دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى الاعتراف بالإدمان بوصفه مرضاً يتطلب علاجاً وقابلاً من الناحية القانونية للتكفل به من طرف الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي. جاء ذلك ضمن رأي قدمه المجلس، وهو مؤسسة دستورية استشارية، اليوم الأربعاء، حول موضوع "السلوكيات الإدمانية في المغرب"، خلال لقاء صحافي نظم عن بُعد. وقال أحمد رضا الشامي، رئيس المجلس، في كلمة افتتاحية، إن الإدمان، سواء المتجلي في استخدام مواد مخدرة أو ممارسات إدمانية، يجب أن يعتبر مرضاً وجب علاج المصابين به. وأشار الشامي إلى أن "الإدمان إشكالية خطيرة ومركبة تمس شرائح واسعة ولديها تداعيات صحية واقتصادية واجتماعية على الأطفال والأسر والمجتمع ككل". وورد ضمن مقترحات المجلس لمعالجة السلوكيات الإدمانية: ضرورة مراجعة القانون الجنائي لتطبيق ممنهج للمقتضيات القانونية التي تلزم المتعاطين للخضوع للعلاج، والعمل على تشديد العقوبات ضد شبكات الاتجار بالمخدرات والمواد غير المشروعة. ويرى الشامي أن على الدولة أن توجه نسبة ثابتة من المداخيل التي يتم استخلاصها من الأنشطة المشروعة، التي يمكن أن تسبب الإدمان، كالتبغ والكحول ورهانات سباق الخيول واليانصيب والرهانات الرياضية، نحو العلاج والبحث والوقاية. كما يتطلب الموضوع، حسب المتحدث ذاته، الاعتراف القانوني باختصاص علم الإدمان والشهادة الجامعية الممنوحة في هذا المجال، واعتماد الأنظمة الأساسية للمهن المرتبطة بهذا الاختصاص من أجل تعزيز الموارد البشرية العاملة في هذا الميدان. وعلى المستوى المؤسساتي، اقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إحداث هيئة وطنية للتقنين التقني والأخلاقيات ومراقبة أنشطة المؤسسات والشركات العاملة في ألعاب الرهان، وذلك من أجل الوقاية من السلوكيات الإدمانية والتصدي لها. ونبه الشامي إلى أن مظاهر الإدمان تزداد انتشاراً حاداً في المغرب، وهو ما يتطلب "مواجهة طبية ومجتمعية وقانونية تبدأ بإعادة النظر في التصورات السائدة حول الإدمان، والاعتراف بمختلف أنواعه، بما فيها الجديدة، كمرض يقتضي التكفل الملائم بالأشخاص المصابين به، مع تعزيز محاربة السلوكيات الإدمانية والوقاية منها". وذكر رئيس المؤسسة المذكورة أن "العالم يشهد تطوراً في السلوكيات الإدمانية، سواء تلك المرتبطة باستخدام مواد مشروعة وغير مشروعة، كالتبغ والسكر والكحول والمخدرات، أو ممارسة أنشطة قد تسبب الإدمان، مثل الرهان وألعاب الفيديو والأنترنيت". ولفت الشامي إلى أن المغرب لا يعتبر استثناءً في هذا الصدد، واستشهد بعدد من البحوث والدراسات المنجزة خلال السنوات الأخيرة، التي تفيد بأن عدد المدخنين المغاربة يناهز أكثر من 6 ملايين، منهم نصف مليون يقل سنهن عن 18 سنة. ويتجلى من المعطيات التي قدمها المجلس أن حوالي 18 ألف شخص يتعرضون للمخدرات عن طريق الحقن، وأكثر من 9 في المائة من القاصرين في الوسط التعليمي استعملوا مرة واحدة على الأقل مخدر القنب الهندي. وعلى مستوى ألعاب الرهان، فيبلغ عدد الممارسين في المغرب حوالي 3.3 ملايين شخص، كما يشهد المغرب تنامي الاستخدام الإدماني للشاشات وألعاب الفيديو والأنترنيت، وخاصة في صفوف المراهقين والشباب. ونبه الشامي إلى أن "هذه الأرقام مثيرة للقلق وتؤشر على خطورة الإشكالية في بلادنا، وضرورة التصدي لانعكاساتها الوخيمة على الأشخاص المعنيين في سلامتهم العقلية والنفسية وصحتهم الجسدية". وبحسب المتحدث ذاته فإن الانعكاسات تمتد إلى الأسر والمجتمع، نظراً للكلفة المالية الباهظة للإدمان بالنسبة لدخل الأفراد، والفاتورة الصحية التي تؤديها الدولة لمعالجة المصابين، والأمراض التي يتسبب فيها، وهو ما يؤثر سلباً على إمكانات ودينامية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا. كما أكد رئيس المجلس الاقتصادي أن المغرب يعتبر من البلدان الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي اعتمدت سياسات صحية عمومية موجهة للوقاية من الاضطرابات إدمان والتكفل بها، لكنه مازال يسجل خصاصاً على مستوى بنيات التكفل والموارد البشرية. كما لاحظ المجلس استمرار اعتماد المقاربة القانونية الزجرية التي تعتبر الأشخاص المدمنين منحرفين ينبغي تجريمهم، بدل التعامل معهم كمرضى يحتاجون إلى العلاج، وهو ما يعرض المصابين للوصم الاجتماعي والإقصاء.