مديرية الأمن: إنجاز 4 ملايين و696 ألف و69 بطاقة وطنية للتعريف الإلكترونية من الجيل الجديد خلال سنة 2024            الفصائل السورية تتفق مع أحمد الشرع على حل نفسها والاندماج مع وزارة الدفاع    تفاصيل الاجتماع الأول لفدرالية الصحافة الرياضية بالمغرب    النسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين بالفوج 39 للقوات المسلحة الملكية بجرسيف    المجلس العلمي الأعلى يتحفظ على ثلاث مسائل في تعديلات مدونة الأسرة    التوفيق يقدم رؤية عميقة حول العلاقة التي تجمع إمارة المؤمنين بالعلماء ويُبرز آليات إصدار الفتوى في حالة مدونة الأسرة    احتفالا بالصناعة التقليدية المغربية.. حفل انطلاق النسخة الثانية من برنامج" الكنوز الحرفية المغربية"    يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي        توقيع اتفاقية بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين ووزارة الانتقال الرقمي        الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة        أ. الدشيرة يفوت على ا. يعقوب المنصور فرصة الارتقاء للصدارة    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    السكوري: القانون التنظيمي يراهن على منع المشغلين من "شراء الإضراب"    "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    إلغاء التعصيب ونسب الولد خارج الزواج.. التوفيق يكشف عن بدائل العلماء في مسائل تخالف الشرع ضمن تعديلات مدونة الأسرة    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    تفاصيل التعديلات ال16 في مدونة الأسرة.. تضمنت تقييد الاعتراف بزواج الفاتحة    عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    الصين تكشف عن مخطط جديد لتطوير اقتصاد الارتفاعات المنخفضة    تركيا: مقتل 12 شخصا على الأقل في انفجار في مصنع ذخيرة    برقية تعزية من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي                مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب    الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    مختص في النظم الصحية يوضح أسباب انتشار مرض الحصبة بالمغرب    وعكة تدخل بيل كلينتون إلى المستشفى    الفتح يقسو على "الكوديم" بخماسية    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    موظف بالمحكمة الابتدائية بطنجة خلف القضبان بتهمة النصب وانتحال صفة    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط        "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ارتصاد الأجور الشاردة في اقتناص الغنائم الباردة (ح5)
نشر في هوية بريس يوم 03 - 05 - 2015


هوية بريس – الأحد 03 ماي 2015
تناولنا في المقال السابق الحديث عن الأوقات والأمكنة والأسباب مظنة استجابة الدعاء، وقلنا إنها بحمد الله كثيرة، تضع المسلم أمام فرص عديدة من ليل أو نهار، يمكن أن يستجاب له إذا كان مخلصا في دعائه، مخبتا لله تعالى خاشعا، حاضر العقل، مستجمع القلب. وذكرنا من هذه المواطن: الصلاة في جوف الليل، وعند السجود، وبين الأذان والإقامة، ويوم الجمعة، وعند المريض، وعند الكرب، وعند الاستيقاظ من الليل.. وغيرها.
ونختم -اليوم- هذا الموضوع بضرب أمثلة من الذين استجاب الله -تعالى- دعاءهم عبر التاريخ، لنعلم أن هذا الأمر لا يقصر على زمن دون زمن، ولا يتعلق بمكان دون مكان، لأن المدعو هو الله، والذي يقضي الحاجات هو الله، وهو الذي خاطب عباده كلهم فقال: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ". وفي الحديث القُدسي: "إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي فِيَّ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي" مسلم.
فالله سبحانه -كما قال ابن رجب-: "يحبُّ أن يُسأل ويُرغبَ إليه في الحوائج، ويُلَحَّ في سؤاله ودعائه.. وهو قادر على إعطاء خلقه كلهم سؤلهم، من غير أن ينقص من مُلكه شيءٌ".
قال طاووس لعطاء: "إياك أن تطلب حوائجك ممن أغلق بابه دونك، ويجعلَ دونها حجّابَه، وعليك بمن بابُه مفتوح إلى يوم القيامة، أَمَرك أن تسألَهُ، ووعدك أن يجيبَك". وقد سبق معنا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ" صحيح سنن الترمذي.
قال الطحاوي -رحمه الله-: "والله يستجيب الدعوات.. ويقضي الحاجات".
