لماذا أصبح الشباب اليوم الذي يطمح إلى تأسيس أسرة يتخيل أنها عبارة عن زوج و زوجة فقط ؟؟!يعني ما يسمى ب"الكوبل" بلغة العصر... زوجان يعيشان الحياة الزوجية العاطفية الرومنسية في شقتهما بعيدا عن نغص أم الزوج التي لا زالت تنظر إلى ولدها و فلذه كبدها بعين الأم الحنون و بعيدا عن متطلبات الاب الذي بلغ به الهرم مبلغه فاحدودب ظهره و تكالبت عليه الامراض و الآلام و خارت قواه فأصبح يأمل أن يجد قلبا حنونا يعطف عليه و يعينه ؟ في زمن قريب ليس عنا ببعيد كان الشاب إذا تزوج مكث في بيت والده وأنجب الأولاد فتكبر الأسرة و يفرح الجد و الجدة بأحفادهم و فلذات فلذات أكبادهم فيرعونهم بحب و حنان فيكبر الابناء في حضن الجد و الجدة و ينهلون من عطفهم و حكمهم و تجاربهم...فترى الابناء الذين عاشوا مع أجدادهم لهم من الاشباع العاطفي و الوجداني ما لا يكون عند غيرهم ممن حرموا جدهم و جدتهم... الجد و الجدة ذلك الصرح العظيم الذي يجمع كيان الاسرة و يلم الشمل و يحي صلة الرحم...فما إن رحلوا عن هذه الدنيا حتى ترى القطيعة تسري بين أفراد العائلة الواحدة...فتقل الزيارات و تبرد المشاعر و تكثر الخصومات... ذلك الطفل الذي تربى في حضن جدته و جده فرأى بأم عينيه كيف كان أبوه بارا بوالديه لا شك أنه عندما يكبر أبواه لن يتخلى عنهما بل سيعيد نفس الشيء فيقوم ببر والديه و رعايتهما...فتحصل بذلك ما يسمى بالتضامن الاجتماعي و التكافل الأسري الذي جبل الله عليه البشر..."فطرة الله التي فطر الناس عليها"... لكن ما نراه اليوم من تفسخ للأسرة و انفكاك اجتماعي و كوارث انسانية يجعلنا نعيد التفكير في المنظومة المجتمعية المعاصرة و نتساءل عن الاسباب الحقيقة لاندحار تلك القيم الانسانية العالية... اليوم نعيش في زمن أصبح الابناء يرمون آباءهم في ما يسمى بدور العجزة. زمن نرى فيه عقوقا واضحا و انعداماللانسانية يحير العقل و تعجز الأقلام عن وصفه. زمن كثر فيه الذكور و قل فيه الرجال مما أصابهم من خنوع... الزوجات أضحين مفرقات الأسر...كم من قصص سمعناها عن زوجات تسببن في التفريق بين الابناء و الاباء...كم سمعنا عن أبناء سئموا رعاية آبائهم لما يتطلب ذلك من مجهود مادي و نفسي و بدني فانتهى بهم المطاف بالتخلي عنهم... أين نحن من قيمنا الانسانية و تعاليم ديننا السمحة و تقاليدنا الاصيلة...؟ أين أنحن من "و لا تقل لهما أفّ و لا تنهرهما" ؟ نعم بالفعل ! هو لم يقل لهما أفّ و لم ينهرهما حقيقة... لكن تخلّى عنهما فقط !فواأسفاه !وامصيبتاه ! وا أسفاه حين نسمع عن إبن تخلى عن أبويه و تركهما لوحدهما يعيشيان ما تبقى من عمرهما في عزلة موحشة... فلا أنيس يكلمهما و لا جليس يؤنس و حشتهما...و لا أحد و يخفف عنهما...و لا راع يرعاهما... و في أحسن الأحوال يرميهما إلى دور العجزة ...حيث يقبعان هناك يحسبان الدقائق و الساعات دون أفق واضح و لا أمل ساطع... ينتظران هناك طارق الموت لعله يطلّ عليهما... فالموت حينئذ بهما أرحم... أهكذا تكون المروءة؟ أهكذا تكون الشهامة؟ أترضى أن يفعل بك أولادك و فلذات أكبادك نفس الشيء؟ نعم أولادك ! لا تعجب ! أولادك الذين أفنيت طول عمرك في رعايتهم و تربيهم و تقديم التضحيات لهم...أولادك الذين رأيتهم يترعرعون و ينبتون أمام عينيك منذ نعومة أضافرهم...أولادك الذين سهرت الليالي من أجل راحتهم و قدمت الغالي و النفيس من أجل سعاتهم...و لما يشتد عودهم و يستقيم بنانهم و يستقلون ماديا عنك يلقونك و ينكرون جميلك و يقابلون احسانك بالجفاء... و صدق الشاعر حين قال: فَيا عَجَباً لمن رَبَّيتُ طِفلاً ّّ *** أُلقَّمُهُ بأطرافِ البَنانِ أُعلِّمهُ الرِّمايَةَ كُلَّ يومٍ *** فَلَمّا اشتَدَّ ساعِدُهُ رَماني وكم عَلَّمتُهُ نَظمَ القَوافي *** فَلَمّا قال قافِيَةً هَجاني أُعَلِّمُهُ الفُتُوَّةَ كُلَّ وَقتٍ *** فَلَمّا طَرَّ شارِبُهُ جَفاني فلا تعجب إن دارت بك الأيام و عاملك أبناؤك كما عاملت آباءك...فالأيام دُول... و من كلام النبوة "كما تدين تدان و الديان لا يموت" و الجزاء من جنس العمل... فحينئذ لن تنفعك زوجتك و لا رومنسيتك و لا حياة "الكوبل" السعيدة الوهمية التي كنت تعيشها على غرار ما استقر في ذهنك من رواسب حضارة الغرب...و إنما ينفعك أولادك الذين ربيتهم على البرّ و الاحسان و الخصال الانسانية الحميدة... و لا تغترّ بهذا الزمان الكئيب الذي اضمحلت فيه القيم و كثرت فيه كائنات فضائية جديدة فلا هي برجال و لا بنساء...سمها "عنيبات" بلغة الشارع أو سمها "أشباه الرجال" بلغة الشاعر... يثقلون الأرض من كثرتهم *** ثم لا يُغنون في أمر جلل كل هذا بسبب ماذا ؟ بسبب ما يسمى "بالكوبل" !! ألا لعنة الله على "الكوبل" ! أنس مرجان - استشاري في الاعلاميات / بروكسيل بلجيكا