إن نعم الله تعالى علينا لا تحصى، وأعظم نعمة أن بعث فينا عبدَه ورسوله، وحبيبه، وخيرته من خلقه، محمداً - صلى الله عليه وسلم -. وقد نوّه الله بهذه النعمة العظيمة، في كتابه العزيز فقال: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. ولما كانت نعمة الله تعالى علينا بإرسال رسوله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا تعالى في كتابه العزيز أن نصلي عليه ونسلم تسليما عليه فقال تعالى:إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا 1) معنى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - فسِّرت بثنائه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة عليه فسِّرت بدعائهم له، فسَّرها بذلك أبو العالية، كما ذكره عنه البخاري في صحيحه، في مطلع باب: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا. وقال البخاري في تفسير صلاة الملائكة عليه بعد ذكر تفسير أبي العالية، قال ابن عباس: يصلون: يُبرِّكون، أي يدعون له بالبركة. وفسرت صلاة الله عليه بالمغفرة، وبالرحمة كما نقله الحافظ ابن حجر في الفتح عن جماعة، وتعقب تفسيرها بذلك ثم قال: (وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية أن معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه، وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله تعالى والمراد: طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة ). وقال القاضي عياض في الشفا: وقال بكر القشيرى: الصلاة من الله تعالى لمن دون النبي صلى الله عليه وسلم رحمة وللنبى صلى الله عليه وسلم تشريف وزيادة تكرمة. 2) حكم الصلاة على رسول صلى الله عليه وسلم قال القاضي عياض في الشفا: اعلم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض على الجملة غير محدد بوقت لأمر الله تعالى بالصلاة عليه وحمل الأئمة والعلماء له على الوجوب وأجمعوا عليه قال القاضى أبو الحسن بن القصار: المشهور عن أصحابنا أن ذلك واجب في الجملة على الإنسان وفرض عليه أن يأتي بها مرة من دهره مع القدرة على ذلك، وقال القاضى أبو بكر بن بكير: افترض الله على خلقه أن يصلوا على نبيه ويسلموا تسليما ولم يجعل ذلك لوقت معلوم فالواجب أن يكثر المرء منها ولا يغفل عنها. 3) كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيفية الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه حين سألوه عن ذلك، وقد وردت هذه الكيفية من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم. روى البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ( لقيني كعب بنُ عُجْرَةَ فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: بلى فاهدها لي، فقال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإن الله قد علمنا كيف نسلم.قال: قولوا: ( اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد). وأخرج البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه عن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( قولوا: اللهم صلِّ على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ). وقد ذهب أهل العلم - الحافظ ابن حجر في فتح الباري- إلى اعتبارأن هذه الصيغة أفضل كيفيات الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم خ وأكملها، وقد ذكر صاحب الشفا صيغ أخرى لكن في الصحيح غنية عن غيره. 4) فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - رفع العبد عشر درجات وتكتب له عشر حسنات وتمحى عنه عشر سيئات، عن سهل بن سعد، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بأبي طلحة، فقام إليه فتلقاه، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! إني لأرى السرور في وجهك، قال: أجل، إنه أتاني جبريل آنفاً فقال: يا محمد من صلى عليك مرة أو قال واحدة كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له بها عشر درجات. سبب لغفران الذنوب وكفاية الله العبد ما أهمه، عن أبيّ بن كعب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام، فقال: يا أيها الناس، اذكروا الله اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه قال أبي بن كعب قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال: ما شئت. قلت: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير، قلت: النصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير، قلت: الثلثين ؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير، قال: أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذن تكفي همك، ويغفر لك ذنبك. الصلاة على رسول الله الدليل واضح على المحبة. لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب، واستحضاره في قلبه، واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه، تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه، وإذا أعرض عن ذكره وإحضار محاسنه بقلبه، نقص حبه من قلبه، ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره وإحضار محاسنه، فإذا قوي هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه و الثناء عليه، و ذكر محاسنه وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه، والحس شاهد بذلك، فهذا قلب المؤمن: توحيد الله وذكر رسوله مكتوبان فيه لا يتطرق إليهما محو ولا إزالة. 5) خطورة ترك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كعب بن عجرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احضروا المنبر فحضرنا، ارتقى الدرجة قال: آمين. ثم ارتقى الدرجة الثانية فقال: آمين، ثم ارتقى الدرجة الثالثة، فقال: آمين فلما فرغ نزل عن المنبر، فقلنا: يا رسول الله سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه، فقال: إن جبريل عرض لي فقال: بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين، فلما رقيت الثانيةن قال: بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك. فقلت: آمين، فلما رقيت الثالثة، قال: بعد من أدرك أبوية الكبر أو أحدهما فلم يدخل الجنة، فقلت: آمين. عن علي رضي الله عنه قال: ما من دعاء إلا بينه وبين السماء حجاب حتى يصلى على محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا صلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم انخرق الحجاب واستجيب الدعاء، وإذا لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم لم يستجب الدعاء. فبالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجى إجابة الدعاء. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ما جلس قوم مجلساً فلم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيه إلا كان مجلسهم عليهم ترة يوم القيامة، إن شاء عفا عنهم، وإن شاء أخذهم. فبالصلاة على رسول الله صلى الله عليه يطيب المجلس، وأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن البخيل الذي إن ذكرت عنده لم يصل علي. فتنفي عن العبد اسم البخل إذا صلى عليه عند ذكره صلى الله عليه وسلم.