مع كل هذه الحرارة التي تطاردني مثل مخبرٍ يكتم أنفاسي، قررتُ أن آخذ عطلةً صغيرةً في الظل. آن لي أن أنسحب قليلا وأترك هذه البلادَ بين أيديكم. أنا متأكدٌ من حرصكم عليها أثناء غيابي، ومن قدرتكم على التصرف فيها كما لو كنتُ حاضراً. لأن البلاد ليس لها بعد الله إلا أنتم، وليس لكم بعد الله إلا البلاد. "" يكفيني أنا ما وصلني منكم من شكاوى وانتقادات ورسائل لأعرف حجم الحلم الواحد الذي يجمعكم؛ يُوحّدكم جميعا الحلمُ بمغرب مزدهر عادل كريم، أعلم ذلك. لكن، يكفيكم أنتم أن تطَّلِعوا على أحلامكم المكتوبةِ إليّ عنواناً عنواناً، وورقةً ورقةً، وسطراً سطراً، كي تعلموا حجم الاختلاف الرهيب الذي يفرقكم في الوصول إلى حلمكم. الهدف واحد، لكن الطرق إليه متعددة. وليست كل الطرق حتما مفتوحة. إن الإنصات إليكم مثل الاستماع إلى إذاعات مختلفة تُبثّ في وقت واحد من مذياع واحد عبر موجات مختلفة بما فيها الموجات التي لا تُصدر إلا التشويش. إنه أمر يصيب بالدوار. شيء غير مفهوم مطلقا. لقد فعلتُ كل ما بدا لي أنه الصواب، لكنّ فيكم من ظل يصر على أن ثمة أخطاء في كل ما صنعت. استطعتُ أن أرضي الله وأطوي صفحة رهيبة من تاريخكم، لكني عجزت عن إرضاء الجميع. وظننتُ أني استجبتُ لبعض من أحلامكم، لكني وجدتُ من بينكم من دس فيها كوابيس مرعبة، أيُّ الأيادي عجنتها كي لا ترتاحوا وكي لا أطمئن؟ لقد ضقت باتساع الشك في ما أفعل فضاقت الثقة التي أسعى إلى زرعها فيكم؛ أنْ ثقوا ولو للحظة بالله ثم بي. لذا سآخذ عطلة وأترك البلاد بين أيديكم وأمضي. لن أنسى معاذ الله أمركم. لكني سأمنحكم فرصة لتصنعوا بأيديكم الحياة التي تريدونها، والكرامة كما تتصورونها، والبلاد المثالية كما تحلمون بها. صدقاً، أريد أن أراكم كيف ستقودون انقلابات حقيقية في الفكر والثقافة والفن والسياسة والاقتصاد والحكامة... دون أن يُراق دم. كيف ستحاربون الجهل والأمية في كل البلاد، وكيف ننهض بعد رقاد لنلتحق بآخر قطار متجه نحو المستقبل. أريد أن أرى كيف سيتوقف بفضل اقتراحاتكم انفجار الأرض بالفقراء، وينتهي اعتصام المعطلين وترحل عنا البطالة لتدخل الفرحة إلى البيوت أول كل شهر. أريد أن أرى كيف ستطهرون بسلطتكم سمعتنا من دنس العهارة والرشوة وظلم الأحكام، وكيف تطيحون بالفاسدين دون أن تسقط السماء، وأيّ القرارات ستتخذونها كي ينتصر الشعب دون أن ينهزم الوطن. أريد أن أرى منكم أيّ الأسماء ستضعونها في القيادة دون أن تثيروا حنق أسماء أخرى، وأي فكر يصلح لقيادة الملايين دون أن يغار فكر آخر منه ويحمل في وجهه السلاح. أروني كم خطوة صادقة ستضعون بها البلاد في الطريق الصحيح نحو الأمام دون أن تهتموا بالرغبات الراضية بما يحدث، ودون أن تحاربوا تلك الطموحات الحالمة بالعودة نحو الخلف، ودون أن تستسلموا لتلك الهواجس المريضة التي تغوي بالانزلاق في المنحدرات. سأترك سلطة الاقتراح والقرار بأيديكم قليلا، ف أروني كيف ستصنعون! [email protected]