ما كنت أود أن أخوض في ما خاض فيه قومنا، ولكن بدا لي أن القضية بدأت تجنح إلى حرب على الدعاة الشرفاء، من قبل من أسميهم دعاة حزب الرذيلة والفساد. في إحدى السنوات المنصرمة، لما كنت أدرِّس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جاءتني طالبة إماراتية عند انتهائي من حصة أصول الفقه، تريد أن تسألني، فبادرتها بالسؤال عن اسمها، فقالت: اسمي شيخة (ك ع ب ي) بس ما بالمعنى المغربي ثم ابتسمت. فقلت لها: تعرفين المعنى المغربي، قالت: نعم. وضحكنا. ثم طفقت تسأل عما تريد. اليوم حزب الرذيلة يريد أن يسكت أصوات الدعاة والعلماء، حتى لا يتكلموا ويبدوا آراءهم وانتقاداتهم لكل ما من شأنهم أن يمس قيم المغرب، أو يعالجوا أي اختلالات تربوية وعقدية واجتماعية وغيرها. وهذا الذي حصل مع الأستاذ الداعية ياسين العمري، كما سبق أن وقع مثله مع غيره، مثل ما حصل مع الأستاذ حسن السرات حين كتب عن تسونامي سوماطرا، فجيشوا جيوشهم، وحركوا أقلامهم، ونزلوا بساحة مسجد الشهداء كأنهم في ملحمة، واليوم يتكرر الموقف بشكل أو آخر، إنه الإرهاب في أبهى تجياته، وقمع حرية التعبير، وإخراس صوت النقد، لا لشيء إلا لكونه صادرا عن داعية إسلامي، وهو بالمناسبة معروف باعتداله وتوازنه. طيب نترك كل شيء جانبا، ولنحكم رأي المجتمع الشعبي في "الشيخة"، ولنفتح صفحات قاموسه وألفاظه، ومن خلالها ندرك مكانة الشيخة في المجتمع المغربي. كل أطياف المجتمع المغربي -طبعا إلا حزب الفساد والرذيلة وهم قلة القلة- يعتبرون ما تسمى بالشيخة زانية، باغية، تجمع الأموال بفرجها ودبرها، سلكوطة، ممسوخة، منعدمة الأخلاق بالمرة، ق ح ب… وهناك من يعتبرها أخبث واحدة في المجتمع. والقاموس طويل من السب والشتم واللعن، حتى من الذين يدعونهن "للقصارة". هذا رأي المجتمع واللائحة طويلة من الألفاظ التي سمعناها منذ زمن غير يسير، بل من سبق له أن حضر عرسا فيه الشيخات، سيرى الشيخات يتناولن الخمر والسجارة، ويطفن على الرجال تقبل هذا وذاك، وتجلس في حجر هذا وذاك، لتجمع منهم الدراهم، بالله عليكم هل هذا تراث أم ضراط؟ هل يشرف المغرب والمغاربة أن يفتخروا بهذا "التراث" المخزي والمؤلم؟ نعم حزب الرذيلة والشيطان لا يقيم وزنا للأخلاق، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والغارق في أوحال الفساد من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه، فقد انقلبت عنده الموازين والمفاهيم والتصورات، حتى أصبح عنده المنكر معروفا، والمعروف منكرا، لبلوغه درجة الران، وهو علو الوسخ على القلب وتغطيته به بالكامل. نعوذ بالله. أما الجانب الفني، فمع الأسف فقدنا الذوق الجمالي والفني حتى في اختيار الموضوعات والقضايا، فالفنان المقتدر والأصيل هو الذي يوظف فنه في خدمة قضايا مجتمعه وأمته، لا أن يرتع ويطوح بنفسه في خضخاض التخلف، ويستنكف عن الفضائل والقيم، وينيخ رحله عند حزب الفساد والرذيلة. ومع الأسف أن أحدهم ممن يحسبون على الصحافة، ذهب يحرض الفنانين والحداثيين، ويلومهم على صمتهم، كأن الدفاع عن "الشيخة" أصبح -حسب زعمه- دفاع عن الفن والحداثة، والمسكين لم يدرك أن الفن والحداثة لا يشرفهما الدفاع عن "الشيخة"، لو وجدوا ما يدافعون عنه حقا لما ترددوا، ولما انتظروا كلماتك التحريضية المسمومة. فالفن معيار الذوق والجمال والرقي والتحضر، و"الشيخة" ومن يدافع عنها معيار التخلف والانحطاط والانتكاسة بكل معانيها. ونحن في هذا الشهر المبارك لا نملك إلا أن ندعوا الله تعالى أن يتوب علينا جميعا، ويخرجنا من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان والعلم، ويغير أحوالنا، ويرزقنا ذوقا سليما، ورأيا سديدا، ويهدي سبحانه إخواننا الفنانين إلى ما فيه الخير، حتى يسهموا في إصلاح المجتمع، فهم مسؤولون عما يقدمون، قال الله تعالى: "ولتسألن عما كنتم تعملون".