في لحظة من الصفاء الروحي، والهدوء النفسي، تتعلق القلوب بحبيب علام الغيوب، فتتمنى النفس المؤمنة أن لو رأت جبيبها، فأمتعت العيون بالنظر إلى وجهه الكريم، وسماع صوته الحلو الرخيم، وقَبلت يديه الكريمتين، وغلست رجليه الطاهرتين، وكيف لا ترنو إلى ذلك وقد تمناه من لم يلامس الإيمان قلبه؟. إنها لحظة الأشواق، لحظة تهتز فيها النفوس، وتبعث الحنين، وتحرك مشاعر المحبين ياليتنا أدركنا ذلك الوقت والحين، قال الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أشد أمتي لي حبا، ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله) صحيح مسلم. أيها المحب والمشتاق، تعال بنا رويدا، علنا نرد تلك الموارد -روضة المحبين ونزهة المشتاقين- أولا: شوق الرسول صلى الله عليه وسلم إلى رؤيتك: تطير نفوسنا شوقا إذا بغلنا سؤال بعض الناس عنا وتمنيهم لرؤيتنا، فكيف إذا كان المشتاق إليك المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ (وددت أني قد رأيت إخواننا، قالوا يا رسول الله، ألسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض)- سنن النسائي- فهل تحتاج شيئا غير هذا؟ أن يكون صلى الله عليه وسلم قد اشتاق إليك، ألا يستحق منك مبادلة الشوق لمن سبق شوقه شوقك؟. ثانيا: شدة حرص المصطفى صلى الله عليه وسلم عليك المحبة لاتعرف إلا من يعرفها، ولا تقع إلا في قلوب أهلها، وإن من أمراتها حرص الحبيب على حبيبه، فنحن قبل أن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أحبنا جميعا، وإن من شدة حبه لنا أن كان همه وشغل باله الحرص علينا قال الله تعالى: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] بل لقد بلغ الحرص غياته حتى سالت دموعه صلى الله عليه وسلم من أجلك: فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم: تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني} [إبراهيم: 36] الآية، وقال عيسى عليه السلام: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة: 118]، فرفع يديه وقال: «اللهم أمتي أمتي»، وبكى، فقال الله عز وجل: «يا جبريل إذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يبكيك؟» فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، وهو أعلم، فقال الله: " يا جبريل، إذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوءك " فإذا ظفرت أيه من المحب بمن لك هو محب مع العناية وشدة الحرص ألا يحرك فيها مبادلة الحرص على سنته وطاعته؟ ثالثا: الدعاء لك في الدنيا والشفاعة في الآخرة: حدثني من قلبك وأنت معي على مثن سطور أنوار المحبة، كيف تعلقك بأحد من أهل زمانك: لا ينساك في الدعاء وإذا ما احتجت لقضاء أمر وجدته معينا أو شفيعا لك..؟ وهكذا بل أعلى منه وأكثر، كان وسيكون معك: محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فعن عائشة رضي الله عنها: لما رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم طِيبَ نَفْسٍ، قلت: يا رسول الله، ادع الله لي، فقال: «اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، ما أسرت وما أعلنت»، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيسرك دعائي؟ »، فقالت: وما لي لا يسرني دعاؤك فقال صلى الله عليه وسلم: «والله إنها لدعائي لأمتي في كل صلاة» [حديث حسن: صحيح ابن حبان] هذا وهو موجود في الدنيا، وأما إن جاءت الآخرة: فسيكون الحال أجل وأجمل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قالرسول الله صلى الله عليه وسلم «لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة» صحيح البحاري دعاء في الدنيا، وشفاعة في الآخرة، هل تُقَابَلُ بغفلة وإعراض؟ أم بحب وشوق وطاعة؟ رابعا: شوق الكافرين إلى رؤية النبي الأمين: أيها العبد المؤمن لماذا لم يتحرك قلبك شوقا إليه؟ وقد اشتاق لرؤيته بعض الكافرين من لم يلامس الأيمان قلبه ولا عرف مسلكا إليه، قال هرقل ملك الروم في ختام حديثه مع أبي سفيان عندما سأله عن دلائل صدق النبوة (ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه) متفق عليه، ولو كنا نحن عنده لفعلنا ما فعله صحابته الكرام من الاحترام والتوقير والتبجيل، والتعلق بشخصه الكريم، يقول عروة بن مسعود الثقفي: (فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له) صحيح البخاري خامسا: شوق الجماد وحنينه لخير العباد: كيف يكون حال المؤمن المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يعلم أن الجماد يبكي لأجل حبيبه المصطفى، إنه حنين الجدع فعن جابر بن عبد الله، قال: (كان جذع يقوم إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع يده عليه) صحيح البخاري، وعن ابن عمر، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع، فلما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم المنبر حن الجذع حتى أتاه فالتزمه فسكن) سنن الترمذي، وحديث حنين الجدع متواتر كما قال القاضي عياض في الشفا. هذا الجدع أيها المحب وهو جماد لا يعقل يبكي أسفا على فراق حبيبه صلى الله عليه وسلم، فلماذا لا تتحرك قلوبنا الحية نحو حبيبها صلى الله عليه وسلم. أيها المشتاق لا طريق لك غير طريقه، فعلق القلب بحبه وقدم أمره ونهيه على هواك، وانهج سبيله يكون الجزاء {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [آل عمران:31].