نشر بالجريدة الرسمية عدد 7006 بتاريخ 11 ذي الحجة 1442 ه الموافق 22 يوليو 2021 القانون رقم 57.19 المتعلق بنظام الأملاك العقارية للجماعات الترابية، هاته الجماعات التي تم تعريفها بموجب الفصل 135 من الدستور المغربي بأنها: الجهات والعمالات والاقاليم والجماعات. وهذا القانون، يندرج في إطار مواصلة إصلاح نظام اللامركزية لبلادنا تنفيذا للتوجيهاتالسامية لملك البلاد محمد السادس، الرامية إلى تعزيز دور الجماعات الترابية كشريك استراتيجي لتحقيق التنمية، كما يهدف القانون السالف الذكر إلى تحديث تدبير منظومة الأملاك العقارية الخاصة والعامة المتعلقة بالجماعات الترابية تنزيلا لمقتضيات القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية لجعلها آلية داعمة لانجاز البرامج الإنمائية، ولتفعيل الجهوية الموسعة، والقطع مع النصوص القانونية المتعددة التي تعود إلى فترة الحماية. فأملاك الجماعات الترابية تشكل مصدرا مهما لخلق موارد ذاتية ودائمة للجماعات الترابية، وعنصرا محوريا في تفعيل البرامج التنموية الترابية، وآلية مهمة لتشجيع واستقطاب الاستثمار . وقد أتى القانون 57.19 بالعديد من المستجدات ذات الأهمية البالغة، وحسبنا في هذا المقال المتواضع التطرق للكراء الطويل الأمد لأملاك الجماعات الترابية، ويمكن تعريف الكراء الطويل الأمد بأنه حق عيني يخول صاحبه الانتفاع بأرض يكتريها لمدة تفوق عشر سنوات دون أن تتجاوز أربعين سنة، وهذا يعني أن الكراء الطويل الأمد يختلف عن الكراء العادي في كونه يعقد لمدة طويلة، وفي أنه يعطي صاحبه حقا عينيا يخوله حق التتبع والأولوية، وليس مجرد حق شخصي كما هو الشأن في الكراء العادي ، وأهمية موضوعنا هذا تتجلى نظريا في صدور القانون الجديد 57.19 سالف الذكروالحاجة لتحليل مواده المنظمة للكراء الطويل الأمد لأملاك الجماعات الترابية تنويرا للمهتمين بالشأن القانوني، أما الأهمية العملية فتبرز من خلال ما سيحققه الكراء الطويل الأمد لأملاك الجماعات الترابية باعتباره رافعة لتحقيق التنمية، وآلية لاستقطاب الاستثمار،وسنحاول تسليط الضوء على المواد المنظمة لهذا النوع من الكراء، أي الكراء الطويل الأمد لأملاك الجماعات الترابية مبرزين لخصوصياته وما يميزه عن الكراء الطويل الأمد وفقا لقواعد مدونة الحقوق العينية. أولا: طبيعة المحل الخاضع لعملية الكراء الطويل الأمد: نصت المادة 38 من القانون 57.19 في فقرتها الأولى على ما يلي: يمكن لرئيس مجلس الجماعة الترابية أن يبرم عقود كراء طويل الأمد فوق عقارات محفظة من ملكها الخاص… يستفاد من منطوق الفقرة السالفة الذكر أن شروط كراء عقارات الجماعات الترابية كراء طويل الأمد هي كالتالي: أ: أن يكون المحل المراد كراؤه عقارا: إن المشرع اشترط أن يكون المحل المراد إكراؤه كراء طويل الأمد عقارا، ويخرج عن قول المشرع "عقارا" جميع المنقولات كيفما كانت مثل منشآت وتجيزات الانارة العمومية، والتجهيزات العمومية المخصصة للاستعمال الإداري والثقافي والاجتماعي والرياضي والبيئي، وكذا العقار بالتخصيص والذي عرفه المشرع في المادة 07 من مدونة