ولدي الغائب؛ ها أنا ذا مريض طريح الفراش، بعد أن خارت قوتي واشتعل الرأس شيبا. لم تزرني منذ سنوات، وحيل بيني وبين ذراعيك؛ إذ كنت تضمني إلى صدرك فور قدومك خلال عطلة الصيف. آهٍ! كم كنتُ سعيدا وأنت تحدثني عن آمالك وأحلامك، وعن مشروع التجارة في بلدك الحبيب. كل ذلك تهاوى ولم يتحقق منه شيء. لقد مضت عقود ثلاثة، والرابع أوشك على الانصرام، ورزقك الله أولادا وأحفادا. واأسفاه! إنهم ليسوا أولادك ولا أحفادك؛ إنهم أولاد وأحفاد فرنسا! فرنسا التي غرَّرت بك وبأمثالك، بعد أن أبدت لك وجهها "الجميل"، وأخفت قلبها القبيح اللئيم. ها أنت الآن تتجرع كأس المرارة، وقد أحاطت بك المشاكل من كل جانب. لقد كَربني وأشجاني بُعدُك عني، وكذلك أمك المكلومة التي ما طاب له عيشٌ منذ فارقتنا. أين الرحِمُ يا ولدي؟ أين القرابة؟ أين "وبالوالدين إحسانا"؟ إلى الله المشتكى. ملاحظة: لست، كما ظن بعض القراء، هذا الأب المتألم الذي غاب عنه ولده المهاجر. وإنما تكلمت بإسمه وتعمدت كتابة المقال بصيغة المتكلم ليكون أبلغ وأشد تأثيرا في قلوب من يهمهم الأمر من المهاجرين المسلمين في بلاد الغرب.