مطالب الاتحاد المغربي للشغل    من احتلال الأرصفة إلى غزو الشوارع.. فوضى الملك العمومي تتوسع بطنجة    "الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين    ندوة علمية حول موضوع العرائش والدفاع عن السيادة المغربية عبر التاريخ: نماذج ومحطات    الغربة بين الواقع والوهم: تأملات فلسفية في رحلة الهجرة    صحيفة ماركا : فينيسيوس قد يتعرض لعقوبة قاسية (إيقاف لمدة عامين    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات.. المنتخب المغربي يحقق فوزا عريضا على نظيره الناميبي (8-1)    "‪الأحرار" يفوز بالانتخابات الجزئية بتزنيت    انطلاق جولة الحوار الاجتماعي    جلالة الملك يواسي أسرة المرحوم محسن جمال    الفلاحة المغربية تحظى بإشادة دولية.. ورغبة فرنسية في "تعاون مكثف"    صحيفة دانماركية تروي القصة الكاملة لسفن "ميرسك" المُحملة بالأسلحة لإسرائيل.. كيف مُنعت في إسبانيا واستُقبلت في طنجة    دونالد ترامب يزور الشرق الأوسط ما بين 13 و16 ماي المقبل    بنيس: الرواية أبرزت هوية الفلسطيني.. بلقزيز: المشروع الصهيوني همجي    الحسيمة تتربع على عرش قائمة المدن الأكثر غلاء في المعيشة وارتفاع الأسعار    لبؤات الفوتسال يحققن فوزا عريضا على ناميبيا في افتتاح المشوار بكأس أمم إفريقيا    تحلية مياه البحر في المغرب: رهان استراتيجي لمواجهة ندرة المياه وتأمين المستقبل المائي    توقيف تونسي مبحوث عنه دوليًا في قضايا سرقة وقتل وهروب من حكم ب30 سنة سجنا    بتعليمات ملكية سامية.. الفريق أول محمد بريظ يقوم بزيارة عمل لدولة قطر    الفاتيكان يكشف تفاصيل جنازة البابا فرنسيس    جمعية سمايل تعزز التماسك الأسري عبر دورة تكوينية نوعية بفضاء جسر الأسرة بالناظور    جامعة عبد المالك السعدي تشارك في الملتقى الإقليمي للتوجيه بالحسيمة    السعدي يعلن إعداد قانون إطار للاقتصاد الاجتماعي والتضامني خلال الولاية الحالية    المغرب تطلق صفقة لتشييد محطة للغاز الطبيعي المسال بالناظور    انهيار صخري جديد يعرقل حركة السير بالطريق الساحلية بين تطوان والحسيمة    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    أخبار الساحة    من تداعيات شد الحبل بينها وبين الوزارة الوصية .. جامعة كرة السلة توقف البطولة الوطنية بكل فئاتها بسبب العوز المالي    الجولة 27 من الدوري الاحترافي الأول .. الوداد ينتظر هدية من السوالم وأندية الأسفل تمر إلى السرعة القصوى    تكريم الدراسات الأمازيغية في شخص عبد الله بونفور    تأييد الحكم الابتدائي وتغليظ التهم رغم التنازلات في حق الرابور «طوطو»    الدولار يتراجع لأدنى مستوى في سنوات مقابل اليورو والفرنك السويسري    اعمارة يحث على "الإبقاء على حق الأفراد والمجتمع المدني في التبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام"    الكرملين: بوتين لا يخطط لحضور جنازة البابا فرنسيس    بسبب تكريم باسم والدته.. نجل نعيمة سميح يهدد باللجوء إلى القضاء    من السماء إلى العالم .. المغرب يحلق بأحلامه نحو 2030 بمطار ثوري في قلب الدار البيضاء    فوزي برهوم الناطق باسم حركة حماس ضيفا في المؤتمر 9 لحزب العدالة والتنمية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    "أفريكوم" تؤكد مشاركة الجيش الإسرائيلي في مناورات الأسد الإفريقي    طلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة