هوية بريس – الجمعة 24 أكتوبر 2014 كثيرا ما حدثنا ويحدثنا العالم «بمسلميه» العلمانيين وكفاره، عما يسميه الجماعات الإرهابية، ويقصد بها الجماعات الإسلامية، التي تنتهج القوة والسلاح وسيلتين للتغيير، سواء كانت جماعات مقاومة أو جماعات جهادية أو غيرها. لكن جماعات الإرهاب الأبيض لا يكاد يتحدث عنها أحد، لأن المستهدف في النهاية هو الإسلام، باعتباره منهج حياة للفرد والمجتمع، وللإنسان والإنسانية، غير مقتصر على الطقوس المجردة، والسلوك الفردي المحدود، الذي يراد أن يحشر الإسلام والمسلم في قوقعته. إن العالم الغربي يعج بجماعات الإرهاب الأبيض، لكن تناوله السياسي والاجتماعي والثقافي والديني، لا يرقى إلى مستوى تطرف هذه الجماعات والمنظمات، لا لشيء إلا لأنها تنتمي إلى جنس فضله السيد الأبيض على سائر أجناس الأرض، بفضل هيمنته الاقتصادية والعسكرية. منظمة كوكلوكس كلان وهو اسم يطلق على عدد من المنظمات الأخوية في الويلات الأمريكية، منها القديم، ومنها من لايزال يعمل حتى اليوم، وأعضاؤها غاية في التعصب والوحشية. وتتلخص معتقدات كوكلوكس كلان في إيمانها بتفوق الإنسان الأبيض على سائر أعراق الأرض، كما تؤمن بمعاداة السامية والكاثوليكية، مستخدمة العنف والإرهاب، وممارسة التعذيب كالحرق على الصليب لاضطهاد من يكرهونهم مثل الأمريكيين من أصل إفريقي، وغيرهم. بل إنهم ينبذون السود ويمقتونهم، ويعتبرونهم وحشيين لا يستحقون حتى التنفس. شعارهم الصليب المشتعل، لإحداث الرعب، يرتدون ثيابا بيضا، تغطي جميع أبدانهم، ولا تظهر منها سوى عيونهم، ولا يتورعون عن قتل أو حرق من يقف في طريقهم هو وممتلكاته. وفي منتصف عشرينيات القرن الماضي، كانت الجماعة قد سيطرت على ولايات عديدة عن طريق أعضائها المندسين في المناصب الإدارية والقضائية في تلك الولايات إلى أن بلغ أعضاؤها 5 ملايين عضو معظمهم من الماسون. وكان من جرائمهم التي لم يقف عندها العالم كثيرا لا قليلا، تفجير الكنيسة المعمدانية في شارع 16بمدينة برمنغهام، في 15 من شتنبر 1963م، أسفر عن قتل أربع فتيات، لم يتم المتاجرة بأرواحهن سياسيا وإعلاميا. وفي أبريل 1997 تمكن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي من القبض على أربعة أعضاء من فرسان كوكلوكس كلان بتهمة التآمر لارتكاب السرقة وتفجير محطة لمعالجة الغاز الطبيعي. وازدادت عمليات العنف ضد السود فكانوا يضربونهم بوحشية، ويرجمونهم حتى الموت بدم بارد، دون أي جريمة ارتكبوها. واستمرت العمليات الوحشية ضد السود بالتحديد إذ كانوا يعلقون من رقابهم فوق أغصان الأشجار، ويعدمون دون أدنى محاكمة تذكر. إلا أن عدد كوكلوس كلان بدأ يتناقص، فلم يبق منه إلا القليل، إذ تقلص من حوالي 6 ملايين في العشرينيات من القرن الماضي، إلى حوالي 5000 شخص اليوم، لكنهم يعيشون في أمان دون أن تشن عليهم الحروب، أو تطالهم أدنى مضايقة سياسية، أو تشهير إعلامي. ميليشيات الموت فجرت مجموعة «ويثراندر غراوند» مباني الكابتول والبنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي. كما قامت العصابة اليسارية المتطرفة «ذي ويثرمين» بحملة تفجيرات ضد مقرات الشرطة ومباني المحاكم ،على مدى ثلاث سنوات، من أجل جلب حرب فيتنام إلى الوطن. وقتل شرطيان عام 1981 عندما سطت مجموعة من أتباع «ذي ويثرمين»، و«جيش التحرير الأسود» على مليون دولار من سيارة مصفحة في عملية مشتركة. وقد ظهرت ميليشيا «المواطنون السياديون» في تسعينيات القرن الماضي، التي تدعو إلى تفوق العرق الأبيض، وكان أحد أعضائها، تيموثي ماكافي، قد قام بنسف مبنى فيدراليا في أبريل 1995 في مدينة أوكلاهوما، مما أدى إلى قتل 186 شخصا. إلا أن نشاط هذه الميليشيات انحسر في فضاء الشابكة/الإنترنت، من خلال إصدار تحذيرات وتهديدات، من قبيل ما نشره أمريكي