ولقد رأى الموفقون من الناس من الدعاء العجب العجاب، في الوقت الذي استخف به غيرهم، ولم يروه شيئا:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه***وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن***لها أمدٌ وللأمد انقضاء
وفي كتابِ الله تعالى أكثرُ من ثلاثمائة آية عن الدعاء، وفضله، وأمثلته.
وقد سلك أنبياء الله سبيل الدعاء، لكشف ما حل بهم من ضر، أو ابتلاء، أو اعتداء من طرف أقوامهم. قال تعالى: "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ".
فهذا سيدنا إبراهيم -عليه السلام- يلقى في النار، فيقول: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، فتأتي الإجابة: "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ". فإذا كاد لك أحد أو مكر بك فقل: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، فهو حسبك، وإن اعتدى عليك أحد أو ظلمك فقل: "حسبنا الله ونعم الوكيل" فهو كافيك.
اليأس يقطع أحياناً بصاحبه***لا تيأسنَّ فإن الكافيَ الله
وابتلى الله -تعالى- سيدنا أيوب بالمرض، فصبر، حتى إذا ضاق به الحال، وعظم به البلاء ثمان عشرة سنة، وانفض الناس من حوله، دعا ربه أن يكشف ضره، فاستجاب له. قال تعالى: "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ". فإذا ضاقت بك السبل فالفارج هو الله، وإذا أقعدك المرض، فالطبيب هو الله.
ولرب نازلةٍ يضيق بها الفتى***ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حَلْقاتها***فُرجت وكنت أظنها لا تفرج
ولمَّا نادى ذو النُّون في ظلمات بطن الحوت "لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ"، جاء الجوابُ فرجا من فوق سبع سموات، فقال الله تعالى: "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ". فصارت دعوة ذي النون مفتاحا لفرج كل مكروب ومهموم. يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ"، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ" صحيح سنن الترمذي.
ويدعو زكرياء -عليه السلام-: "رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً، وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً". وإذا بالربّ الرحيم يستجيب له: "يَا زَكَرِيَّاء إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً".
وهكذا كان الشأن مع سائر الأمم، هموم تطغى، وابتلاءات تترى، وتضرع النفوس يقوى، وسهام الدعاء تخترق السماء لكشف البلوى، فتجد عند الله القبول. قال تعالى: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ".
أما نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقد أثر عنه في هذا الباب الشيء الكثير:
فقد أخبرنا -صلى الله عليه وسلم- عن ثلاثة نفر كانوا أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فكان أحدهم شديد البر بوالديه، فدعا الله، فَانْفَرَجَتْ الصخرة شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ، والآخر راود بنت عمه عن نفسها وقد جاءته محتاجة إلى مال، حتى إذا قدر عليها، ذكر الله، فانصرف عنها وترك لها المال، فدعا الله، فَانْفَرَجَتْ الصخرة شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ، والثالث حفظ مال أجير عنده، واستثمره، حتى صار إبلا، وبقرا، وغنما، ورقيقا، فجاء الأجير يطلب أجرته، فأخبره بأن أجرته صارت قطيعا عظيما مما يراه أمامه، فاستاقه كله، فتوسل هذا الرجل الأمين بهذا العمل الجليل، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ. (والقصة في ص. البخاري). وفيه تنبيه على فضل توسل المسلم بعمله الصالح عند نزول الخطب والمكروه.
ومثاله في كتاب الله: "رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ".
وقد سَمِعَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، الأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِى لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ". فَقَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالاِسْمِ الَّذِى إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ" صحيح سنن أبي داود.
وكان للنبي -صلى الله عليه وسلم- أدعية مخصوصة يكثر منها. فعن أنس -صلى الله عليه وسلم- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: "اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك" صحيح الأدب المفرد.
وعنه -أيضا- قال: كان أكثر دعوة يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الأخرة حسنة، وقنا عذاب النار" متفق عليه.
وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: "سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ" مسلم.
وفي صحيح مسلم عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَاسْتَقْبَلَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: "اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ". فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدَفِينَ)، فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلاَئِكَةِ".
وأما الصحابة الكرام، فقد أثر عنهم من ذلك أمثلة كثيرة، منهم البراء بن مالك – رضي الله عنه ، الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، ذِي طِمْرَيْنِ (ثوبين باليين)، لاَ يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ"ص. الترمذي.
