هوية بريس – السبت 22 غشت 2015 الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى اله وصحبه ومن ولاه أما بعد: فيقول الله تعالى: (وكان حقا علينا نصر المومنين)، وقال أيضا: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم). من سنن الله في الزمن أن لكل أمة ذكريات تاريخية وأحداث مجيدة وقعت فيها انتصارات وبطولات سطر ملاحمها رجال ونساء لم يثنهم عن بلوغ الهدف شيء. والأصل في إحياء الذكريات والأمجاد التاريخية هو استنباط العظات والعبر والدروس والحكم لتكون نبراسا يهتدى ويقتدى به في رسم معالم وملامح وملاحم المستقبل، قال تعالى: (وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور). قال بعض العلماء في تفسير قوله تعالى: (وذكرهم بأيام الله) ينبغي تذكير الناس بالأحداث التي عرفتها بلادهم ونعمه عليهم فيها، لأن ذلك أقرب وأبلغ في الاتعاظ، وكان ذلك شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربطه الحوادث الدينية بالأزمنة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا:هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه قال: أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه. وقد ألف الناس أن يتحدثوا عن الأمور التاريخية في مثل كل يوم وقعت فيه، لأن ذلك يجعل إثرها أبلغ وأنفع، قال لا ابن حجر معلقا على هذا الحديث الذي رواه أبوداوود عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، لعبت الحبشة فرحا بذلك، لعبوا بحرابهم)، قال: ولا شك أن يوم قدومه صلى الله عليه وسلم كان عندهم أعظم من يوم العيد، فذكرى الهجرة، وذكرى بدر، وذكرى القادسية، وغيرها كلها أيام وطنية كان يحتفل بها المسلمون. ومن سنن الله في خلقه أن لكل بلد أيامه ولكل بلد أعياده يستقبلها ببهجة وسرور لما تحمله في طياتها من انتصارات وأمجاد زهت بها أرض الوطن ومن هاته الأيام المباركة التي يعيش ذكراها المغاربة ذكرى ثورة الملك والشعب. وفي الاحتفال بهذه الذكرى المجيدة التي صنعها عظماء مغاربة ضحوا بأرواحهم من أجل الدفاع على كرامة وسيادة الوطن.وقد برهنت هذه الثورة المجيدة عن دفاع المغاربة ملكا وشعباٌ المستميت على سيادة وطنهم ضد الاستعمار الغاشم الذي يصبوا إلى إذلال المغاربة عبر نفي ملكهم، لكنه نسي أن في المغرب رجال ونساء دافعوا ونافحوا عن أرضهم وسلطانهم بدمائهم وأموالهم. إنها ذكرى عظيمة ومشرقة في صفحات تاريخ المغرب الحديث يجب استحضارها بكل تجلياتها وأبعادها والاستلهام منها كل تلك التضحيات في سبيل عز الوطن. وان من أسرار نجاح هذه الثورة المباركة المصنوعة على عين الله والمكلوءة برحمة الله هو الولاء والوفاء، والإخلاص العميق، والتلاحم والتجانس بين العرش والشعب فالمغاربة بعد نفي سلطانهم لم يرق لهم بال ولم تهدأ لهم نفس ولم يستلذوا راحة حتى يعود رمز السيادة الذي تربطه بشعبه بيعة شرعية على هدى ونور من الله. لقد عاش المغاربة ملكا وشعبا مخاضا ليس هينا مناهضين الاحتلال، ومن أبرز تلك الملامح عندما طلبت سلطات الحماية من أمير المومنين محمد بن يوسف الخضوع لها ومناهضة الحركة الوطنية والمد التحرري للوطن، فرفض طيب الله ثراه هذه المساومة الرخيصة، فحاصرت السلطات الفرنسية القصر الملكي يوم 20غشت 1953م وطلبت من السلطان الشرعي التنازل عن العرش أو النفي في الخارج، ففضل هذا المجاهد الباسل الرضوخ لهم فنفي مصرحا بأنه هو الملك الشرعي للأمة. يول أمير المومنين الحسن بن محمد في كتاب التحدي عن هذه اللحظات الحرجة على لسان والده عندما طلب منه التخلي عن العرش ما نصه: "ما من شيء في أفعالي وأقوالي يبرر أن أتخلى عن أمانة اضطلع بأعبائها بصفة مشروعة، وإذا كانت الحكومة الفرنسية تعتبر أن الدفاع عن الحرية والشعب بمثابة جريمة يعاقب عليها، فإني اعتبرها فضيلة يفاخر بها وتورث صاحبها المجد"، وزاد قائلا: "إني ملك المغرب الشرعي ولن أخون الأمانة التي ائتمنني عليها شعبي الوفي المخلص، إن فرنسا قوية فلتفعل ما تشاء. لقد اعتقدت سلطات الحماية أنها بنفي السلطان محمد الخامس ستضعف شوكة الحركة الوطنية وسيخفت بريقها ولمعانها فخاب ظنها وتوارى اعتقادها،فشاء العلي القدير أن يكون نفي السلطان بمثابة نقطة انطلاق المقاومة المسلحة، وانتفاضة الشعب من أجل عودة الملك الشرعي واستقلال المغرب وهذا ما تحقق بفضل الله… لقد عاد محمد الخامس من المنفى معززا مكرما مبشرا ومستبشرا بانتهاء عهد الحجر والاستعمار، وبزوغ عهد الحرية والاستقلال عاد رحمه الله ورضي عنه وهو يردد قوله تعالى: (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور). والحمد لله استقل المغرب، فكان بذلك محمد الخامس مجسد عملية التحرير والفداء، وكان الحسن الثاني باني السدود وعبقري المسير الخضراء، وهاهو أمير المومنين يتسلم الأمانة ليقوم باستكمال عملية البناء والتجديد، ويواصل عملية استكمال الوحدة الترابية بمعية شعبه الوفي. الدروس والعبر من هذه الذكرى: تجسيد التلاحم بين العرش والشعب. الملك رمز الوحدة الوطنية. البيعة الشرعية أساس العلاقة بين الملك والشعب.