الحقوق العينية بكونه: المنقول الذي يضعه مالكه في عقار يملكه رصدا لخدمة هذا العقار واستغلاله أو يلحقه به بصفة دائمة. ب: أن يكون العقار محفظا: استلزم المشرع أن يكون العقار المراد كراؤه كراء طويل الأمد عقارا محفظا، وهذا أمر جد مهم ومنطقي حتى لا يكون هذا الحق العيني محل نزاع، ويترتب عن كونه محفظا تسجيله في السجلات العقاريةحتى ينتج آثاره فيما بين الأطراف أنفسهم ويمكن الاحتجاج به تجاه الغير وفقا للمادتين 66 و 67 من ظهير التحفيظ العقاري. كما يمكن للمكتري كراء طويل الأمد مطالبة المحافظ على الأملاك العقارية بتأسيس رسم عقاري خاص بالكراء الطويل الأمد تسجل فيه الحقوق العينية والأعباء العقارية التي قد تقع على حقه هذا، وحقه هذا سنده المادة 14 من المرسوم رقم 2.13.18 الصادر بتاريخ 14 يوليو 2014 في شأن إجراءات التحفيظ العقاري التي تص على ما يلي: بالإضافة إلى الرسم العقاري المؤسس في اسم مالك العقار، يمكن تأسيس رسوم عقارية خاصة بطلب من المستفيد من حق الارتفاق و…وحق الكراء الطويل الأمد. يتم تضمين جميع البيانات المقيدة في الرسم العقارية المؤسس للعقار وفي الرسم العقاري الخاص الذي تم تأسيسه لإحدى الحقوق المذكورة في الفقرة السابقة. وللمكتري كراء طويلا الأمد بعد تأسيس رسم عقاري خاص بحقه العيني هذا، المطالبة كذلك بنظير الرسم العقاري، ويخضع هذا النظير للمقتضيات المطبقة على نظائر الرسوم العقارية للملكية. ولا بد من الإشارة أن اشتراط المشرع المغربي أن يكون العقار المراد إكراؤه كراء طويلا الأمد محفظا يعد خروجا عن القاعدة العامة للكراء الطويل الأمد، حيث إن المشرع في المادة 121 لم يميز بين العقارات من حيث وضعيتها القانونية، إذ نص على ما يلي: يخول الكراء الطويل الأمد للعقارات للمستأجر حقا عينيا……، والشاهد من كلامنا أن المشرع لم يشترط أن يكون العقار محفظا أو غير محفظ أو في طور التحفيظ. ج: أن يكون العقار مصنفا ضمن الملك الخاص للجماعات الترابية: بالرجوع إلى الفقرة الأولى من المادة 38 السابق الإشارة إليها يتبين لنا بجلاء طبيعة العقار المملوك للجماعات الترابية والذي يجوزكراؤهكراءطويل الأمد، إذ خص منه المشرع فقط العقارات المصنفة ضمن الأملاك الخاصة للجماعات الترابية، وهذا شرط بديهي كون أن العقارات التي تدخل ضمن الملك العام للجماعات الترابية هي مخصصة للاستعمال المباشر من قبل العموم أو لتسيير مرفق عمومي، وقد ذكرها المشرع على سبيل المثال فقط لا الحصر في المادة 4 من القانون 57.19 ومنها: المساحات الخضراء العامة وميادين الألعاب والمساحات المباحة المختلفة كالمساحات المخصصة للتظاهرات الثقافية والترفيهية والرياضية والبيئية، والأسواق الأسبوعية، والمجازر التابعة للجماعات الترابية…، أما الأملاك التي تدخل ضمن الملك الخاص للجماعات الترابية فقد عرفتها المادة 29 من القانون 57.19 بأنها: جميع العقارات التي تمتلكها الجماعات الترابية والتي لا تدخل ضمن أملاكها العامة. ثانيا: شكلية عقد الكراء الطويل الأمد لأملاك الجماعات الترابية: نصت المادة 38 من القانون 57.19 في فقرتها الثانية