هوية بريس – الخميس 16 أبريل 2015 "كل الناس وكل شيء من حولك يعتبر بمثابة معلم لك " (كين كيز). التدبر في الكتاب المسطور والسير والاعتبار والتعلم من الكتاب المنظور.. هذه الجملة لعلها تُلخص عمود الأساس في البنيان الثقافي لجيل الصحابة.. التدبر الحركي العملي.. لقوله جل وعلا: "أفلا يتدبرون القرآن". وقوله جل وعلا: "قل سيروا في الأرض فانظروا". والجمع بين القراءتان هو التحدي.. حتى قول أبو الدرداء "رضي الله عنه": "تفكر ساعة خير من قيام ليلة".. عدم قطع الأرحام بين العائلة المعتمدة في البناء العقلي للمسلم.. عائلة أقرأ وأخواتها: (أفلا يعقلون.. أفلا يتفكرون.. وأولي النهى وأولي الأبصار). ومن تعامل معها يعرف جميع أفرادها.. حتى أنه قد قيل لإبراهيم بن أدهم "رحمه الله": إنك لتطيل الفكرة، فأجاب قائلا: "الفكرة مخ العمل".. لذا.. لازلت أؤمن.. 1- أن الكون قاعة للمحاضرات يتعلم فيها المؤمن من كل شيء بعدسات الوحي ويتحول في أي لحظة لطالب علم كراسته قلبه وقلمه بصيرته، ويجلس ليتعلم حتى ولو من نحلة. 2- الكلمات الآتية ستكون محورها المتتابع هو النحل، هذه الكائنات الصغيرة، فماذا عن ما هو أكبر وأظهر؟!.. فصناعة اليقظة لقراءة كتاب الكون دين. 3- حديث النبي "صلى الله عليه وسلم" عن النحلة جمع بين اليسر والبساطة وعمق المفاهيم، وهي سنة نبوية في عرض الأفكار قبل أن تكون مهارة إعلامية لابد أن نتقنها. 4- فقر الخيال آفة حضارية لابد من مواجهتها بنماذج عملية في كثير من وسائل الخطاب الإسلامي لصنع الخيال التشويقي للمتلقي ومساعدته على مزيد من التخيل، فمحو أمية الخيال من واجبات الوقت.. والآن.. بسم الله نبدأ لم أقصد أن للنحل عقول مرئية وإنما أقصد أن له حركة منهجية تحتاج إلي مزيد دراسة واستفادة لهذه المخلوقات الذكية.. ولعل ما شدني إلى عقلية النحل في العيش والتحرك هو ثلاثة أمور: 1- الجماعية والتعاون. 2- العطاء المجتمعي الغير مشروط. 3- استمرارية الأمل. ومنبع اهتمامي إنما ينشأ من أضداد ما ذكرت في مجتمعنا البشري.. فالعالم يعاني من الفردية وعدم التعاون بصورة أوضح من أن تحتاج إلي مزيد إثبات وتدليل.. والأنانية أصبحت سمة مجتمعية -إلا من رحم ربي- وسيرك في الطريق مع قليل من دقة الملاحظة كافي بكتابة رواية كاملة عن سلوك الأنانية، ثم الإحباط الذي يعاني منه الشباب وهو ظاهرة العصر.. فالأنانية جعلت من البعض عائقاً وليس عاملاً.. جعلته يلعب كل الأدوار، فهو الملكة وهو الشغالات، فهو القائد وهو الجنود.. جعلته يعشق الفردية ويجابه المؤسسية.. فمواجهة هذه المشكلات الثلاث من خلال عقلية النحل العملية مطلب عصري ملح.. فالتعاون وقوة العطاء الغير مشروط مع الأمل الموصول بالعمل منتجات للنحل قبل العسل.. ومن ثم.. كانت النحلة قدوتي في مواجهة هذه الآفات الثلاثة وهي قدوة عملية جماعية.. ولعل الذكاء التعاوني (Cooperative Intelligence) علم يحتاج إلي مزيد من جهد لاستخراج مفرداته ومنتج العسل هو الدليل الفعلي علي هذه المخلوقات مع استمرارية الأمل الذي هو توأم العمل بلا كلل ولا ملل.. فجعلت عنوان المواجهة هو عقلية النحل، فخلية النحل مجتمع بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني.. ولن أرتفع بطموحي وأقول لابد أن يتحول مجتمعنا إلي خلية ولكن أملي في خطوة أولية وهو أن يملك كل فرد في المجتمع هذه العقلية وهي عقلية النحل.. فما أقصده من كلمة عقلية هو أدوات التفكير ومنهجيات العمل، وقلت النحل ولم أقل نحلة، لأن كل نحلة بمفردها تحقق ذاتها من خلال المجموع لا من خلال فرديتها أبداً.. وكما يقول المثل الياباني: (مجموعنا نحن أذكى من أذكى فرد فينا بمفرده).. والقرآن أفرد سورة كاملة باسم النحل، والنبي "صلي الله عليه وسلم" تكلم عن النحلة حين قال "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ، لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ أَكَلَتْ طَيِّبًا وَوَضَعَتْ طَيِّبًا وَوَقَعَتْ فَلَمْ تَكْسِر ولم تُفْسِد". (رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني). فالإدارة في عقلية النحلة وفي خلقتها وفي جماعيتها، فالإرادة والإدارة عنوان تقدم كل خلية نحل، وكذلك عنوان تقدم كل مجتمع.. مخلوقات تصلح أن تكون قدوات ويستخرج منها منهجيات لصناعة الأفراد والمجتمعات، والبداية من منهجيات التفكير. هذا ما سنكمله في المقال القادم بإذن الله.. عقلية النحل إرادة وإدارة وجزء من الحل.