قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا كان هذا البيت الشعري دائما يزين جدران القاعات الدراسية وأسوار المؤسسات التعليمية، ولم يكن مكتوبا على الجدران فحسب، بل منقوشا في عقول وأفئدة التلاميذ، وكانت للمعلم والأستاذ هيئة جليلة وكان مهاب الجانب، ليس فقط في المدرسة وفي حجرة الدراسة، ولكن حتى في الشوارع والأسواق والمقاهي، وربما يتذكر رجال وأطر اليوم أنهم كثيرا ما أكلوا قتلة ديال العصا لأن المعلم لمحهم وهم يقمِّرون في ساحة السيرك أو يلعبون الكرة في أحد الأركان، أو حَصّلَهم وهم يكركرون في الحلقة ونسوا أن يُخرِّجوا تمارين الحساب أو يكردوا المحفوظات، وكم من تلاميذ الأمس يذكرون اليوم تلك المحن التي مروا بها مع غول الكونجيكيزون والمسائل الحسابية، وكم منهم لم يحولوا المتر إلى السنتمتر أو لم يحولوا اللتر إلى الهكتولتر حتى سالت لترات عرق من جبينهم ولترات أخرى من الدموع من عيونهم، وكم من أطر اليوم يتذكرون آش دْوّزْ عليهم إعراب نص التطبيقات من أوله إلى آخره. في زمن مضى كان التلميذ تشده القفقافة بمجرد أن يلتقي معلمه في الطريق ويسلم عليه وهو يرتعد أو يغرس عينيه في الأرض، وكانت تموعليميت مكانة اجتماعية محترمة ومرموقة، ينافس بها رجال التعليم أعيان البلد أو يفوقونهم، وكان أقصى ما يتمنى الآباء لفلذات أكبادهم أن يخرج منهم معلمون، لأن المعلم في ذلك الزمن الذي ولى كان يعيش حْسْنْ من القايد، وكان راتب لا يتعدى 500 أو 1000 درهم يكفيه باش يْعْيّشْ معاه قبيلة ويعيش لا باس عليه. والمأسوف له اليوم أن رجل التعليم لم تعد له تلك القيمة التي جعلته في أزمان سابقة يقوم بواجبه أحسن قيام، إذ لم يعد يُبَجّل أو يقام له، ولم يعد أحد يحس أن هذا المخلوق يؤدي مهمة جليلة أقرب ما تكون إلى مهمة الرسل، وبلغ بنا الاستخفاف بمعلمي أجيالنا أن صرنا نجعلهم مواضيع للتندر والتنكيت، والمعلم في هذا الزمان تلاّت به الايام حتى أصبح يدعى كوعلّيم، ولم يعد بمقدور رجل تعليم أن يعاقب أو يؤدب تلميذا مشاغبا أو ينبه كسولا غافلا، ولم يعد يجرؤ على أن يُجَبِّد أذن أحد من التلاميذ كي لا يَجبِد هو مصارينه في الشارع. من كان يظن يوما أن المعلمين والأساتذة ستمتد إليهم أيدي قوات الأمن لتدكدك عظامهم، ومن كان يخطر بباله أن المعلمات والأستاذات سيحملن الكاشة والبيدو ليعتصمن أمام وزارتهن مطالبات بالالتحاق بأزواجهن الذين جمعهن معهم العدول على سنة الله ورسوله وفرقت بينهم وزارة التربية الوطنية، وأي تربية هذه والمكلفون بها تُخْلى دار بوهم حسي مسي في النصاصة د الليل؟ بعدما كان المعلم يربي الأجيال، أصبح اليوم مقتنعا أنه عمرو ما يربي الريش، وبعدما كان يربي أبناء الشعب، أصبح يخشى أن تربيه قوات الأمن إن هو طالب بحقه في جمع شمله مع أولاده ليحسن تربيتهم، أو رفع صوته مطالبا بالترقية والزيادة في جوج فرانك التي يراوغ بها الزمان كل شهر.