يطالبون وزير الصحة بالوفاء بالتزاماته ويستغربون تأخر تنفيذ الاتفاق    إسرائيل تمنع تطعيمات شلل الأطفال عن غزة.. 600 ألف طفل في خطر    تفاصيل انعقاد المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالقنيطرة    "البيجيدي": نخشى أن يتحول مشروع الغاز بالناظور لفرصة "استفادة شخصية" لأخنوش    عبد الكريم جويطي يكتب: أحمد اليبوري.. آخر العظماء الذين أنجزوا ما كان عليهم أن ينجزوه بحس أخلاقي رفيع    باحثون: الحليب بدون دسم أفضل لمرضى الصداع النصفي    الصفريوي: لا مفاوضات ولا نية للاستثمار في شيفيلد وينزداي الإنجليزي    فان دايك: جماهير ليفربول ستتذكر أرنولد في حال قرر الرحيل    الصين وأندونيسيا يعقدان حوارهما المشترك الأول حول الدفاع والخارجية    معهد الدراسات الإستراتيجية يغوص في العلاقات المتينة بين المغرب والإمارات    مندوبية الصحة بتنغير تطمئن المواطنين بخصوص انتشار داء السل    المغرب يخلد الأسبوع العالمي للتلقيح    نحو سدس الأراضي الزراعية في العالم ملوثة بمعادن سامة (دراسة)    دراسة: تقنيات الاسترخاء تسمح بخفض ضغط الدم المرتفع    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تلامذة الجيل الجديد.. بين الخطاب التربوي الرسمي والواقع المؤلم!!


هوية بريس – السبت 22 نونبر 2014
إن التربية أداة فعالة في سيرورة البناء الإنساني، وحجر الزاوية في التكوين الاجتماعي، بل اللبنة الاساس في رقي المجتمع وتطوره، لهذا كان لزاما على الدول التي تروم تحقيق التنمية في شموليتها، الاهتمام بالمنهاج الدراسي وربطه بواقع المجتمع تنزيلا وممارسة.. في أفق الوصول بالمتعلم إلى المساهمة في بناء المجتمع بدل الهدم..
المدرسة كما هو معروف البيئة الثانية بعد الأسرة والمهمة في بناء الفرد ومن ثم المجتمع.. المدرسة الفضاء التربوي؛ الذي يمرن التلاميذ على تلقي المعارف و على الاخلاق الحميدة، وعلى التعاون الاجتماعي، والإخلاص للجماعة وللوطن.
ولقد أصاب التربوي [جون ديوي1] كبد الحقيقة عندما عرّف المدرسة بأنها [الحياة] أو أنها [النمو] أو أنها [التوجيه الاجتماعي] ورأى أن عملية التربية والتعليم ليست إعداد للمستقبل، بل إنها عملية الحياة نفسها، ودعا المربين إلى الاهتمام بثلاثة أمور هامة لتربية النشء حددها بما يلي:
1 تعاون البيت والمدرسة على التربية والتوجيه.
2 التوفيق بين أعمال الطفل الاجتماعية وبين أعمال المدرسة.
3 وجوب إحكام الرابطة بين المدرسة والأعمال الإنتاجية في البيئة2.
* إطلالة على الواقع المدرسي: المدرسة المغربية نموذجا:
في الوقت الذي ركزت فيه الوثائق التربوية الرسمية على الاهتمام بالمتعلم وجعله في قلب الاهتمام والفعل والتفكير، ودفعه إلى التعلم الذاتي من خلال بيداغوجيات حديثة: الكفايات، المشروع، الإدماج، بيداغوجيا الاكتشاف…وهلم جرا من البيداغوجيات التي تنزل علينا تترى فور كل إصلاح تربوي وتعليمي!
في الوقت الذي وضعته في مركز العملية التعليمة-التعلمية…
في الوقت الذي سعت فيه المذكرات التربوية على عدم إذاية المتعلم، رغم ما يصدر منه من إساءة للمدرس والتشويش على السير العادي للدراسة، في هذا الإطار لا يحق للمدرس طرده من القسم، ولا ضربه ولا الإساءة إليه… بل مصلحته فوق كل اعتبار!!!من خلال المذكرة الوزارية الجديدة التي تمنع مجالس الأقسام اعتماد عقوبة التوقيف في حق التلاميذ المخالفين.