منتسب لما أسماه «ميليشيا أوهايو»، على موقع يوتيوب، تحت عنوان: «دعوة إيقاظ لأمريكا»، قال فيه، وهو يحمل بندقية، «إن الوضع سيئ، سوف يصبح أكثر سوء (…) إن بلادنا على المحك»، مشجعا من يشاهده على اقتناء سلاح ناري، ولم يتم استدعاؤه لدوائر الأمن، بله محاكمته بثلاث سنوات. المجزرة النرويجية عندما اقترف النازيون الجدد في شخص «أندرس بهرينغ بريفيك» مجزرة يوتويا في حق 77 شخصا من شبيبة اليسار النرويجي، لا أحد استدعى التاريخ الإرهابي لهؤلاء النازيين المنتمين إلى الثقافة الغربية، ولا أحد نادى باستئصال شأفتهم، أو إقصائهم من المجتمع، ولا أحد دعا إلى الضغط عليهم بالسجون والتعذيب ليراجعوا أفكارهم المنتشرة عبر ربوع أوربا. ولم تشن السلطات النرويجية حملات اعتقال عشوائية، تنتهي بمحاكمات صورية، كعقاب جماعي لكل من تشتم فيه رائحة فكر «أندرس بهرينغ بريفيك»، ولو من مسافة خمسمائة عام، بل اكتفي بمحاكمته هو، دون استعداء فئة على فئة، مما يجعل المجتمع على كف عفريت، ويؤدي إلى احتقان مجتمعي، تظل آثاره ماثلة بالدس الإعلامي المتكرر، وكامنة على المديين المتوسط والطويل، تنتظر أدنى شرارة للانفجار. ومع أن مقترف المجزرة عرف نفسه بأنه مسيحي محافظ، لم يتهم أحد الدين المسيحي بأنه يغذي الإرهاب، أو أن المسيحيين إرهابيون. وعندما ظهر «أندرس» أمام المحكمة، كان هادئا في مواجهة ثلاثين ناجيا من المجزرة، إضافة إلى أقارب الضحايا، دون أن تبدو عليه أدنى علامة من علامات الندم، بل اعتبر اقترافه للمجزرة ضروري لحماية النرويج وأوروبا من المسلمين، ومن التعددية الثقافية التي تحاول طمس الحضارة والقيم الأوربية. كما أن هولندا لم تحظر عقب المجزرة الحزب اليميني المتطرف، الذي يحمل نفس أفكار القاتل، ولم يحاكم أو يستجوب رئيس هذا الحزب المتطرف «خيرت فيلدرز»، ولم يحمل حزبه المسؤولية المعنوية عن المجزرة، بل ظل في الائتلاف الحكومي الذي كان من مكوناته آنذاك، دون أن تمس منه شعرة، فضلا عن عدم استهداف الجمعيات والمنظمات المتعاطفة معه بإغلاق أبوابها، أو تجفيف مصادرها المالية، ومنابعها الفكرية، أو شن حرب شعواء إعلامية وعسكرية على النرويج وألمانيا وهولندا، التي تنتشر فيها هذه الأفكار بشكل كبير، بدعوى أن من الأفكار ما قتل. الإرهاب الصهيوني أما الصهاينة فقد حازوا قدم السبق في جميع مفردات ما يسمى الإرهاب، لأنهم كانوا أول من قام بتفجير قنابل في المقاهي ضد الفلسطينيين في القدس في 17 مارس 1937، كما كانوا أول من فجر سفينة على متنها ركاب مدنيون في حيفا، في 25 نونبر 1940. ولم يترددوا حتى في تفجير بني جلدتهم احتجاجا على السياسة البريطانية في تقييد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وكان ذلك على متن سفينة باتريا التي تقل ما يقارب الألفي يهودي. كما كان الصهاينة أول من قاموا باغتيال مسؤولين حكوميين، متمثلا في البريطاني اللورد موايان عام 1944، وكانوا أول من استخدم الرهائن كوسيلة لممارسة الضغط على الحكومة في 18 يونيو 1946. كما كانوا أول من استعمل الحقائب المفخخة ضد السفارة البريطانية في روما، في 13 أكتوبر 1946، كما أن أول عملية اختطاف طائرة قام بها الصهاينة ضد طائرة مدنية سورية سنة 1954. إضافة إلى تفجير مكاتب حكومية، واستخدام سيارات مفخخة في مناطق مدنية، وضرب الرهائن، بل وقتلهم، واستخدام الطرود البريدية المفخخة، والرسائل الملغومة، أما المجازر فحدث ولا حرج. ومع كل هذا الإرهاب فقد تواطأ العالم الغربي، خصوصا بريطانيا التي طالها الإرهاب الصهيوني، على إنشاء اللقيطة الصهيونية، ولازال هذا العالم يساندها في وحشيتها، ويدافع عنها في كل محفل وناد، وفي كل وقت وحين، مكافأة لها على كل ما اقترفت ولازالت عبر تاريخها، لأنها تنتمي للإرهاب الأبيض الذي لا تجوز محاسبته.