محمد بنعزيز، ناقدٌ سينمائيّ، وقصاصٌ مغربيّ، عضو الجمعية المغربية لنقاد السينما، خاض تجربة الإخراج مشتغلا على بعض قصصه، وأنجز ثلاثة أفلام قصيرة : ‘قلب مكسور' 2010، ‘ملح الحب' 2012، و'حلم هامبرغر' 2013. هسبريس تعيد نشر حوار أجرته صحيفة القدس العربي مع بنعزيز، وفيه يتحدث عن النقد والإخراج والحراك السينمائي.. وأشياء أخرى تجدونها في ثنايا الحوار التالي: هذا العام أصدرتَ كتاباً بعنوان ‘تشريح الفيلم المغربي، الكاميرا لا تغضّ البصر'، جمعتَ فيه بعض كتاباتك عن الأفلام السينمائية، ويضمّ الكتاب فصلين يشملان سبع وعشرين مقالة، وهي مخصصة لتحليل الأفلام المغربية الصادرة بعد 2007، كيف انتقلتَ من الأدب إلى السينما؟ بعد أن نشرتُ مجموعتي القصصية ‘الدفن من الوجهة القانونية' عام 2000، شرعتُ في تحضير المجموعة الثانية، فقد كان حلمي منذ المراهقة أن أصير كاتباً، في تلك الأثناء، وصلتني ملاحظات أولى عن القصص التي نشرتها : لغة تلغرافية دقيقة تفتقر للشعرية، أسلوب جاف، توالي أحداث متماسكة، هذه سيناريوهات لا قصص، تكتب، وكأنكَ تحمل كاميرا على كتفك… جاءت تلك التعليقات من مثقفين مختلفين لا يتعارفون فيما بينهم، وهذا ما زكى حكمهم لديّ، وبقدر ما أقلقني فقر لغتي، أسعدني أن تكون قصصي سيناريوهات. لأتابع رحلتي مع الكتابة، كان لا بدّ لي أن أعرف أين أقف، وأين أمضي، إنطلقت من سؤالين: ما هي اللغة الشعرية ؟ وما هي العلاقة بين القصة، والسيناريو؟ رجعت للشعر القديم، طالعت مراراً ‘التبيان في شرح الديوان'، وفيه يشرح ‘العكبري' الصور الشعرية، ودلالاتها لدى ‘المتنبي'، طبعاً عمر الصورة السينمائية قصير جدا مقارنة مع الصورة الشعرية التي يتعدى عمرها آلاف السنين، صورة صقلت فيها التشبيهات، والإستعارات، والمجازات، والرموز بفضل مداومة الاستعمال. هنا اكتشفت أن حرصي في الكتابة على الدقة، والوضوح، والمباشرة، يتعارض مع التلميح، والترميز، ومن هنا نبع وصف قصصي، بأنها سيناريوهات، فما العلاقة بين الأدب، والسينما؟ ‘تمتص السينما تقنيات الرواية'، حين طالعت هذه الجملة لدى ‘أندري بازان'، تكشفت الصلة بين القصة، والفيلم،. بين السينما، والأدب، وقد استنتج ‘بازان' أن أساليب السينمائيين الإيطاليين في الواقعية الجديدة، هي معادل فنيّ للرواية الأمريكية كما كتبها ‘دوس باسوس′. دون أدب، ما كنت لأعرف ما هي السينما.. تطلبت الإجابة عن ذلك السؤالين رحلة بحث طويلة، إمتدت أكثر من عشر سنواتٍ شملت مطالعة عشرات الكتب، ومشاهدة مئات الأفلام. لأنّ المعرفة تصقل الذوق، ولأنه، في تصوري، حين تستمع إلى سينمائي، وتكتشف فقر ثقافته السينمائية، يصعب أن تتوقع منه إبداعاً، ولا يلغي اختلاف الأذواق هذا، فالمتفرج يشعر بالعمل الذي تطلب جهداً، وتحضيراً حتى وإن لم يلائم ذوقه. ومن باب توثيق التجربة، حرصت أثناء رحلتي على تلخيص الكتب التي طالعتها، وتحليل الأفلام التي شاهدتها. سبق أن فكرتَ بطلب دعم من ‘الصندوق العربي للثقافة، والفنون' من أجل تمويل بحث يعرض لأهم الكتب الصادرة عن السينما، ما هي نتائج هذا البحث ؟ أنجزتُ نصف المشروع لحدّ الآن، وعلى حسابي، عرضت كتباً منها :‘ورشة سيناريو، كيف تُحكى الحكاية ؟' لغابرييل غارسيا ماركيز. ‘الأسس العلمية لكتابة السيناريو' للويس هيرمان. ‘أنغمار برغمان، سيرة ذاتية، آراء، وسيناريو'، و'فكرة الإخراج السينمائي، كيف تصبح مخرجاً عظيماُ ؟' لكين دانسايجر. ‘جماليات فن الإخراج' لزيغمونت هبنر. ‘ستانلي كوبريك، سيرة حياته، وأعماله'، و'المونتاج السينمائي' لألبير يورجنسون، وصوفي برونييه. ‘إعداد الممثل في المعاناة الإبداعية' لكونستانتين ستانيسلافسكي. ‘النحت في الزمن' لأندريه تاركوفسكي، و'عالم ثيو أنجيلوبولوس السينمائي'، و'عباس كياروستامي سينما مطرزة بالبراءة' ترجمة، وإعداد أمين صالح. وكتاب حواري لفيليني، وآخر لفرانسوا تروفو، وطبعاً كتاب مُعلمي الأول أندري بازان ‘ما هي السينما' ؟. في العادة، يعمد بعض نقاد السينما العرب إلى إجراء حواراتٍ مع ممثلين، ومخرجين، ولكن، لم نتعوّد بأن يتحاور ناقدان ؟ فعلاً، هذا النوع من الحوار نادر، السبب رُبما أنّ كلّ ناقد يفرح بما لديه، ويكتفي بذاته، لا يرى ضرورة للتفاعل مع شبيهه، هذا الحوار مفيدٌ للقارئ، لأنه سيطلّ على العلبة السوداء للنقد، والنقاد. وأنتَ الناقد السينمائيّ المغربيّ الشاب، تؤكد الأجواء الحالية، بأنّ هناك مزايدة على موضوع الشباب من الطرفين، الشباب أنفسهم، والأقلّ شباباً، وهي ظاهرة لا تخصّ السينما وحدها، وإنما كلّ مجالات الحياة، وتدعمها الخطابات الثورية التي سوف تصبح مصيدة يقع فيها الشباب أنفسهم لاحقاً ؟ هذا من نتائج الثورة الشفوية الجارية في العالم العربي الأمازيغي، ويركب مروّجوها ظهر الشباب لتحقيق أجنداتهم، البوعزيزي مات محترقاً، والشباب خرجوا إلى الشوارع لإسقاط النظام، لكن، من جنى الثمار؟ الإخوان، والسلفيون المُسنين الذين إبتكروا جهاد النكاح، هل توجد ثوراتٍ دينية ؟ لا، الثورة تقدمية، والسلفية تريد إرجاعنا إلى الخلف، لكن، ما دامت هناك ثمارٌ سيوجد من يطالب بالتشبيب. في المغرب، الجميع يطالب بالتشبيب، ويُعيَن وزير تعليم تجاوز سنه السبعين عاماً. هناك الكثير من العرب الحاصلين على درجاتٍ علمية عُليا، ماذا قدموا للثقافة السينمائية العربية، حيث إكتفى الكثيرون منهم بالتدريس في المعاهد، والجامعات؟ صحيح، نصف الأساتذة الجامعيين في المغرب لم يكتبوا ورقة واحدة بعد تخرجهم، من لا تجري السينما في دمه لن يعطيها شيئاً، وسيحولها في حالة إذا ما كتب إلى خطوطٍ ميتة في كراريسه، المهتمون الذين تربوا في الأندية السينمائية أطول نفساً، وأكثر عطاءً، ولدينا في المغرب حالاتٍ جيدة. حدثنا قليلاً، أو كثيراً عن الحالة النقدية في المغرب. لا يتوفر المغرب على مجلة قارة للنقد السينمائي، تصدر مجلة ‘سينفيليا' بين حين، وآخر، ومؤخراً، أسّس الناقد ‘محمد باكريم' مجلة جديدة إسمها ‘أفلام 21′، في آخر دردشة معه اشتكى من قلة المادة المكتوبة للنشر، هناك الكثير من النقاد، والقليل من النقد. بالمناسبة، للحصول على دعوة لتغطية المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، والإقامة في فندق خمس نجوم، اشترط المنظمون على طالبي الاعتماد تقديم المادة الصحافية التي كتبوها عن الدورة السابقة، هذا إمتحان كتابيّ للناقد السينمائي الشفوي، في العام الماضي لم يكن هذا الشرط مطروحاً. وماذا عن الحراك السينمائي في المغرب ؟ فعلاً، هناك حراكٌ سينمائيّ مهمّ في المغرب على مستويين: أولاً : تمويل تصوير الأفلام، وهنا توجد لجنة مختصة تتلقى السيناريوهات المرشحة للتصوير، وتجتمع ثلاث مراتٍ في السنة، وتمنح دعماً يصل إلى 500 ألف دولار لكل فيلم، وقد بلغت ميزانية دعم إنتاج الأفلام سبعة ملايين دولار في 2012، وقد أثمرت هذه السياسة إنتاج أكثر من 15 فيلم طويل سنوياً، كما أن المغرب وجهة مفضلة لتصوير أفلام دولية، وهذا ما يوفر للتقنيين المغاربة فرصة الاحتكاك مع سينمائيين من مستوى عال. ثانياً: المهرجانات السينمائية التي يُنظمها المركز السينمائي المغربي، أو جمعيات مهتمة، يتجاوز عدد المهرجانات الأربعين في المغرب، توجد بينها فروق في التمويل، والخط التحريري، ومعرفة المشرفين عليها بالسينما، طبعاً توجد جدالات حول الموضوع، لكن المهرجانات صارت بديلاً عن الأندية السينمائية. على الرغم من معرفتنا بالمشهد السينمائي المغربي، نفتقد قراءة الإنتاج النقدي للنقاد المغاربة، وما عدا بعض الأسماء التي تكتب في الصحف العربية الكبرى، لا تصلنا كتابات الآخرين، أو لا يروّجون لكتاباتهم كما يفعل بعض نقاد المشرق العربي على صفحات الفيس بوك. في الحقيقة، ما ينقصنا، ليس منابر النشر، بل النصوص النقدية التي تحلل الأفلام بنظرة كونية لا محلية، وأعتقد أن النصوص النقدية القوية تجد طريقها للنشر، مقالات تحليل الأفلام نادرة، وهذه ليست مشكلة مغربية فقط. هناك وصفٌ متداول في الثقافة السينمائية المغربية، وهو ناقد ‘شفوي/شفاهي'، ما قصته؟ فعلا، ‘ناقد شفويّ' تعبير يسخر من الذين يعتبرون أنفسهم نقاداً سينمائيين، لكنهم لا يكتبون، عادةً يتمّ تداول هذا التعبير في المحادثات الثنائية، ولم أسمعه قط في ندوة، لذلك لن أسترسل في التعليق، لأن المشهد السينمائي لا يحتاج حرباً جديدة. في مقالة يعود تاريخها إلى الشهر الخامس من عام 2010، كتبتَ موضوعاً طريفاً بعنوان ‘الكتابة السياحية عن السينما'، وطرحتَ سؤالاً قصيراً : كيف تعرف الكاتب السينمائي السائح ؟ وقدمتَ 30 إجابة، هل تتكرّم عليناً، وتقدم تلخيصاً مُركزاً ؟ الكاتب السينمائي السائح، هو الذي يحضر افتتاح المهرجانات، واختتامها فقط، يحمل هاتفين نقالين إحتياطاً، فهو يحرص على تسجيل أرقام هواتف الممثلات، وبعض المخرجين، وكل مدراء المهرجانات، عندما تنظم ندوة يحضرها الوزير يجلس في الصف الأول، لكن، حتى لو حضر ‘مارتن سكورسيزي'، فصاحبنا يغادر لقضاء بعض الأغراض،… يكتب على السماع مثل رواة الشعر الجاهلي، بينما السينما تُشاهد، يُسمي كل مقال له بأنه إنطباعات أولية، ويعد، أو يهدد بأنه سيعود للموضوع لاحقاً، هو لن يعود، ينسى، يكتب عن السينما بالجمع، وليس عن فيلم محدد، فهو لم يشاهده كاملاً، لا يدخل ما يكتبه ضمن خطة، بل يقتنص التعاليق ليجمعها، لذا لا يراكم، ولا يثري المجال، لا صلة بين مقالاته، هو ناقد سينمائي، منذ متى ؟ منذ سنواتٍ طويلة، طيب، ما هي آخر عشرة أفلام كتب عنها ؟ يستعيذ بالله من الأسئلة المحددة. أقسم برأس ‘شارلي شابلن بأن صاحبنا كسول. في السنوات الأخيرة، عمد معظم النقاد العرب إلى إنشاء مُدوناتٍ شخصية، هل حققت أغراضها ؟ مع تراجع الجرائد، والمجلات، صارت الشبكة العنكبوتية المنبر الرئيسي، تنبع أهمية المدونة من أهمية صاحبها، ومستوى كتاباته، بعض المدونات حققت غرضها الثقافي، وبعضها حقق هدف أصحابها في تحسين علاقتهم بدوائر معينة، ما أن تحسنت تلك العلاقات حتى تعطلت مدوّناتهم. في يوم ما أنشأ ناقدٌ مدونةً متخصصة كان هدفها كشف السرقات في مجال الثقافة السينمائية، هل أثمرت تلك الجهود في التقليل منها ؟ طبعاً، جعلت لصوص النصوص السينمائية يخافون من التشهير، وقد اضطر الكثيرون منهم إلى أعمال تزوير أشدّ كي يخفوا معالم النص الأصلي. في تلك الفترة، كتب البعض بأنها ليست وظيفته الكشف عن سرقات الآخرين، ومبادرته تلك ليست أكثر من تصفية حسابات، بعد تلك المُواجهات، توقفت المدونة ؟ بل من وظائف الناقد كشف السرقات، كان نقاد الشعر القدامى يتلصصون على تسرب المعاني، والأساليب في قصائد الشعراء، لذا مرحباً بتصفية الحسابات لفرز الغشاشين عن المجيدين، الشفافية مطلب سياسيّ، لماذا لا تُعممها لتكون مطلباً سينمائياً ؟ ماذا يتوّجب على شخص ما أن يفعله كي يصبح ناقداً ؟ أولاً، أن يقرأ النظريات الفنية، وجلها أدبيّ الأصل بدءاً من ‘فن الشعر' لأرسطو. ثانياً، يقرأ كتاب ‘نقد ملكة الحكم' لإيمانويل كانط. ثالثاً: أن يكون سينيفيلياً يشاهد أفلاماً كثيرة، ويميز بسهولةٍ بين أنواعها،هنا نعود ثانية لنظرية الأجناس الأدبية. رابعاً : يملك تكويناً، وثقافة صلبة، وكلما بدأ هذا التكوين مبكراً، وكان مستمراَ، كانت النتيجة جيدة. خامساً : يدرك أن النقد السينمائي ليس أخباراً صحافية، بل يكتب عما يُعرض على الشاشة، وليس عن أخبار الممثل، والمخرج، ومتى إلتقيا، وأين سيُعرض الفيلم، هذه أخبار يوفرها الملحق الإعلامي لشركة الانتاج. سادساً : تذكير بالبديهي، يصبح السينفيلي الذي يتجنب المجاملات ناقداً غير شفوي بعد أن يكون كاتباً، يملك سيولة في الكتابة. حين تتوفر هذه الشروط، يضاهي جهد مشاهدة، وتحليل الفيلم جهد كتابته، وتصويره. هل يمكن التوفيق بين الإخراج، والنقد؟ طبعاً، أعتقد ذلك، لأني بدأت بكتابة القصص أولاً، وما زلت، ثم درست تحليل الرواية في الجامعة، يقول أندريه بازان :'تمتص السينما تقنيات الرواية'، حين طالعت هذه الجملة، تكشفت الصلة بين القصة، والفيلم، بين السينما، والأدب، وقد استنتج ‘بازان' أن أساليب السينمائيين الإيطاليين في الواقعية الجديدة هي معادل فني للرواية الأمريكية كما كتبها ‘دوس باسوس′. قمت لحد الآن بإخراج ثلاثة أفلام قصيرة، وقدوتي هو ‘فرانسوا تروفو'، وقد حولت بعض قصصي، ورواياتي إلى سيناريوهات، وأعمل على تصويرها. دون أدب، ما كنتُ لأعرف ما هي السينما. من درس كتاب'مورفولوجية الخرافة' للروسي ‘فلادمير بروب'، سوف يفهم قانون السرد، وسيشتغل بالبرنامج العاملي الذي أعده ‘ألداس غريماس′. من درس كتاب ‘سيمولوجية الشخصيات' لفيليب هامون'، سيفهم بناء الشخصية نفسياً، وسيمولوجياً في الفيلم. من طالع ‘فن الشعر' لأرسطو، و'نظرية الأدب' كما شرحها ‘ريني ويليك'، و'واستن وارين'، سوف يسهل عليه التمييز بين الأنواع الفيلمية. من درس الشكلانيين الروس- طليعة بداية القرن الماضي، وإليهم ينتمي مؤسس المونتاج ‘سيرجي إيزنشتاين' صاحب فيلم ‘المدرعة بوتمكين' سيدرك معنى التقطيع، والتركيب. من درس التصوير في الشعر، عبر التشبيه، والاستعارة، والكناية، والمجاز، سيفهم الصورة السينمائية، وكيف تفوّق مخرجون شعراء مثل أندري تاركوفسكي، وثيو أنجيلو بولوس وعباس كيارستامي. يسهل على من يحب الفن التشكيلي، وخاصة لوحات القرن التاسع عشر أن يفهم الكادراج، وسلم اللقطات الأساسية في ‘اللغة السينمائية'. من طالع النقد الروائي كما كتبه ‘ميخائيل باختين'، وتلامذته، سيجد تفسيراً مدهشاً لقوانين السرد، ولأمزجة الشخصيات. من طالع ‘القارئ في الحكاية' لأمبيرتو إيكو، وكتب ‘مايكل ريفاتير'، سيجد شرحاً دقيقاً لأفق إنتظار المتفرج. بما أن السينما تمتص تقنيات الرواية، فإن النقد السينمائي ليس بعيداً عن النقد الروائي، خاصة وأن جلّ النظريات الفنية أدبية المنشأ. هل هناك حقيقيّ، ومزيفٌ في النقد السينمائي ؟ طبعاً، في كلّ مجال توجد عملة مزيفة، وأخرى أصلية، الناقد المزيف يكثر من مديح مدراء المهرجانات، على هؤلاء أن يتذكروا مقولة نابليون ‘ليس المهم أن تٌمدح، وإنما المهم معدن الذي مدحك'. الناقد الحقيقي هو الذي لا يتحدث عن القصة فقط، وبالتالي ينسب الفيلم لكاتب السيناريو، بل يتحدث عن الديكور، الإضاءة، الأداء، ومواقع الكاميرا… وبذلك ينسب الفيلم للمخرج. لو كنتَ في لجنة تحكيم، وأردتَ أن تمنح جائزةَ لناقدٍ سينمائيّ عربيّ، من هو، وما هي مبرراتكَ ؟ سأمنح الجائزة لناقدٍ يصدر أحكاماً فنية معللة، لا يكتفي أن يقول جميل، أو سيىء. ناقد ينطبق عليه قول برنارد شو : ‘لا تقل إن شيئاً كهذا سيىء، إذا لم يكن بمقدورك أن تضع يدك على موضع هذا الشيء السيئ'. هذا الناقد هو ‘محمد اشويكة' من المغرب، ‘أمين صالح' من البحرين، ‘أمير العمري' من مصر، وفي النهاية سوف أميل إلى ‘أمين صالح'.. من هم النقاد المُبشرون بالجنة ؟ لنبدأ بالأسوأ، الناقد السينمائي الذي سيدخل جهنم، وبالضبط الدائرة السابعة منها كما في كوميديا دانتي، هو الذي يكون في صالة سينما، يتلقى إتصالاً هاتفياً أثناء العرض، ويردّ عليه، وهذا عقاب كلّ من لا يحترم جهد صناع الأفلام، أما الناقد الذي بُشر بالجنة، ودخلها فعلاً، هو ‘أندري بازان'، وبجواره ‘فرانسوا تروفو'.