كما أولت الوثائق التربوية الرسمية أهمية قصوى للمتعلم، من خلال حرصها الشديد على استمرارية المتعلم في متابعة الدراسة، بل معاقبة كل من يتورط في انسحابه وانقطاعه؛ إذ ورد في دليل الحياة المدرسية، ما يلي: "تعمل الإدارة على عدم جعل قرار الطرد أو التشطيب قرارا صادرا عنها، بل قرارا يسجل أمرا واقعا، وينبغي أن تتخذ كافة الإجراءات لاسترجاع المتعلمين المنقطعين عن الدراسة وفقا للقانون، مع اتخاذ الإجراءات التأديبية الصارمة في حق كل موظف تثبت مسؤوليته عن الانقطاع أو تشجيع التغيبات"3.
أما الميثاق الوطني للتربية والتكوين وسعيا منه إلى الرفع من جودة التعليم عمل على "إعادة تنظيم الحياة المدرسية لجعلها دعامة لتحسين جودة التعلمات، والمساهمة في التفتح والتحصيل الذاتي للتلاميذ.
كما ركز المخطط الاستعجالي -الذي تم تنزيله لرفع وثيرة الاصلاح- على "جعل المتعلم في قلب منظومة التربية والتكوين، وجعل الدعامات الأخرى في خدمته، وذلك بتوفير:
– تعلمات ترتكز على المعارف والكفايات الأساسية التي تتيح للتلميذ إمكانيات التفتح الذاتي.
– مدرسين على إلمام بالطرق والأدوات البيداغوجية اللازمة لممارسة مهامهم، ويعملون في ظروف مواتية.
– مؤسسات ذات جودة توفر للتلميذ ظروف عمل مناسبة لتحقيق التعلم4.
على ضوء المعطيات السابقة، يتبادر إلى الذهن مجموعة من الأسئلة الجوهرية:
هل ساهمت المستجدات التربوية في الرفع من جودة التعليم؟
أم هي مجرد شعارات لا صلة بأرض الواقع من خلال مشاكل جمة مازالت تحير ألباب المجتمع المغربي من قبيل: عدم تحقيق التعميم في التعليم الابتدائي ومشكلة الهدر المدرسي في التعليم الأساسي والثانوي الإعدادي، وتدني المستوى كما تبين من خلال من خلال التقرير الإجمالي الذي أصدره "المجلس الأعلى للتعليم"، والذي بين فيه عدم تمكن المتعلم من الكفايات الأساسية (التعبير والتواصل، المهارات…)؟
هل الإصلاح الجديد جعل المدرسة المغربية فضاء للاحترام متشبعا بقيم المواطنة الحقة، لتمكين التلاميذ والمدرسين من العيش في محيط آمن يضمن سلامتهم الجسدية والمعنوية هل هذا الاهتمام "المبالغ فيه" حسن من أداء وسلوك التلميذ، وشجعه -فعلا- على تطوير مكتسباته، أم لازالت دار لقمان على حالها، أم ردته على أعقابه؟ هل المدرسة المغربية أضحت عبارة عن ثكنة عسكرية؟ تفرز لنا تلاميذ هوايتهم العنف المدرسي؟ وهل العنف المدرسي حكر على الأوساط الحضرية "الأكثر تمدنا" أم هو ظاهرة عالمية؟ هل الفصل الدراسي كما عبر عن ذلك "رولان بارث"Roland Barthes يحتوي على قوة ضغط ليس أقلها ترغم المتعلم على تعلم أشياء لا يرغب فيها بالضرورة وبالتالي فالكسل يكون جوابا اتجاه هذا الضغط أو خطة ذاتية للتملص من الجواب5.
خاصة في هذا العصر الذي بسطت تكنولوجيات المعلوميات سطوتها، فتجد المتعلم بارع في التعامل مع ثقافة "الحاسوب الشعبية"، لكن يعجز عن استغلال الترسانة العلمية والمعرفية التي يعرضها عجزا واهيا لا مبرر له!
