يوم الأحد 12 فبراير 2012 بالقاعة الشرفية بالمعرض الدولي للنشر والكتاب عقدت ندوة حول: السينما والكتابة الروائية: تواصل أم انقطاع؟ إن موضوع العلاقة بين السينما والأدب بصفة عامة تناوله النقاد المحاضرون كثيرا، ولكنه مع ذلك يحتفظ بالراهنية وبالتجدد وبالجديد. إن السينما نهلت وتنهل من الأدب، كلمات من مقدمة عبد الإله الجوهري، مقدم الندوة بمشاركة الأساتذة: حمادي كيروم وعبد الرزاق زاهر وحميد تباتو ومولاي إدريس الجعيدي ومحمد شويكة ويوسف آيت همو وسعد الشرايبي مع حضور وازن من محبي السينما ومن صحفيين مهتمين بالثقافة السينمائية. إن السينما أخذت من الأدب العالمي منذ ولادتها فكثير من الأفلام الأولى حولت نصا روائيا لصور نجحت نجاحا باهرا. وكان هناك تداخل وتمازج وتغيير بين الرواية والفيلم ولم يكن هناك انقطاع البتة. بل تواصل وتقاطع. وما السيناريو إلا امتداد إلى الرواية بشكل آخر يسمح تقنيا لإخراج فيلم من الطراز العالي والنوع الرفيع. بالفعل لقد شقت السينما طريقها المغاير والمخالف للفنون الأخرى. ولكنها استوحت واستلهمت واستغلت واستعملت المسرح والموسيقى والرقص والشعر وبالخصوص الرواية لتسلق مسارها الملتوي والمملوء بالتطورات التقنية للتصوير وللمونطاج وللصوت.... لقد استفاد الكثير من كتاب الرواية من مشاهدة الأفلام السينمائية واستفاد كتاب السيناريو من قراءة الروايات الأدبية والبوليسية وغيرها. ولقد تأثرت السينما بكل الفنون الموجودة. إن تعبيرنا الأولي كلمة منطوقة تدل على أشياء أو تعني أفكارا. والكلمة المكتوبة هي التعبير الأصح والأوحد للرواية وكذلك للفيلم وفي هذا الأخير تعود الكلمة المكتوبة إلى كلمة منطوقة، إلى أصوات، إلى صور، إلى تعابير، إلى حركات... تجعل من الفيلم رواية ناطقة وصارخة ومتحركة ومزركشة وملونة.... وربما لقطة بعد الدقائق تعبر عن ورقات وورقات من الكتابة. لقد اعترف تولستي سنة 1908 بأنه يريد "أن يكتب كما تصور السينما" واعترف غرفت بأن المونطاج المتوازي في أفلامه لم يكن من اكتشافه، بل استمده من روايات ديكنز وهناك أدباء يكتبون رواياتهم كما لو يكتبون للسينما مثل: جيمس جويس والكسندر دبلن وغيرهم... وذكر قيس الزبيدي في كتابه مونوغرافيات (صفحة 46-47) بجملة لبريشت: "مشاهد السينما يقرأ الرواية بشكل آخر، لكن كاتب الرواية هو أيضا مشاهد للسينما". ولهذا لا يمكن إكثار الجدل حول الصورة كممثل للشيء والكلمة كبديل للشيء. بل إن الكلمة تتحول لصورة في الفيلم والعكس صحيح، فالصورة تتحول إلى كلمة ونص في الرواية. فهما متماسكان وملتقيان لقاءا معقدا ومركبا ويحتوي على دهاليز وعلى متعرجات والتواءات كثيرة. وأظن أن الصورة هي الكلمة المقروءة بالنسبة للحكي والكلمة المكتوبة بالنسبة للرواية. لقد طرح عبد الإله الجوهري عدة تساؤلات جوهرية في بداية الندوة مثل ما هو المقابل الذي قدمته السينما للأدب؟ ما هي العلاقات التي تربط الروائي بالسينمائي؟ ما الذي يبقى من عظمة الرواية في الفيلم؟ هل الاستفادة موجودة وحقيقية للرواية أم أنها عكس ذلك؟ وتكلم المحاضرون عن محاور عدة ومتكاملة. فتوسع حمادي كيروم في الحديث عن: الرواية والكتابة السينمائية. وطرح مستوى الأحداث والشخصيات والحبكة للبحث عن موضوع يشتغل عليه السينمائي وأعاد إلى الأذهان السؤال المطروح منذ عهد أندري بازان عن معنى مفهوم السينما، وعن مفهوم الكتابة السينمائية الذي وضحه بارث في زمن مضى. وأكد بأن الكتابة أصبحت تحتاج إلى أساليب كثيرة. وأعطى مثال: مدام جوفاري للكاتب فلوبير والمفارقة بين الرواية والفيلم. وأعطى مثالا آخر وهو المخرج روبير بريسون ومفهوم السينماتوغرافيا، وأكد بأن كل فيلم ليس سينما، وأن الكتاب يكتبون عن الحدث وليس على الرواية. وتكلم عن الأمانة و"خيانة الأمانة" وأن حرية المخرج تسمح بالخيانة للتأطير اللغوي. وتحدث عبد الرزاق زاهر عن: السينما والرواية سفر أحادي، وأن هناك تداخل الوسيطين وحبذ التكلم من الرواية إلى السينما، وأمر بحذف الواو حتى لا نتكلم خارج السينما، وأكد بأنهما وسيطين متخالفين ومتداخلين. وأكد كذلك بأن الاقتباس ليس "خيانة". وتكلم حميد تباتو عن: السيناريو والأدب، الهجانة القائمة. وأكد بأن السينما انفتحت على المسرح وعلى الأدب وعلى أجناس أخرى فنية وإبداعية لتكوين