هوية بريس – الخميس 21 أبريل 2016 لماذا أصبح الشباب اليوم الذي يطمح إلى تأسيس أسرة يتخيل أنها عبارة عن زوج وزوجة فقط؟؟! يعني ما يسمى ب"الكوبل" بلغة العصر… زوجان يعيشان الحياة الزوجية العاطفية الرومنسية في شقتهما بعيدا عن نغص أم الزوج التي لا زالت تنظر إلى ولدها وفلذه كبدها بعين الأم الحنون وبعيدا عن متطلبات الأب الذي بلغ به الهرم مبلغه فاحدودب ظهره وتكالبت عليه الامراض والآلام وخارت قواه فأصبح يأمل أن يجد قلبا حنونا يعطف عليه ويعينه؟ في زمن قريب ليس عنا ببعيد كان الشاب إذا تزوج مكث في بيت والده وأنجب الأولاد فتكبر الأسرة ويفرح الجد والجدة بأحفادهم وفلذات فلذات أكبادهم فيرعونهم بحب وحنان فيكبر الابناء في حضن الجد والجدة وينهلون من عطفهم وحكمهم وتجاربهم…فترى الابناء الذين عاشوا مع أجدادهم لهم من الاشباع العاطفي والوجداني ما لا يكون عند غيرهم ممن حرموا جدهم وجدتهم… الجد والجدة ذلك الصرح العظيم الذي يجمع كيان الاسرة ويلم الشمل ويحي صلة الرحم… فما إن رحلوا عن هذه الدنيا ترى القطيعة تسري بين أفراد العائلة الواحدة… فتقل الزيارات وتبرد المشاعر وتكثر الخصومات… ذلك الطفل الذي تربى في حضن جدته وجده فرأى بأم عينيه كيف كان أبوه بارا بوالديه لا شك أنه عندما يكبر أبواه لن يتخلى عنهما بل سيعيد نفس الشيء فيقوم ببر والديه ورعايتهما… فتحصل بذلك ما يسمى بالتضامن الاجتماعي والتكافل الأسري الذي جبل الله عليه البشر… "فطرة الله التي فطر الناس عليها"… لكن ما نراه اليوم من تفسخ للأسرة وانفكاك اجتماعي وكوارث انسانية يجعلنا نعيد التفكير في المنظومة المجتمعية المعاصرة ونتساءل عن الاسباب الحقيقة لاندحار تلك القيم الانسانية العالية… اليوم نعيش في زمن أصبح الابناء يرمون آباءهم في ما يسمى بدور العجزة. زمن نرى فيه عقوقا واضحا وانعداما للإنسانية يحير العقل وتعجز الأقلام عن وصفه. زمن كثر فيه الذكور وقل فيه الرجال مما أصابهم من خنوع… الزوجات أضحين مفرقات الأسر… كم من قصص سمعناها عن زوجات تسببن في التفريق بين الابناء والاباء…كم سمعنا عن أبناء سئموا رعاية آبائهم لما يتطلب ذلك من مجهود مادي ونفسي وبدني فانتهى بهم المطاف بالتخلي عنهم… أين نحن من قيمنا الانسانية وتعاليم ديننا السمحة وتقاليدنا الأصلية…؟ أين أنحن من "ولا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما"؟ نعم بالفعل! هو لم يقل لهما أفّ ولم ينهرهما حقيقة… لكن تخلّى عنهما فقط ! فوا أسفاه، وا مصيبتاه… وا أسفاه حين نسمع عن ابن تخلى عن أبويه وتركهما لوحدهما يعيشان ما تبقى من عمرهما في عزلة موحشة… فلا أنيس يكلمهما ولا جليس يؤنس وحشتهما ويخفف عنهما… ولا راع يرعاهما… و في أحسن الأحوال يرميهما إلى دور العجزة… حيث يقبعان هناك يحسبان الدقائق والساعاتْ دون أفق واضح ولا أمل ساطع… ينتظران هناك طارق الموت لعله يطلّ عليهما… فالموت حينئذ بهما أرحم… أهكذا تكون المروءة؟ أهكذا تكون الشهامة؟ أترضى أن يفعل بك أولاد وفلذات أكباد نفس الشيء؟ نعم أولادك! لا تعجب! أولادك الذين أفنيت طول عمرك في رعايتهم وتربيهم وتقديم التضحيات لهم… أولادك الذين رأيتهم يترعرعون وينبتون أمام عينيك منذ نعومة أضافرهم… أولادك الذين سهرت الليالي من أجل راحتهم وقدمت الغالي والنفيس من أجل سعاتهم… ولما يشتد عودهم ويستقيم بنانهم ويستقلون ماديا عنك يلقونك وينكرون جميلك ويقابلون احسانك بالجفاء… وصدق الشاعر حين قال: فَيا عَجَباً لمن رَبَّيتُ طِفلاً***أُلقَّمُهُ بأطرافِ البَنانِ أُعلِّمهُ الرِّمايَةَ كُلَّ يومٍ***فَلَمّا اشتَدَّ ساعِدُهُ رَماني وكم عَلَّمتُهُ نَظمَ القَوافي***فَلَمّا قال قافِيَةً هَجاني أُعَلِّمُهُ الفُتُوَّةَ كُلَّ وَقتٍ***فَلَمّا طَرَّ شارِبُهُ جَفاني فلا تعجب إن دارت بك الأيام وعاملك أبناؤك كما عاملت آباءك… فالأيام دُول… ومن كلام النبوة "كما تدين تدان والديان لا يموت" والجزاء من جنس العمل… فحينئذ لن تنفعك زوجتك ولا رومنسيتك ولا حياة "الكوبل" السعيدة الوهمية التي كنت تعيشها على غرار ما استقر في ذهنك من رواسب حضارة الغرب… وإنما ينفعك أولادك الذين ربيتهم على البرّ والإحسان والخصال الإنسانية الحميدة… ولا تغترّ بهذا الزمان الكئيب الذي اضمحلت في القيم وكثرت فيه كائنات فضائية جديدة فلا هي برجال ولا بنساء… سمها "عنيبات" بلغة الشارع أو سمها "أشباه الرجال" بلغة الشاعر… يثقلون الأرض من كثرتهم***ثم لا يُغنون في أمر جلل كل هذا بسبب ماذا؟ بسبب ما يسمى "بالكوبل"!! فبئس عيشة "الكوبل"! * استشاري في الإعلاميات؛ بروكسيلبلجيكا.