هل الميثاق الوطني والبرنامج الاستعجالي، حدّ من نسبة ظاهرة الهدر المدرسي، أم أن هذه الأخيرة ساهمت في إطالة أمد المخربين من المتعلمين الذين أعيتهم كل التدابير في العودة إلى السير العادي للدراسة وعدم التشويش على السير العادي للدراسة.
هل هذه الفئة هي نتاج مخرجات المنظومة التعليمية التي لا تساهم سوى في تفريخ العطالة والمعطلين وبالتالي تتكون لدى المتعلم صورة سلبية عن أهداف واستراتيجية التعليم رغم الأولوية والأهمية التي حظي بها على المستوى الرسمي؟
أم أن ذلك مرتبط بالشرخ العميق بين الرغبة في التغيير والتجديد وإكراهات الواقع التي لازالت تتبنى الممارسات التقليدية؟ لماذا لا تستجيب هذه الممارسات للإصلاحات؟ ولماذا تبدو مهنة التدريس حذرة تجاه التحولات التي ركزت عليها الفلسفة التربوية العليا؟
إذ أين يكمن الخلل…؟
أسئلة لتمحيصها والتدقيق فيها يحتاج منا إلى دراسات معمقة، إن على المستوى النفسي والاجتماعي والثقافي والتربوي والاقتصادي… كما لا ندعي بأننا سنغطي كل هذه الإشكالات من خلال هذه المقالة، بقدر ما سنحاول نسلط الضوء على بعض مكامن الخلل، التي تشكل لب المشكلة داخل منظومة التعليم، والتي تجعل المدرس والمتعلم والمنظومة ككل في قفص الاتهام، دون أن توجه اللوم إلى السياسات المتبعة على مر تاريخ المغرب…
* البيئة الصفية المدرسية بين الخطابات التربوية الرسمية والواقع المؤلم!
في الوقت الذي ترى بعض الاصوات التربوية؛ أن البيئة المدرسية الجيدة تفضي إلى تعليم جيد يمكن من خلاله تحقيق الأهداف التربوية المرصودة، ولكن تبقى الأوضاع الاقتصادية والإمكانيات المادية للدولة هي الكفيلة بتحقيق بيئة مدرسية متكاملة العناصر من حيث ساحات النشاط والمرافق وسعة الغرف الصفية، إضافة إلى المكتبات والمختبرات وأجهزة الكمبيوتر ووسائل الإيضاح والترفيه.
تعالت أصوات أخرى، تحمل حرقة على هذا التعليم، أنه لابد من إشراك جميع الاطراف للدفع بالمتعلم إلى الانخراط في المنظومة التربية، ولعل أهم هذه الأطراف: الاسرة بشكل كبير، والتربية المجتمعية من تسخير الدولة لأجهزتها التربوية وجمعيات والمؤسسات التربوية…
وركزت هذه الأخيرة على التربية كقاعدة للنهوض بدل التركيز على بناء المؤسسات الفخمة، دون الاهتمام بتربية النشء… ولعل المثال البارز في هذا السياق، ما نراه في بعض المؤسسات التعليمية من جيل جديد ممسوخ الهوية والقيم من حيث اللباس وطريقة الكلام…
وفي الوقت الذي تحرص فيه الوزارة الوصية على التربية والتعليم، الاهتمام بالمتعلم من خلال تدابير إجرائية، من خلال الانتقال الميكانيكي للمتعلم من مستوى دراسي إلى آخر دون امتلاكه حتى أدنى مستوى للكفايات الاساسية، سعيا إلى محاربة الهدر المدرسي أو التكرار الدراسي…
نجدها في الجانب الآخر، تتجاوز صلاحيات المدرس، بل تقلل من شأنه، سواء من خلال اللوم والعتاب الذي يسيل عليه بدعوى أنه الطرف الأكبر في تراجع مستوى التعليم، فتهدده بمذكرات وزارية ولا أدل على ذلك مذكرة ما يسمى ب"تأمين الزمن المدرسي"…