هويتها: إنه فن جامع للفنون الأخرى. وأن الاقتباس من الرواية سيؤدي إلى تحولات أخرى وإلى إعادة خلق للعمل الأصلي مهما كان هناك نقل واف ومخلص للعمل الأصلي، لأن العمل السينمائي يتكلم لغة مغايرة للغة السرد الروائي. وطرح سؤال مشروعية السينما للحديث عن الثقافة ومن مكان مقدس أي معرض الكتاب. واعتبر أن الاقتباس "خيانة أمينة" واستعرض أعمالا أجنبية وأخرى مغربية: "ليلة القمر" "الخبز الحافي" "درب مولاي الشريف" "حلاق درب الفقراء". وأكد أن الاقتباس يتخذ عدة أنواع فهناك التحويل الحقيقي المخلص "الخبز الحافي" مثال ذلك وهناك "التحويل الحر" الذي يسعى إلى التقاط أشياء معينة لتحويلها إلى فيلم مثال ذلك "صلاة الغائب". ولكن لا يجب التفريط في الشيء الأساسي الذي اشتغل عليه الكاتب الروائي. وأكد كثيرا على مفهوم "الوطن" مع السينما. مولاي إدريس الجعيدي تناول محور: بين الكتابة السينمائية والقصصية: مسألة الاقتباس. وركز في مداخلته على الاقتباس المخلص وعلى الاقتباس الحر وعلى التحويل أو التغيير ولمح إلى أن الاقتباس في المغرب يقارب 10%. وذكر بأن الاقتباس سجل منذ بداية السينما من روايات عالمية وروائع شاعرية ومسرحيات ممتازة. وفي الوقت الحالي صار هناك نوع آخر من الاقتباس من الكتب التي بلغت نجاحا كبيرا مثل "أسياد الخواتم" وكذلك الاقتباس من "كتب المحطة". وهذا الاقتباس الأخير يخضع إلى منطق الربح، ويعتمد على عناصر ثلاث أساسية: ضبط وسائل جد مهمة للإنتاج، والتوزيع الكبير، والحكاية الممتازة "المخرسنة". محمد شويكة تكلم عن محور: السينما والرواية: العلاقة المعكوسة، وقال بأن العلاقة بينهما علاقة حب وعشق وتجاوب وتحاور وغواية، ووراء هذه العلاقة الكاتب المبدع والمخرج المبدع. وأعطى مثال على ذلك المخرج كوبريك الذي اقتبس ما يعادل 11 فيلما. وفضل كلمة "تحويل" بدل كلمة "اقتباس" مع إبداع السيناريست وإبداع المخرج وليست هناك قطيعة أو خيانة. هناك تقنيات متطورة محاطة بالسينما، ولكن لابد من إبداع. والاقتباس لا ينقص من الرواية ولكنها وجهة نظر أخرى، وجهة نظر المخرج المبدع. وهناك روائيون تحولوا إلى سينمائيين وكانت لهم أفلام ناجحة مثال ذلك ميشال ريلبيك. والعلاقة المعكوسة هي إمكانية تحويل أفلام إلى روايات ممتازة وهذا سفر المبدع المعكوس. وطرح المشكل الأساسي للقراءة ولمشاهدة الأفلام هي "الأمية" المنتشرة في المغرب بمختلف أنواعها. يوسف آيت همو تكلم عن محور: تصنيف الاقتباس: عنف السينما على الرواية، بصفة الباحث وبصيغة المدرس وأكد صعوبة الموضوع، بالنسبة لمجتمع لا يقرأ كتبا ولا يشاهد أفلاما. وأكد على مبدأ تآخي الفنون فليس هناك عنف بل هناك تبادل ومسالك. والسينما وثقافة الصورة هم امتداد للأدب وللمكتوب بعد الثقافة الشفاهية. والسينما والأدب نوعان مختلفان ولكنهما متقاطعان وملتقيان في مبادئ، اللفظ والحكي والغياب والمنفي. ولكل منهم خصائصه وأكد على إدماج السينما في المنظومة التعليمية. وقد تقوم السينما بعنف اتجاه الرواية الأدبية في الاقتباس، عنف الحذف وعنف التكثيف وعنف التغيير الذي يمارسه المخرج على الرواية، وله أسباب اقتصادية ومالية وتقنية وإيديولوجية. تحدث سعد الشرايبي عن: علاقة الكتاب بالسينمائيين في المغرب. وركز على أنها علاقة "عصابية" فبعض الكتاب ينظرون إلى أن السينما لا ترقى إلى الكتاب، وهذه قراءة ونظرية جزئية. وليس من المعقول أن يبقى الخطاب المتسلط والمغلوط، بأن الأدب أكبر من السينما، منتشرا. فكم من فيلم ألهم الكتاب وعلينا أن نقول بأن السينما والرواية شيئان متقابلان ومتعاونان ومغذيان لبعضهما. والفيلم المقتبس هو عمل آخر مختلف وليس عمل ثان لكتابة الرواية. وهذا الاقتباس يحتاج إلى إبداع وإلى إكراهات، وليس هناك تحويل أو إفقار أو إغناء للرواية. وأن إعادة قراءة الرواية عملية معقدة وهي عملية سمعية وبصرية تحتاج إلى إحساس قوي وعميق. وربما الوفاء للرواية لا يغنيها. ندوة جاءت بالكثير ولكن الكثير لا يكفي، فقد كانت هناك ملاحظات أهمها غياب كتاب ليدافعوا عن أنفسهم ويبدون رأيهم. وأثيرت مسألة النوادي السينمائية التي تعتبر المدرسة الأولى للسينما.... الدارالبيضاء 12 فبراير 2012 الدكتور بوشعيب المسعودي خاص ب: ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة