هوية بريس – الأحد 03 يناير 2016 عرفته مريدا لبيت الله مسجلا حضوره وشهوده جماعة أغلب صلوات يومه، فلم يكن ليمنعه سوء جو ولا تقلب مناخ ولا إمطار سماء عن صلاة الغلس والإسفار صلاة الصبح، وتلك حاله وذلك ديدنه حتى قلّت معرفتي بأسباب تغيبه عن صلاة الصبح وتركه رويدا رويدا للجماعة في أغلب الصلوات، فأرجعت الأمر في دائرة إحسان الظن به وهو المتقاعد على التو من الخدمة العسكرية إلى اضطراب في أحواله الصحية والنفسية فإن الفراغ لا يستمرأ إلا على مضض ومكرهة. ولم أكن لأترك باب الاحتمال مشرعا على رياح الإجمال والإبهام، فقد بادرت وقد رتب الله أن التقيته في صلاة عصر باستفساره عن أسباب غيابه الكلي عن صلاة الصبح، والحقيقة أنه لم يداهن ولم يمارس تقية ولا أجاب جواب حيدة، بل أخبرني أنه التحق مؤخرا بصفوف جماعة الفقراء كما يطيب للكثير تسميتهم من مريدي الزاوية البودشيشية، واستطرد متعذرا مسوغا أن مقدار ورده وكثير ذكره وطول مجالسته لشواكل الذاكرين من جنسه لا ينقطع وصل جهده إلا على مشارف رفع آذان صلاة الصبح، حيث يسلم الجسد المتعب المتهالك والروح المتسامية في القرب والفناء إلى سكون الليل وغرق العين في لجة النعاس الثقيل. وربما لم يعمر طويلا في تجاويف قلبه استدراكي بكون الفريضة في مقام ترتيب الأولويات مقدمة على ما دونها من مستحب النفل وفضل الطاعة والعمدة في الباب حديث الأعرابي… إذ اعترض بقوة وصلادة حجاج لم أعهدها فيه من ذي قبل: بأن الذكر وليس أي ذكر وإنما على الحصر ورد الشيخ الولي القطب الرباني مقدم عند الله ورسوله على كل ما سواه في باب تميز علم الحقيقة على علم الشريعة، موقعا على تخرصه وغور مائه البعيد ومستدلا عليه في غير سياق ولا مناسبة بقول الله تعالى "ولذكر الله أكبر". فودعته منكسر الخاطر مترهل الخطى أحمل بين ثنايا الفؤاد همّ هذا الفصام النكد الذي أصابنا في مقتل داعيا الله لي وله بمعرفة الحق ولزومه ومعرفة الباطل ومخاصمته، وكان آخر عهدي به وقد انقطع سيره المحمود المعهود وشحت بيوت الله من أنفاس تواجده وصده ما ابتلي به من خاسر عمل عن صلاة الجماعة ومن يدري عن جنس الصلاة عموما، أنني أُخبرت أنه قد شد الرحال إلى شيخه هنالك في قرية مداغ في ضواحي مدينة بركان شرق المغرب، ليقدم صكوك الولاء ومكس الانتساب الجديد منيبا مخبتا بين يدي صمت شيخه ونظراته الشاخصة مسجلا حضوره بالاسم والرسم في طقس احتفال الزاوية بمولد سيد الخلق. ولربما طال بنا المُقام في التفصيل تماهيا مع الطقس الاحتفالي، توصيفا لدركات ما تسفل فيه العقل والجسد والوجدان الصوفي من منابذة صريحة بواح للعقل والنقل والطبع والحس والفطرة، فقد أُمر المريد المنخرط في سلك الطرقية أن يهب عقله وقلبه وجسده في كفن التسليم الكلي للخرافة والدجل بضابط قولتهم التي طارت كل مطار ونعني بها قاعدة وأصل "على المريد أن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي مُغسله"، كما حُذر أيّما تحذير من خطورة اتباع وتلقي وطلب ما عطر الله ورسوله الإسلام بمدحه وملأ القلوب والألباب والأفمام بذكر منافعه وفضل العض عليه والاهتداء بنوره وهو الميراث النبوي ونعني به العلم الشرعي. وليس بعد التزام ذلك الأمر والتطبيع مع هذا الترك مانع ولا غمط في وصف القوم بأنهم كالمجانين بل أضل من المجنون سبيلا، وما أصدق ما تمناه الشيخ العلامة عبد السلام خضر الشقيري في رسالته الماتعة إذ استفهم في تعجب وحاجة: "هل هناك عقول تباع فأشتري لهؤلاء عقولا؟؟؟". عقول ذبابية اصطادتها عناكب التصوف وشراك الطرقية وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت وشراك الباطل، وهل ثمة وهن أضعف من أن يصدق المثقف في غير هدر ولا ذرة شك ما ابتدعه شيخ الطريقة الحالي "حمزة" باستنباط كاذب جعل لحروف مبنى اسمه معاني لها دلالتها في سياق الاستقطاب الطرقي، حيث جعل لحرف الحاء معنى (احترام) ولحرف الميم معنى (امتثال) ولحرف الزاي معنى (زيارة) ولحرف التاء معنى (ثبات)، وهو من هو كان أيام صحته وشدة ركزه "لا يحضر جماعة ولا جمعة" حسبما نقل الباحث عبد الله بن سعيد أعياش عن أحد علماء تطوان. ولست أدري كما غيري أي هالة تقديس وأي أدب جم وشرك أنداد ودعوى محبة وزعم اتباع يجنيه في غبن مُرد هالك المريد من شيخ معمر منكوس الخلق، وقد تواترت الأخبار أن كل أفعال وأقوال ومنامات وأذكار جنسه من مدّعي النبوة الجدد هي مسائل صارفة عن ما راكمته التجربة النبوية والكدح الشريف المحقق في دائرة كامل الدين وتمام النعمة للعبودية الحق لله تعالى ولصلاح أمر العباد في الدنيا والآخرة. ولعل سفر صاحبي للاحتفال بمولد سيد الخلق يجرنا بالتي هي أحسن إلى التنصيص على حقيقة أن المرء متى ما وقف على درجة اتفاق أهل السير على أن تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم كان في الربيع الأول، ووقف على نوع وجنس ما يفعل ويقترف من شرك شنيع وظلم أشنع وذنب أفظع وكبير معصية، ونوح ناي، وبوح مزمار، وطنين طبل ودف داخل بيوت الله، وذميم اختلاط، وتسفل استغاثة، وجاهلية نسك وافتراس، وولغ دم مسفوح، ورقص وشطح وحضرة في يوم الاحتفال بمولده، وقف على حقيقة أن القوم بقصد أو غيره أقرب إلى الاحتفال بمصيبة موته لا بمنة ولادته. وقد ولد عليه الصلاة والسلام كما يولد الناس جميعا ولم يكن لأحد أن يستشرف من نبرة استهلاله الأول ما ينتظره عند الأشد من عظيم اصطفاء وكبير توكيل في مقامي الإرسال والتنزيل، بينما نجده قد مات عليه الصلاة والسلام بعدما ملأ اسمه الآفاق كما ملأ عدله وفضله وصدقه وأمانته دنيا القريب والغريب، فواطأ وناسب هذا في باب الترجيح الذي ينحني له العقل في تسليم ويؤشر عليه النقل في يقين، أن يكون يوم الاحتفال وعلى تلك الشاكلة هو على الأصح الاحتفال بتاريخ فقده ومصيبة موته صلى الله عليه وسلم لا ذكرى مولده عليه الصلاة والسلام. ولا شك أن المسلمين اليوم مطالبون أكثر من أي وقت مضى في ظل تغول هذا الفساد السلوكي والمروق العقدي، وفي ظل ما يفرضه واجب الانتساب بمواجهة هذا الإقعاد والفساد بالفكر النقي والمعين الصافي مطارحة ومحاججة وأمرا ونهيا، ولعل الأمر هيّن على العلماء الربانيين، والغيورين العاملين، والمحبين المتبعين، متى ما استقامت النيات، واستشرفت المقاصد، واستدبرت الغفلة، وحضر الوازع الذي يربط السياق الدنيوي باللحاق الأخروي. إضافة إلى أن ملمح هذه الظواهر من تجليات تقديس الدجل والانحناء للخرافة ومخافة سحر التخييل واعتبار هذا الفصام هو روح الدين ولبه، فلسفة وسلوك لم يعرفه الإسلام الأول ولو في تعريج يسير، وإنما جاءت نصوصه القطعية الدلالة بالنهي والتحذير الصريح عن اتباع خطوات الشيطان من جنس ما يخطوه المريد استدراجا على طريق الانحراف المائل كل الميل صوب الشرك والظلم الأكبر، ومن ثم فُشو كلمة أهل البدع وظهورهم، وتصدرهم المشهد الدعوي أمرا بالمنكر ونهيا عن المعروف، وليس هذا من باب الاتهام جزافا، ولا الرمي رجما، بالغيب وإنما هو في التورط والظهور ألمع من الشمس في ضحاها، وأوضح من القمر إذا تلاها، نسأل الله العفو والمعافاة. [email protected]