إذا في سياق اهتمام الدولة بالمتعلم، وجعل المدرس في الهامش، من خلال بيداغوجيات تجد صعوبة في تبيئتها تبيئة مغربية، وحتى نميط اللثام ونكشف النقاب عن لبّ المشكل داخل المنظومة التربوية، نقف وقفة تأمل مع محور العملية التعليمية-التعلمية، وأهم المنغصات التي تحول دون تطويره:
الغياب عن الدراسة… العادة المألوفة عند المتعلمين دون رقيب: مع صعوبة ضبط السيل الجارف من الطباع الخبيثة التي يتميز بها ثلة من المتعلمين، تقوم بعض المؤسسات التعليمية بإرسال مراسلات عديدة إلى أولياء التلاميذ لتدارك الموقف من جراء الغيابات المتكررة، لكن آذانهم صماء، مما يجعل المتعلم يحوم حول جدران المؤسسة دون التفكير في العودة، مما يجعله يسخر كل "طاقاته" في الشغب، وشرب الدخان، ومعاكسة الفتيات…
– الانتقاص من قيمة الأستاذ: فالأولى من أجل تطوير التعليم والدفع به نحو أفق أرحب أفق الإنتاج والإبداع ؛ الاهتمام بالمدرس، وغرس قيم الاحترام لدى المتعلم، انظروا حاليا إلى وسائل الإعلام، التي تشمت بالمدرس، من خلال المسلسلات والمسرحيات الهزلية، فما يكون من المتعلم، المتلهف على الإعلام، إلا اقتناص تلك المشاهد، وتطبيقها على أرض الواقع، فما اسهلها عليه من الاهتمام بالدروس…لهذا يقول الشاعر:
إِنَّ الْمُعَلِّمَ وَالطَّبِيبَ كِلاَهُمَا***لاَ يَنْصَحَانِ إِذَا هُمَا لَمْ يُكْرَمَا
فَاصْبِرْ لِدَائِكَ إِنْ أَهَنْتَ طَبِيبَهُ***وَاصْبِرْ لِجَهْلِكَ إِنْ جَفَوْتَ مُعَلِّمَا
لكن الطامة الكبرى، ما بتنا نسمعه في قصاصات الأخبار، مما يتعرض له المدرس من ضرب من تلامذته بل القتل… وأصبح المعلم مهان وتداس كرامته بين المتعلمين.
في السابق كان المتعلم يحقق نجاحا باهرا في الملتقيات المحلية والعالمية، والسبب أن المدرس كان يهابه المتعلم، إذا رآه في طريق اتخذ وجهة أخرى لئلا يلتقي به، بل ينظر إليه على أنه النموذج والمثال في تعلم العلم.. إلى جانب ذلك كانت كل المؤسسات التربوية توجد بها الوسائل الزجرية القاسية في حالة عدم الرضوخ والامتثال لتعليمات المدرس، التي يسعى من خلالها جاهدا لتربيته وتعليمه…ههنا أورد إشارة، إلى بعض الدول الأوربية المتقدمة، التي قررت العودة إلى استعمال الأساليب الزجرية القاسية، نظرا لاستفحال الانحراف في مؤسساتها التعليمية..!!!
إننا بهذا الاستشهاد، لا نريد أن نصنع من المدرسة التربوية، ثكنة عسكرية، تعتمد الطريقة العمودية القاسية؛ المبنية على الأوامر والنواهي.. كلا! بل مدرسة الاحترام وتبادل المنافع والخبرات والمعارف..
كما لا نتغيى ترويج لثقافة العنف والتدابير التأديبية القاسية، كما يتم في بعض المراحل التعليمية الأولية، فقد وقف القانون ضد هذا الإجراء، كما جاء في بعض فصول القانون الجنائي: "كل من جرح أو ضرب طفلا دون الثانية عشرة من عمره أو تعمد حرمانه من التغذية أو العناية حرمانا يضر بصحته أو ارتكب عمدا ضد هذا الطفل أي نوع آخر من العنف والايذاء الخفيف يعاقب بالحبس من سنة إلى 3 سنوات…".
