حقِّق الممكن الذي تحلم يوما أن يكون، فتكون لك حياة ويكون لك وجود، فأنت لا تحتاج إلى أن تحقِّق كلَّ أحلامك كي تشعر بالسَّعادة والاغْتِباط ويسكنك الدّفء ويحيط بأركانك الهدوء، ويرحل عنك الضّجيج والقنوط والعبوس.. بل يكفيكَ أن تُحَقِّق حلما واحدا فريدا، يُخَلِّد أثرَك وسعيك وكسبك الطيِّب، وعملك النَّافع وإنتاجك الغضّ المثمر.. ويكفيكَ أن تبلِّغ رسالتك النَّبيلة، وتبلغ غايتك العظيمة التي تستحقُّ أن تحيا بها ولأجلها سعيدا مسرورا.. ويكفيكَ أن تَمُدَّ وصلك بمَن حولك، وتوثّق عراهم بشريان الأمل، وتَشُدَّ أَزْرَهم بوَصْل أسباب الرَّجاء؛ كي يهبُّوا لتحقيق أحلامهم بعزيمة ونشاط.. وتُقوِّي فيهم الطُّموح الذي انحسر، وتشحذ همتهم وعزيمتهم، كي يتآفوا ويتّحدوا فيما بينهم، ويجتمعوا مع بعضهم البعض في صفّ واحد وعلى قلب رجل واحد، مثلهم كمثل من وصفهم نبينا ورسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى". ولا تنتظر من سيحلم معك، أو من سيشاركك أحلامك وخواطرك الجميلة، بل تعلَّم كيف تحلم لوحدك، ولأجل تلك الأنا المُرابطة في عرين نفسك، المعتكفة على ما يخالجك من هموم تتصارع بداخلك.. وتحرّر من وضع القيود حولك، وإرهاق النفس بكثرة الشرّوط فتحصد بمنجلها أحلامك، وتعلَّم أن تصنع أحلامك بكفاحِك ونضالك، وجهادك في معترك الحياة.. وكُنْ أنت كما تحِبُّ أن تكون، وعبِّر عن ذاتك بذوقك الخاص، وحدّد بنفسك قراراتك واختياراتك، وميّز ألوان فصولك وطبيعتك، وارسم صورك وما تشهده بعين بصيرتك وبصرك، وعبّر عن منطقك وأسلوبك، بلغتك وطريقتك في التّعبير.. وخُضْ غمار تجارِبك وخبراتك؛ وتعلَّم منها كيف تصنَع تاريخك بنفسك، وكيف تمارس حريتك المشروعة بلا شعور بالخوف والفزع ، والتّوجُّس والارتياب يلازمك، ولا التردُّد والخجل، والاختفاء في معتكف الظّل وعتمة الخمول.. وتعلَّم كيف تكون جريئا مِغوارًا، شديد الشّكيمة، قويّ المِراس في الانتصار للحقّ ولرسالة التّغيير والإصلاح، بلا وجه مستعار تلبسه قيدا، ويلبسك قيودا من سلاسل وأغلال تلك الوجوه الاجتماعية التي تحيط بك من كل جانب، ويغلب عليها الكذب والنّفاق، والتّفاخر والتّباهي، والركض خلف مشتهيات الدنيا ومطامعها، والعبّ من ملذّاتها ورغد عيشها الهنيء.. ولا تجعل قلبك يرحل إلى منْفاه، فتشتكي من رحيله أَصلاب الرُّوح، وتحترق حناياك وتنكسر الضُّلوع، ويثور فيك مخاض الأوجاع، وتشقُّ فؤادك الجروح.. فتصير إلى غربة تفصل الحدود.. كما تفصل القيود الأجساد عن الرُّوح .. فتَنْهَمِر غيمات الخوف من فزع الماضي وهول الحاضر المعلوم والمجهول.. وتسكب العيون من تعب ومشقّة وعَنَت هطول الدّموع.. ويظلُّ في ضيق العروقِ اتِّساعٌ لظمأ وجوع.. وعطش لا يرتوي من الشّكوى والنُّوح.. وصبيب الدَّمِ المسْفوح على ما اغتصبته المنايا والخطوب.. فانظر.. هذي أشواقُنا الحَبْلى بآمالِ اللِّقاء.. تؤرّق مضاجعنا والجفون.. ونجمات المساءِ تغازل محيّانا.. فتصدرأنّات البروق من دهشة.. تسطع لأنوارها شموس الكرامة والشّموخ.. وانظر.. هذي السّماء نتزيّن بوميض النُّور لموكبنا.. وأُغْرودَة الصَّباح تهمس في أذن مواجعنا فيصحو فينا صحوة الشُّروق.. وتُزْهِر عناقيد أفراحنا وأعيادنا على السّفوح.. والنَّدى والرَّحيق والشَّهد المَسْكوب يُحَلِّي شفاهنا ببسماتٍ تتفتَّقُ مع حمرة الخدود.. وتطلق دويّها.. سأحلم قدر ما شئت أن أجمع في ذاكرتي من الأحلام.. كي أكون وتكون لي حياة ويكون لي وجود..