يرتبط المتخيل المغربي بالرقم "وَاحِد" حين استحضاره للفظ "القلب"، في حين يرتبط بأرقام أكبر من ذلك بكثير عند ذكر "العَقل"، فالحبّ والمحبّة والعاطفة لدينا هم تطبيق مضمون للقاعدة الهندسية التي تجعل من الخط المستقيم أقصر طريق بين نقطتين، في حين أن ذكر العقل وتوظيف ما يرتبط به من ذكاء وفطنة يجعلنا "بْزّْزْ" نلج قواعد أخرى منها بعضٌ مشروع و "بْزَافْ دْيَالْ" المحظور، فنجدنا تداولا نقول بأنّ :"وَاحْدْ الْعْقْلْ كيقُولّي سِير، وعْقْلْ آخُرْ كَيُقُولي كَلْسْ، وعقْلْ ثَالْثْ كيْقُولِّي.. سْكْتْ". فالمغني أصاب فِعْلا حين قال "عْنْدِي قْلييْبْ وَاحْدْ". "" كما أنّ التجربة الميدانية أوضحت بأنّ المزج بين القلب والعقل تودي إلى ما لَم ولا ولنْ تُحْمَدَ عُقباه "لْمُولْ شِّي"، أيْ للفاعِل وليْس المفعول به، ومن ذلك أمثلة كثيرة من رَبْعِنا.. فجُلّ المَوْكولةِ إليهم شؤوننا انتخابا، وثقتُنا لبيعٍ أو شراءٍ أوسببٍ أو احتراماً، يعيثون فينا بتواترٍ غِيابا وشخيرا ولعابا، شيبا منهم وشيابا. ومدبّروا أمورنا تعْيينا وإنزالا، "كَيْديروا مَا بْغاوْ فِينَا" ولا ينتظرون رقيبا ولا حَسيبا ولا حِساباً. "غْوّتْ ولاّ بْرَّحْ.. ولاّ تْحْلْقْمْ كَاعْ" فرُآهُم لا تزدَادُ إلاّ ضَبَاباً، "وْمَا غَادي يْدُّوهَا فيكْ وَاخَأ تْكونْ قَارِي الدّْمْيَاطي" أوْ فذّاً أو طبيبا أوْ عَشَّاباً. واستخدام القلب قد يعني ضمان القلب، والقلب الثاني هنا يُمكن أن نُدرِّجَه إلى "شْقِِيليبَة"، فأكيد أنّك ستعضّ أضفرك من جذره بعد "قَالْبْ" من نيران صديقة، أو تلتهم نصفك بعد أن تعلم أنّ تدابير لم تُتّخذ لحمايتك ولا سواعد هبّت إليك جرّاء مصابك من مسيلات كانت بالأمس حقيرة، أو تفكّر في شنق فكرك بعد موت أخت لك وثقت في دهاليز الخُبز الخطيرة. لكنك في الأخير ستعود مكرها أو بطيب خاطر إلى القلب الأوّل لتنال نفس القلب الثاني، وتعاود قضم ضفرك ونصفك وشنق فكرك، إيمانا بطيبوبتك العمياء التي تجعلك الضحيّة وتغييبا لعدمية الآخر المتفاني في مهامه الجالدة.. "وْمَا يْرْجْعْ فْكْلْمْتُو غِيرْ الشْمَاتَة". وأنا أسطر ما أسطر، أستحضر مقاطع من نشيد كنت أعتبره طفوليا قبل أن أُقرّ برجوليته، "واللهْ".. إذ به من بين ما به: "دْجَاجْة امِّي الكْبيرَة.. تْسْوَى سْبْعَة دْدَّانانِير.. اللهْ اللهْ مَا تْسْوَاشْ.. اللهْ اللهْ غَالْيَة بْزافْ" في حين يظمّ المقطع الموالي من بين ما يظمّه مَا يَلي: "وْجّا الدِّيبْ وْدَّا الدْجَاجَة..". وسبب إقراري برجولته اكتشافي المتأخّر بأن هذا النشيد هو دستور مقدّس إلى أقصى حدّ في حياة الذئاب المتنكرة في ثياب الشياه، وإفطارُ صباح لكل الجياع التي تترامى على الدجاجة لتجعل تُبّاع التبّاع "لاّ حْمَارْ وَلاَ سْبْعة فْرَانكْ"، أو بتصحيحه على ضوء النشيد الرّجولي الفحل.. "لاَ دْجَاجَة، لاَ سْبْعَة دْدَّانانير"، أو.. بلاَ صديق صدِّيق، ولا حقّ حقيق، أو قاضِ رفِيق، أو ضارٍّ شفيق، أو حيّ به بريق، أو مدن تليق، فتجدك أهلا بلقب المتمنطق الزنديق، إغفالا من ملقّبيك بأنّ "السّْفيهْ.. مَا يْقُول غيرْ لِّي فِيهْ". إنّ إعمال العقل دون القلب يدفعنا للتساؤل حقّا ألف سؤال من قبيل: كم منّا فكّر لغيره يَوْماً؟، وكم من فردِ متبجّح تصدى لنفسه لَوْماً؟، وكم منا لا يرضى أن يأكل بفم أخيه ثَوْماَ؟، وكم من فرد لا يركب السهل بل يأبى ويكمل السبيل عَوْماً؟، وكم منا رفض اتباع فردانية المصالح وجمع النقود كَوْماً؟، وكم مِنّا يسائل ذاته دَوْماً؟. أكيد أن تجميع كلّ هذه الأعداد يبقى دون عُشُرِ أناسٍ غَدَو قَوْماً. "شْحَال قْدْكْ مْنْ اسْتْغْفِر الله يَا البَايْتْ بْلا عْشَا، وْشْكُونْ دَاهَا فيكْ ألدْجَاجَة فْالسْحُورْ"، لتبقى اليومَ.. الكلابُ تَمُرّ والقَافلةُ تنبح، فسِرْ يا من مرّ يوما عَلى ظهور من وثق به من غُدر به، "سِرْ رَاكْ مْعْروفْ".