لكن لابد من الجمع بين الترهيب والترغيب، تخويف المتعلم من عواقب التهاون في دروسه على مستقبله ومن عواقب ممارسة أشكال العنف في المؤسسة التربوية، سواء بواسطة تدابير الإدارية البسيطة إلى أخرى تحد من سلوكاته المشينة والمؤذية.. ولا أدل على أهمية هذا الإجراء في التقليل من السلوكات المنحرفة، من عودة بعض البلدان الأوربية، إلى سن استعمال زجرية بشكل يؤدي إلى عودة المياه إلى مجاريها دون إذاية المتعلم..
للعقاب معنى واسع وخير العقاب ما كان من جنس العمل كما تقرره المذاهب التربوية الحديثة وللعقاب أشكال عديدة منها الهجر والحرمان والتهديد والوعيد والزجر والإنذار والتوبيخ وغيره فالعقاب الذي يجب ايقاعه على المتعلم وارد ولكن مع مراعاة التدرج فيه فيبدأ بالتعريف دون ذكر الأسماء فقد يبدر من المتعلم شيء مخالف وذلك لجهل منه فالتعريف هو أسلوب مخاطبة بصيغة الجمع وكذلك هناك التلميح والنصح على انفراد والنصح على الملأ وكذلك الزجر على الملأ فمن النفوس من تتأثر بالإشارة أو التلميح وكما قيل إن اللبيب بالإشارة يفهم وآخر لا يجدي معه إلا الشدة وفضح الأسلوب على الملأ وإن لم يجد كل ذلك نلجأ إلى العقوبة فالعقاب المعنوي بالتهديد والوعيد يأتي بعد الملاينة وإذا كرر التلميذ/الطالب الوقوع في الخطأ أو التقصير متعمدا كأن يقصر في أداء الواجب أو اخطأ في حق المدرس أو في حق متعلم آخر فهنا يتوعده المدرس وإذا عاود لمثل هذا الفعل سيعاقب.
الاهتمام بالدروس.. الطقس المغيب إلا ناذرا: فالظاهرة التي تدمي القلب، ما يعاينه أغلب الاساتذة من عدم الاهتمام واللامبالاة بمراجعة المتعلمين لدروسهم، فالكتب المدرسية تظل الحلقة المفقودة، رغم أنها دعامة ديداكتيكية وخيط رابط بين المدرس والمتعلم من جهة والمتعلمين أنفسهم من جهة ثانية.. والبقية تأتي مع عدم تحضير الكتب المدرسية للفصل الدراسي؛ من عدم الاستعداد للدرس أو المشروع التربوي- على حد تعبير بيداغوجيا الكفايات- وغياب القابلية للإنصات والتواصل أصلا.. فيمارس أشكالا متنوعة من الشغب، بل يؤدي إلى جر عدد آخر من المتعلمين إلى ممارسة نفس السلوك…
لذا وجب على المؤسسات التربوية المركزية والفرعية والتي تحتضن فلذات الأكباد ومهج القلوب وجوباً تربوياً؛ أن تتولي تكثيف من برامج التواصل مع المتعلم وتحفزه على الاقبال على الدرس من خلال البرامج الإعلامية، وانفتاح الجمعيات والأسر على الوسط التربوي في أفق إيجاد جيل يتوق توقا إلى العلم والمعرفة والتشييد والبناء..
محاربة الهدر المدرسي وظاهرة الانتقال الميكانيكي: فواقع حال المؤسسات التعليمية يسجل" بنوع من الامتعاض واليأس" ظاهرة الانتقال الميكانيكي" من المستوى الابتدائي إلى الاعدادي الثانوي ثم بعده الثانوي التأهيلي. فالنجاح يمنح هدية بعيدا عن منطق الاستحقاق إلا من رحم ربي، فالنجاح لم يعد مقياسا يعكس الجودة والكفاءة في نظر المتتبع للشأن التعليمي في المغرب. فكيف يمكن والحال هذه إمكانية الحديث عن دور معرفي وحضاري مرتقب للمدرسة المغربية تأخذ بعين الاعتبار طموحات بعيدة المدى على مستوى اكتساب المعرفة في أفق تكوين نخب تأخذ على عاتقها الانخراط في بناء معرفة متجددة؟6
من هنا نقول؛ بدل الحد من ظاهرة الهدر المدرسي أو التكرار بالانتقال الميكانيكي للمتعلمين من مستوى إلى آخر -وهو لا يمتلك حتى الأبجديات الأولى والأساسية للانطلاق- مما يدفعه إلى تفريغ ذلك النقص على مستوى الإدراك والتعلم في بعض "الحماقات"، وتعكير صفو السير العادي للدراسة، يكون من الأولى والأجدر التفكير في إحداث مؤسسات تعليمية -كما هو الشأن بالنسبة للمتميزين- إضافية صارمة تتولى الدفع بهذه الفئة من المتعلمين إلى تدارك النقص، لمواجهة ظاهرة الهدر فعلا، أو توجيههم وجهة التكوين المهني مباشرة (المواكبة التربوية)… وبذلك يتحقق تكامل بين الجانب الكمي والكيفي للمنظومة التربوية.