على ما يلي: يبرم عقد الكراء الطويل الأمد لزوما بموجب محرر رسمي. يتبين لنا من قراءة متمعنة للفقرة الثانية من المادة 38 أعلاه، ما يلي: 1-إن المشرع ولاختياراته التشريعيةفضل أن يكون توثيق هذه العقود اختصاصا حصريالمهنيين فقط، العدل والموثق، وغل يد المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض عن توثيق هذا العقد، وهذا على غرار باقي العقود المنصوص عليها في مدونة الحقوق العينية التي اشترط كذلك أن تبرم بموجب محرر رسمي، ويتعلق الأمر بعقد العمرى (المادة 106) والرهن الحيازي (المادة 147) وعقد المغارسة والاشهاد بتحقق الاطعام ( المادتان 268 و 272) والهبة (المادة 274) والصدقة ( المادة 291) وغني عن البيان أن هذه الاستثناءات إضافة إلى الاستثناء الخاص بالكراء الطويل الأمد لأملاك الجماعات الترابية تعد خروجا عن القاعدة العامة الواردة في المادة 4 من مدونة الحقوق العينية. 2-إن المشرع ولئن نص على إبرام عقد الكراء الطويل الأمد لأملاك الجماعات الترابية لزوما بموجب محرر رسمي، فإنه أغفل ذكر الجزاء التشريعي المترتب عن الاخلال بهذه الشكلية، وكان سيكون حسنا لو نص على هذا الجزاءكما فعل وهو يسن مقتضيات عقد العمرى والهبة… مثلا، إذ نص على أن البطلان هو الجزاء الذي يطال الاخلال بشكلية إبرام هذين العقدين. ثالثا: الهدف من كراءأملاك الجماعات الترابية: أشارت المادة 38 من القانون 57.19 بشكل صريح وواضح إلى الهدف من إكراء عقارات الجماعات الترابية كراء طويل الأمد، هذا الهدف الذي هو إنجاز مشاريع استثمارية، ومن خلال دراسة ميدانية قامت بها إحدى الباحثات لدى المجلس البلدي الرباط حسان، عاينت نموذجا للكراء الطويل الأمد لأملاك هذا المجلس، ويتلخص الملف الذي اطلعت عليه في كراء أرض يمتلكها المجلس المذكور لشركة، وذلك لمدة خمسين سنة ، مقابل ثمن سنوي يزداد نسبيا كل خمس سنوات تقريبا، وذلك من أجل إقامة مشروع عليها، ويتعلق الأمر ببناء فندق أربعة نجوم خلال ثلاثين شهرا من تاريخ المصادقة على العقد، ووفقا للتصميم المعتمد من طرف السلطة المختصة، ويمنع هذا العقد على الشركة المتعاقدة التخلي عن هذا الكراء للغير بدون إذن كتابي من الجماعة، في حين بإمكانها إكراء المركبات الفندقية من الباطن على شكل متاجر أو متاحف مؤقتة، وعند انتهاء العمل بهذا العقد، فإن الأرض وما عليها من بنايات تصبح في ملكية بلدية حسان الرباط، وتلتزم الشركة بتسليم العمارة المبنية والمتعلقة بهذا الكراء الطويل الأمد، خالية من أي عبئ سواء كان حقا عينيا أو رهنا لصالح الغير. واستنتجت الباحثة المذكورة من خلال اطلاعها على العقد أعلاه، أن هناك تشجيع على استثمار أراضي الجماعة بواسطة الكراء الطويل الأمد، إذ يستفيد المكتري طيلة مدة الكراء من المشروع المقام على هذه الأرض والذي سيجني منه أرباحا كثيرة، إضافة إلى أن هناك إنعاش للاقتصاد الوطني بالمشاريع التي ستقام بموجب عقود الكراء الطويل الأمد هاته، والتي ستستفيد منها الجماعة بتملكها للبناء الذي سيقام على العقار المكترى بعد نهاية مدة العقد، مع العلم أن ملكية الأرض في حوزتها، وأن