ومنهم أويس بن عامر -رضي الله عنه- الذي قال له عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يأتي عليكم أُوَيْسُ بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثم من قَرَن، كان به برصٌ فَبَرَأَ منه إلاَّ موضعَ دِرْهم، له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسمَ على الله لأَبَرَّه، فإنِ استطعتَ أن يستغفر لك، فافعل"، فاستغفرْ لي، فاستغفرَ له" مسلم.
وكذلك كان سعد بن أبي وقاص مستجاب الدعوة. يقول جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ: شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ -رضى الله عنه، فَعَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّى، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ، فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلاَةَ الْعِشَاءِ، فَأَرْكُدُ (أسكن وأمكث. يقصد: أُطيل) فِي الأُولَيَيْنِ، وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ. قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ. فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلاً أَوْ رِجَالاً إِلَى الْكُوفَةِ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلاَّ سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِى عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ، يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ، قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا، فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لاَ يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ (لا يخرج مع الجيش بنفسه، أي: جبان)، وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلاَ يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ. قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لأَدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ. وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ" البخاري.
وقد ألف ابن أبي الدنيا كتابا سماه: "مجابو الدعوة"، ذكر فيه أزيد من 130 ممن استجاب الله لهم، وكذلك ابن قدامة في "كتاب التوابين"، وابن رجب في "جامع العلوم والحكم"، وغيرهم.
ومن ذلك ما ذكره ابن قدامة في "كتاب التوابين" عن أحد الجند قال: "اتُفق يوما أني رأيت حية داخلة إلى جحرها، فأمسكت بذنبها لأقتلها، فوثبت، فنهشت يدي فشلت، ومضى زمن طويل على هذا، فشلت يدي الأخرى بغير سبب أعرفه، ثم جفت رجلاي، ثم عميتُ، ثم خَرِستُ، فكنت على هذه الحال سنة كاملة، لم يبق لي جارحة صحيحة إلا سمعي أسمع به ما أكره وأنا طريح على ظهري، لا أقدر على كلام، ولا إيماء، ولا حركة، أُسقى وأنا ريان.. وأترك وأنا عطشان.. وأطعم وأنا شبعان .. وأمنع وأنا جائع. فلما كان بعد سنة، دخلت امرأة على زوجتي، فقالت لها زوجتي: إنه لا حيٌّ فيُرْجى، ولا ميتٌ فيُنسى. فأقلقني ذلك، وآلم قلبي ألماً شديداً، فبَكَيت، وضجِجت إلى الله -تعالى- في سرى ودعوتُ، فما أصبحت إلا وأنا سليم معافى".
ويذكر أبو نعيم في "حلية الأولياء" قصة محمد بن المنكدر قال: "إني لليلة حذاء هذا المنبر جوف الليل أدعو، إذا إنسان عند اسطوانة مقنع رأسه، فأسمعه يقول : أي رب، إن القحط قد اشتد على عبادك، وإني مقسم عليك يا رب إلا سقيتهم. قال: فما كان إلا ساعة، إذا بسحابة قد أقبلت، ثم أرسلها الله سبحانه، -وكان عزيزا على ابن المنكدر أن يخفى عليه أحد من أهل الخير، فقال : هذا بالمدينة ولا أعرفه. فلما سلم الأمام، تقنع (غطى وجهه) وانصرف، واتبعته، فدخل موضعا، وأخرج مفتاحا، ثم فتح، ثم إنه أتاه، فوجده ينجر أقداحا، فقال له: كيف أصبحت أصلحك الله؟ قال: فاستشهدها مني واستعظمها، فلما رأيت ذلك قلت: إني سمعت أقسامك على الله البارحة، يا أخي، هل لك في نفقه تغنيك عن هذا، وتفرغك لما تريد من الآخرة؟ قال: لا، ولكن غير ذلك: لا تذكرني لأحد، ولا تذكر هذا عند أحد حتى أموت".
والأمثلة من القديم والحديث في ذلك لا يحوطها حصر.
فإذا ضاقت بك السبل، فادع الله يفرج همك. وإذا عزمت على أمر، فادع الله ييسر أمرك، وإذا عظمت ذنوبك فادع الله يغفر ذنبك.
يا من يرى ما في الضمير ويسمع***أنت المُعدّ لكل ما يُتوقّع
يا من يُرجّى للشّدائد كُلّها***يا من إليه المُشتكى والمفزعُ
مالي سِوى فقري إليك وسيلةً***فبالافتقار إليك فقري أدفعُ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.