الاستعداد للغش في الامتحان.. البضاعة الرائجة: مع قلة الاهتمام بالدراسة، مع اقتراب موعد الامتحانات، يعد المتعلم المتهاون العدة بكل آلياته العجيبة في التحضير من جهاز حاسوب مملوء عن آخره بالدروس التي سيمتحن فيها، بل وسائل أخرى غريبة قد لا تخطر لنا على بال، وعندما يتم "إلقاء القبض عليه" يضطر ثانية إلى تهديد الأستاذ، بدعوى أن الغش حق من حقوق التلميذ، من شعارهم الغريب من نقل انتقل من اعتمد على نفسه (أي واظب على دروسه مرجعة وفهما واستيعابا) جلس في كرسيه!!!
الإقبال على المخدرات والعلاقات الجنسية غير الشرعية: وفي غياب المراقبة المستمرة لأماكن اللهو والترفيه المجاورة للمؤسسات التعليمية -والتي تشكل في الغالب وكرا لترويج المخدرات- يضطر التلاميذ إلى تناولها دون رقيب أسري فيدمن عليها، بل يتباهى بها، وبعد ذلك ينتقل بها إلى داخل المؤسسة التربوية، مما يجعله يرتكب حماقات، كثيرا ما سمعنا عن ضرب الاستاذ بل وقتله من طرف متعلميه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم…
إننا بهذه الصورة التي قدمنها عن التعليم في المغرب، لا نروم زرع الصورة القاتمة والسوداوية، بقدر ما نسعى إلى مراجعة المنهاج التربوي في شموليته (البرامج، القيم، تجسير أواصر التواصل بين المؤسسة الاسرية والمؤسسة التربوية والدولة..) ليتناسب وطموحات المجتمع الذي يتوق إلى الرقي في مجالات العلم والمعرفة.
الهوامش:
1- جون ديوي John Dewey (1952-1859) فيلسوف وعالم نفس أمريكي ويعتبر من أوائل المؤسسين للفلسفة البرغماتية، ويعد جون ديوي (John Dewey) من أشهر أعلام التربية الحديثة على المستوى العالمي. ارتبط اسمه بفلسفة التربية لأنه خاض في تحديد الغرض من التعليم وأفاض في الحديث عن ربط النظريات بالواقع، وهو فيلسوف قبل أن يكون عالم في مجال التربية والتعليم.
2- من أجل تحديث النظام التربوي في العالم العربي- حامد الحمداني
http://www.anfasse.org/portail/index.php?option=com_content&task=view&id=2957&Itemid=320
3- المملكة المغربية وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، دليل الحياة المدرسية، دجنبر 2008، (ص:79).
4- من أجل نفس جديد لإصلاح منظومة التربية والتكوين: مشروع البرنامج الاستعجالي 2009-2012.
5- رولان بارث: الحق في الكسل، ترجمة سعيد الباز محمد دابوب، جريدة حلول تربوية، العدد4، بتاريخ1-1-1996 (ص6).
6- محمد نجي، التجديد في الفكر التربوي، العدد33، بتاريخ 12 أبريل 2010، (ص33).
* باحث في علوم التربية (تخصص: ديداكتيك العلوم الاجتماعية).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.