؛ إذ اكتفى بعضهم بالتأكيد على ضرورة التلقيح حفاظا على الصحة العامة ومصلحة البلاد، بينما أسبغ آخرون على الأمر صبغة شرعية وربطوه بالخوف من الله. وذهب خطيب في مسجد بالمدينة العتيقة بالرباط إلى القول: "إن علماء الصحة العالميين وعلماء الصحة بالمغرب جعلوا التلقيح من الوباء شيئا ضروريا وواجبا، وعلينا أن ننظر إليه من باب المشروعية بمنظار الخوف من الله والتقرب إليه قبل أن ننظر إليه بنظرتنا الذاتية". وشدد الخطيب الذي خصّص الجزء الأول من الخطبة لحث الناس على التلقيح ضد فيروس كورونا، على ضرورة "اجتناب كل ما يقرّب إلى إفساد النفس، مثل الأوبئة المتنقلة من إنسان إلى إنسان، وعلى رأسها الوباء الذي نعيشه اليوم، وغيره من الأوبئة المتنقلة الفاسدة للنفس البشرية التي قد تؤدي إلى قتل الإنسان لذاته، أو قتله لغيره". وفي المقابل، اكتفى الخطيب الذي ألقى خطبة صلاة الجمعة المبثوثة على القناة الأولى بدعوة المواطنين والمواطنات إلى المسارعة إلى التلقيح، "حفاظا على مصلحة بلدنا، لأن في ذلك حفظا للصحة العامة وحفاظا على الأمن الصحي لبلدنا". وكان أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، قد صرح، خلال عرض مشروع الميزانية الفرعية للوزارة بمجلس النواب، الأربعاء الماضي، بأن مسألة تخصيص إحدى خطب الجمعة لتحسيس المواطنين بأهمية وضرورة التلقيح، قد تم التفكير فيها منذ مدة. ورفض وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية مقترحا تقدم به أحد البرلمانيين بفرض خطبة موحدة على جميع الخطباء بمختلف مساجد المملكة. وتضمنت خطبة الجمعة الملقاة على منابر مساجد المملكة اليوم، خطابا مُستقى من الطرح العلمي المعضود بالخطاب الديني الداعي إلى حفظ النفس من الهلاك، باعتبارها أمانة في يد الإنسان وجب عليه حفظها. وتعوّل السلطات، بشكل كبير، على تأثير خطباء الجمعة لدفع المواطنين إلى التلقيح ضد فيروس كورونا، وهو ما يتجلى في العبارة الأخيرة التي خُتمت بها الخطبة التي وجهتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى مندوبيها في مختلف مناطق المغرب، المتمثلة في إيلاء الموضوع "بالغ عنايتكم". وتباينت ردود الفعل حول تخصيص خطبة الجمعة لحث المغاربة على التلقيح بين من اعتبرها مبادرة من شأنها أن تسهم في تحقيق المناعة الجماعية، وبين رافض ل"استغلال الدين ومنابر المساجد من طرف السلطات في موضوع علمي محض"، بينما عبر بعض الرافضين للتلقيح عن عدم التراجع عن قرارهم رغم الدعوة التي تضمنتها خطبة الجمعة اليوم.