أصدر الناقد السينمائي محمد بنعزيز كتاب " تشريح الفيلم المغربي، الكاميرا لا تغض البصر"، جمع فيه بعض كتاباته عن الأفلام السينمائية، من خلال فصلين يشملان سبعة وعشرين مقالة. بنعزيز أخرج 3 أفلام قصيرة، كما سبق له تغطية العديد من المهرجانات السينمائية لفائدة جريدة هسبريس الإلكترونية، وقد خصص كتابه الجديد لتحليل الأفلام المغربية الصادرة بعد 2007. وقد جاء في كتاب بنعزيز الذي اختار مشهدا من فيلم "يا خيل الله" لنبيل عيوش، صورة لغلافه، التقديم التالي: كيف انتقلت من الأدب إلى السينما؟ بعد أن نشرت مجموعتي القصصية عام 2000، شرعت في تحضير المجموعة الثانية، فقد كان حلمي منذ المراهقة أن أصير كاتبا. في تلك الأثناء وصلتني التعاليق الأولى عن القصص التي نشرتها: لغة تلغرافية دقيقة تفتقر للشعرية. أسلوب جاف. توالي أحداث متماسكة. هذه سيناريوهات لا قصص، تكتب وكأنك تحمل كاميرا على كتفك... جاءت هذه التعاليق من مثقفين مختلفين لا يتعارفون فيما بينهم. وهذا ما زكى حكمهم لدي. وبقدر ما أقلقني فقر لغتي أسعدني أن تكون قصصي سيناريوهات. لأتابع رحلتي مع الكتابة، كان لابد لي أن أعرف أين أقف لأعرف أين أمضي. انطلقت من سؤالين: ما هي اللغة الشعرية؟ وما العلاقة بين القصة والسيناريو؟ رجعت للشعر القديم. طالعت مرارا "التبيان في شرح الديوان". وفيه يشرح العكبري الصور الشعرية ودلالاتها لدى المتنبي. طبعا عمر الصورة السينمائية قصير جدا مقارنة مع الصورة الشعرية التي يتعدى عمرها آلاف السنين. صورة صقلت فيها التشبيهات والاستعارات والمجازات والرموز بفضل مداومة الاستعمال. هنا اكتشفت أن حرصي في الكتابة على الدقة والوضوح والمباشرة يتعارض مع التلميح والترميز. ومن هنا نبع وصف قصصي بأنها سيناريوهات. فما العلاقة بين الأدب والسينما؟ "تمتص السينما تقنيات الرواية". حين طالعت هذه الجملة لدى أندري بازان تكشفت الصلة. بين القصة والفيلم. بين السينما والأدب. وقد استنتج بازان أن أساليب السينمائيين الإيطاليين في الواقعية الجديد هي معادل فني للرواية الأمريكية كما كتبها دوس باسوس. ص 283. دون أدب، ما كنت لأعرف ما هي السينما. وقد كتبت بحث الإجازة عن رواية نجيب محفوظ"ميرامار" بينما أشاهد الفيلم المقتبس عنها من إخراج كمال الشيخ. وقد أتيحت لي الفرصة لأتأمل صلة الرواية والسينما. وهذا جرد لكتب أساسية تشكل صلة وصل بين المجالين: من درس كتاب "موروفوجلية الخرافة" للروسي فلادمير بروب فسيفهم قانون السرد وسيشتغل بالبرنامج العاملي الذي أعده ألداس غريماس. من درس كتاب "سيمولوجية الشخصيات" لفيليب هامون سيفهم بناء الشخصية نفسيا وسيمولوجيا في الفيلم. من طالع "فن الشعر" لارسطو و"نظرية الأدب" كما شرحها ريني ويليك وواستن وارين يسهل عليه أن يميز الأنواع الفيلمية. من درس الشكلانيين الروس- طليعيو بداية القرن الماضي وإليهم ينتمي مؤسس المونتاج وهو سيرجي إيزنشتاين صاحب فيلم "المدرعة بوتمكين" – سيدرك معنى التقطيع والتركيب. من درس التصوير في الشعر، عبر التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز سيفهم الصورة السينمائية. وكيف تفوق مخرجون شعراء مثل أندري تاركوفسكي وثيو أنجيلو بولوس وعباس كيارستامي. يسهل على من يحب الفن التشكيلي، وخاصة لوحات القرن التاسع عشر أن يفهم الكادراج وسلم اللقطات الأساسية في "اللغة السينمائية". من طالع النقد الروائي كما كتبه ميخائيل باختين وتلامذته سيجد تفسيرا مدهشا لقوانين السرد ولأمزجة الشخصيات. من طالع "القارئ في الحكاية" لأمبيرتو إيكو وكتب مايكل ريفاتير سيجد شرحا دقيقا لأفق انتظار المتفرج. بما أن السينما تمتص تقنيات الرواية فإن النقد السينمائي ليس بعيدا عن النقد الروائي. خاصة وان جل النظريات الفنية أدبية المنشأ. تطلبت الإجابة عن ذلك السؤالين رحلة بحث طويل امتدت أكثر من عشر سنوات شملت مطالعة عشرات الكتب ومشاهدة مآت الأفلام. لماذا كل هذا؟ لأن المعرفة تصقل الذوق. ولأنه في تصوري حين تستمع إلى سينمائي وتكتشف فقر ثقافته السينمائية، يصعب أن تتوقع منه إبداعا. ولا يلغي اختلاف الأذواق هذا. فالمتفرج يشعر بالعمل الذي تطلب جهدا وتحضيرا حتى لو لم يلائم ذوقه. ومن باب توثيق التجربة حرصت أثناء رحلتي على تلخيص الكتب التي طالعتها وتحليل الأفلام التي شاهدتها. وهذه مقالاتي عن الأفلام المغربية الصادرة بعد 2007. في انتظار إصدار كتاب ثان عن الأفلام العالمية وثالث عن الكتب الرئيسية في تاريخ السينما.