احتفاء بالعطاء الأكاديمي المغربي شهدته العاصمة الغينية كوناكري، التي توجّت أكبر جامعاتها الأكاديمي أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، عبد الجليل لحجمري، بالدكتوراه الفخرية. بحضور عصام طيب، السفير المغربي بكوناكري، تسلم لحجمري هذه الشهادة الفخرية من جامعة لانزانا كونتي- سونفونيا، في وقت استدعي فيه المغرب ضيف شرف بمعرض الكتاب الغيني الذي يمتد، ثلاث شموسٍ، ابتداء من اليوم السبت. وفي لقاء رسمي تلا الحفل، استقبلت دياكا سيديبي، وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بغينيا، بعثة مغربية، برئاسة أمين السر الدائم للأكاديمية، وهنأته بحصوله على الدكتوراه الفخرية، متحدثة عن العلاقات والاهتمامات المشتركة بين البلدين، مع ذكرها كونها خريجة الجامعة المغربية بتطوان. وتسلمت الوزيرة درع أكاديمية المملكة المغربية التكريمي، كما سلم الدرع لسفير البلاد بكوناكري، ورئيس المؤسسة الجامعية المكرمة. ووصفت كلمة مانغا كيتا، رئيس الجامعة الغينية، لحجمري بكونه أكاديميا وبيداغوجيا إفريقيا معروفا على المستوى العالمي. واستشهد رئيس أكبر الجامعات بكوناكري بتنظيم أكاديمية المملكة، في السنة الأولى التي فيها عين لحجمري أمينا لسرها الدائم، دورة وضعت "إفريقيا أفقا للتفكير"، كما استشهد باستحداث الأكاديمية كرسيا خاصا بالآداب والفنون الإفريقية. واستحضر رئيس الجامعة رمزية قائدي البلدين بعد الاستقلال، محمد الخامس وسيكو توري، قبل أن يتحدث عن الشراكة المغربية الغينية في عدد من المستويات، من بينها التعليم. وأضاف أن غينيا كوناكري سائرة في طريق أن تصير عاصمة للثقافة الإفريقية. كما شكر المغرب لاستقباله الطلبة الغينيين، وحيّا "الالتزام من أجل تعليم قوي بإفريقيا"، وتحدث عن "آلاف الأطر الغينية" التي تخرجت من الجامعات المغربية، ومئات الأئمة المكوّنين بالمغرب، قبل أن يسجل "الاعتراف" الحاضر بغينيا لعمل المغرب. وتمنى رئيس جامعة سونفونيا "النجاح الكبير" لعمل الأكاديمية، في شخص أمين سرها الدائم، لدخول الساحة الواسعة، الأدبية والمؤسساتية والتعليمية والثقافية، في "قارتنا والعالم"، وهو عمل سجل اندراجه في إطار الرؤية القوية للملك محمد السادس، "الذي تشكل الثقافة عنده أفضل إسمنت لتشييد إفريقيا مزدهرة". من جهته، أشاد لحجمري بالصداقة المغربية الغينية، وتذكر اهتمامه بدراسة أبناء الرئيس الغيني الراحل لانسانا كونتي، ثم شكر كلمات رئيس الجامعة التي "تستدعي الأخوة، والانسجام، والتضامن، وطعم المشاركة؛ في عالم صار متفحما من سوء الاستيعاب، وسوء الفهم غير المحتمل". ومن العاصمة كوناكري شدد لحجمري على أن غينيا "ليست أي بلد"، مستحضرا أسماء بارزة نبتت في أرضها مثل قائدها بعد الاستقلال سيكو توري؛ مما جعلها تحمل "آمال صوت منسجم بإفريقيا. صوت لا يزال صداه فينا، ليقول لنا إن إفريقيا لا تزال اسما للأمل". وفي نظام تعليم كولونيالي، تحدث لحجمري عن كاتب إفريقي أنار له طريق "الاستيقاظ والوعي السليم" هو ليون فَنود سيفر بعمله المكتوب بالفرنسية "أسطورة الزنجي وإفريقيا السوداء في الأدب الفرنسي من 1800 إلى الحرب العالمية الثانية". واسترسل شارحا "هذا ما وجّه بحثي نحو تحويل الصور، وكيفية تمثيلها، والأحكام المسبقة التي يروجها أدب بلد حول شعب آخر، ومجتمع آخر، وغرباء، ومجهولين، ومعروفين بشكل غير سليم، ولو ظن الكُتّاب أنهم يعرفونهم وأنهم أوفياء في تمثيلهم". هذه القراءة هي التي دفعت لحجمري، في كلمته التي ألقاها بعد تسلم الدكتوراه الفخرية، إلى إعادة قراءة الأدب الفرنسي، وتعقب صورة المغرب فيه بحثا، ليجد فيه من أحكام مسبقة مثل ما قرأه في عمل ليون فنود. وتطرق لحجمري إلى تلقي "إفريقيا" في الغرب، وعما خطه قلم كلير ديكورنو حول تغيير عنوان مؤلَّف من دار النشر لأنه لم يكن "إفريقيا كفاية"، كما استشهد بالحاصل على جائزة الكونكور، محمد مبوغر، وإفصاحه عن "وجود عدم ارتياح عند الحديث في الغرب عن مؤلَّفات الأفارقة". عدم الارتياح هذا، وفق لحجمري، ثمرة "تراكم صور نمطية، وأحكام مسبقة، وتمثيلات مغلوطة، وأساطير تقصي". وبعد الحديث عن خلاصة كوفي إيفوي حول عدم وجود أدب إفريقي لأنه "عندما يكتب صوني لابو؛ فصوني لابو هو الذي يكتب، وليس الكونغو، أو إفريقيا"، سجل أمين السر الدائم للأكاديمية أن عالمية المؤلفات الإفريقية اليوم تتحقق عبر كتاب عالميين مثل نجيب محفوظ وعبد الرزاق قرنح. وزاد أن "المركز في كل مكان، ولا هوامش اليوم". وبعد ذكره نقاشا خاضه مع الكاتب المغربي الراحل محمد خير الدين نفى فيه هذا الأخير عن عبد الجليل لحجمري صفة المغربي لعدم معرفته بالأمازيغية، أو "لعدم معرفتي بأمازيغيته، لأنه توجد ثلاث أمازيغيات بالمغرب"، تحدث أمين السر الدائم عن بحثه المستمر، عبر عقود، عن تعريف لهويته، قبل أن يطمئن للتعريف الذي وجده في دستور المملكة، سنة 2011، والذي يتحدث عن هوية المغرب المركبة، وروافدها، مع إقراره لغتين رسميتين للمملكة هما العربية والأمازيغية؛ ثم قال: "أنا مغربي ولو أنني لا أعرف الأمازيغية، وأنا إفريقي ولو أنني لا أعرف كل اللغات الإفريقية".