في ذلك تشجيع لبعض القطاعات كالسياحة في هذا العقد المتعلق ببناء فندق من أربعة نجوم في موقع استراتيجي يجلب الزبناء المحليين وحتى الأجانب، وما قد يدره ذلك من العملة الصعبة على بلادنا، زد على ذلك أن مشروعا كهذا من الناحية الاجتماعية سيساهم من دون شك في تشغيل يد عاملة مهمة وأطر فندقية وأمنية كثيرة مما سينقص من أزمة البطالة. رابعا: الأثر المترتب على تجديد عقد الكراء الطويل الأمد: من الأحكام الشاذة التي أتى بها القانون 57.19 أن عقد الكراء الطويل الأمد لأملاك الجماعات الترابية في نشأته الأولى يكسب المكتري حقا عينيا على العقار، لكن بعد تجديده ولو لمدة تفوق 10 سنوات فإن هذا لا يخول للمكتري حقا عينيا على العقار، وهذا هو منطوق صريح المادة 39 من القانون 57.19 التي ورد فيها ما يلي: لا يؤدي تجديد عقد الكراء لمدة تساوي أو تفوق 10 سنوات إلى اكتساب هذا العقد طابع كراء طويل الأمد. يتبين بجلاء كيف أن المشرع خرج عن القواعد العامة للكراء الطويل الأمد الواردة ضمن مدونة الحقوق العينية، حيث إن المادة 121 من هذه المدونة تنص على أنه: يخول الكراء الطويل الأمد للعقارات للمستأجر حقا عينيا قابلا للرهن الرسمي….، فالمادة 39 في الحقيقة لا تخدم مصلحة المكتري ولا تشجع المستثمر سواء كان أجنبيا أو مغربيا على اللجوء إلى إبرام عقد الكراء الطويل الأمد عندما يعلم أنه سيحرم من مزايا الحق العيني بعد التجديد والتي منها: ميزة التتبع والأفضلية أو الأولوية، كما أن هذا الحق العيني حق مطلق يحتج به على كافة الناس ، فالتوازن العقدي لا أثر له في مثل هذه العقود، وهو ما يجعلنا نقول أن هذه العقود ولئن كانت من حيث الشكل تكتسي طابعا اتفاقيا، فإنها في الحقيقة تشكل عقود إذعان نموذجية. قائمة المراجع: أولا: الكتب إدريس الفاخوري الوسيط في نظام الملكية العقارية على ضوء مدونة الحقوق العينية والتشريعات العقارية الخاصة، مكتبة المعرفة مراكش، الطبعة الثالثة. محمد ابن معجوز الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي طبعة 2016. ثانيا: الرسائل أسماء القوارطي الكراء الطويل الأمد وتطبيقاته العملية، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني، وحدة القانون المدني شعبة القانون الخاص تحت إشراف الدكتور سعيد الدغيمر السنة الجامعية 2000/2001. ثالثا: القوانين القانون رقم 57.19 المتعلق بنظام الأملاك العقارية للجماعات الترابية. القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية. الظهير الشريف المؤرخ في 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري كما غير وتمم بمقتضى القانونين 14.07 و57.12. المرسوم رقم 2.13.18 المؤرخ في 14 يوليوز 2014 في شأن إجراءات التحفيظ العقاري. رابعا: التقارير تقرير لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة حول مشروع قانون رقم 57.19 المتعلق بنظام الأملاك العقارية للجماعات الترابية ص 07، أنظر الموقع الالكتروني لمجلس النواب. خامسا: المواقع الالكترونية الموقع الرسمي لمجلس النواب المغربي: www.chambredesrepresentants.ma