خرج كمال هشكار وهو ابن الست سنوات من تنغير ، جنوب شرق المغرب، نحو فرنسا ثم عاد بعد ثلاثة عقود يطرق باب البلد بفيلم "تنغير أورشليم: صدى الملاح" الذي حاز مساحة مهمة من النقاش في الفضاء العام. هذه الايام يشتغل الأمازيغي الشاب على فيلم آخر لا يبتعد عن موضوعه الأول. فهل حول كمال موضوع اليهود الى "أصل تجاري" يحوز به الحظوة و الاهتمام في كبرى الملتقيات الوطنية و الدولية؟ سؤال من ضمن أسئلة عديدة طرحت على هشكار بمناسبة اللقاء الذي جمعه بهسبريس. هل مازال "صدى الملاح" يتردد في أذنك؟ "صدى الملاح" مازال يتردد في أذني و مازال يطوف العالم فقد كنت مشاركا بالفيلم في مهرجان الفيلم اليهودي ببوسطن حيث حضر أزيد من أربع مائة شخص لمشاهدته كما شاركت به في مهرجان بلد الوليد بإسبانيا ثم بمدينة هومبورغ الالمانية و حصل الوثائقي على جائزة "أحسن فيلم" بمهرجان الفيلم الافريقي بفرنسا كما أنه مبرمج بمناسبة عدد من اللقاءات الثقافية في المغرب و خارج المغرب. بهذا المعنى أكون قد أجبت على سؤالك بالقول أن الصدى مازال يتردد. نبيل عيوش أخرج مؤخرا فيلم "ماي لاند" عن اليهود هل تحول الموضوع الى موضة؟ فيلم نبيل عيوش لا يشبه فيلمي فالرجل سلط الضوء على الصراع الفلسطيني الاسرائيلي من زاوية نظر اللاجئين أما أنا فتناولت تاريخ اليهود الممتد في المغرب منذ ثلاثة ألاف سنة. ذكرت جوائز الفيلم خارج المغرب ماذا عن قلة الاحتفاء به على مستوى الداخل، هل احتاط الناس من تناولك للتاريخ العبري بالمغرب؟ أبدا، لقد حصلت على جائزة أحسن فيلم في مهرجان "السينما و حقوق الإنسان" الذي ينظمه السيد عمر اللوزي بالعاصمة الرباط كما حصلت في مهرجان الناظور على جائزة الجمهور و كذا جائزة لجنة التحكيم.. دعني أقول لك أن الفيلم جعلني أكتشف فخر المغاربة بالمكون العبري لأنهم شاهدوا من خلاله يهودا لم ينسوا المغرب و لم ينسوا تراثه و لغته والحنين الذي يشع من عيونهم و هم يتكلمون بالامازيغية والدارجة. هذا الفخر مترجم أيضا على مستوى النصوص القانونية حيث يعتبر المغرب البلد المسلم الاول الذي يشير صراحة الى المكون العبري كجزء من هويته المتعددة على مستوى الدستور. بالحديث عن النصوص القانونية، ما رأيك في مقترح القانون الذي طرحته فعاليات مدنية لتجريم التطبيع؟ مقترح القانون هذا فضيحة بكل المقاييس و طروحات أصحابه شعبوية و ديماغوجية و هم يحاولون الظهور بمظهر من تتملكه الغيرة على فلسطين أكثر من الفلسطيين أنفسهم، أضف الى أن في بنوده وصاية على اختيارات الناس و نظرتهم للأشياء فأنا أرى أن وضعي كمخرج و مبدع، مثلا، يتهدده الخطر لأن مجرد إنتاج فيلم و عمل فني يتناول اليهود قد يؤول على أنه تطبيع وجب تجريمه. لماذا تعترض على مقترح مدني يتوخى تجريم التطبيع مع دولة مستعمرة؟ أنا أعترض على مقترح يمارس الخلط بين اليهودية و إسرائيل و بين اسرائيل المعترف بها أمميا و اسرائيل المستعمرة كما أعترض على قانون يدعوا الى مقاطعة مليون يهودي مغربي مقيم بالخارج بما فيها دولة اسرائيل و كذا عشرون بالمائة من المواطنين العرب الاسرائليين، عرب و مسيحيين، و لا تنسى المس الخطير الذي يمكن أن تسببه مبادرات من هذا النوع للمصالح الحيوية المغربية الاقتصادية منها و السياسية.. فهل اطلع هؤلاء على دور اليهود المغاربة في الدفاع مغربية الصحراء و الصورة التي يتمتع بها المغرب بوصفه بلدا ذو دور تحكيمي؟ لماذا لا تصدر عنك مواقف واضحة ضد الاستعمار الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية؟ دفاعي عن الثقافة العبرية والدعوة للحوار مع الاسرائليين لا يعني التغاضي عن القضية الفلسطينية العادلة. بمعنى؟ مثلا انأ مع مقاطعة المنتجات القادمة من المستوطنات الاسرائلية المبنية فوق الأراضي الفلسطينية كما لا أخجل من دعم حق الفلسطينيين في حق إنشاء دولتهم على أراضيهم ومناهضة السياسة الاستعمارية التي يتأذى منها الأبرياء بشكل يومي وفي الوقت نفسه أقول أن اسرائيل دولة معترف بها من طرف الأممالمتحدة سنة 1948 وأن محمود عباس أبو مازن، رئيس السلطة الفلسطينية يتقاسم الطاولة مع ممثلي هذه الدولة. متى ستقوم بمبادرات تجسد ما عبرت عنه حاليا من مواقف اتجاه القضية الفلسطينية؟ عندما يقوم أصحاب مرصد مناهضة التطبيع بمبادرة لإدانة آلة البعث التي تقتل الأطفال في سوريا و تترك الأمهات جوعى تحت صقيع مخيمات اللجوء وينتقل هؤلاء الواقفون وراء كتابة هذه النصوص الغبية والظلامية من مرحلة الكلام إلى مرحلة بناء المدارس والمستشفيات في غزة مثلا. يبدو أن مشكلتك كبيرة مع الإسلاميين لدرجة وصفك لهم بالظلامية؟ لا مشكلة لدي مع التيار الإسلامي بما فيهم السلفيين و أنا استغل حواري معك و من خلالك هسبريس للدعوة إلى التحاور معهم، فأنا أحترم الناس وإن كنت لا أتفق مع أفكارهم، لكني أرفض أن أعيش تحت حكم الشريعة كما هو الحال في إيران أو السعودية حيث الفرق الأمنية الدينية تنغص حياة الناس و تحد من حرياتهم.. فهذا ليس إسلامي الذي عرفته في المغرب ولا يشبه ثقافتي التي علمتني أن ديننا منفتح.. المهم هو التناظر و تطارح الأفكار بدل رمي الناس بالفتاوى ودعوتهم للامتثال و السكوت. حدثني عن مشروعك الوثائقي القادم.. كان فيلم "صدى الملاح.." إطلالة على التاريخ أما فيلمي القادم فهو عن الإسرائيليين الجدد و الذين ينتمي آباؤهم أو أجدادهم للمغرب حيث يصور الفيلم حياة مغنية إسرائيلية تعيش في القدس والدها من تنغير وأمها من الدارالبيضاء و تغني الربرتوار المغربي لكل من زهرة الفاسية، سامي المغربي، سليم علالي و ريموند البيضاوية.. أجد أن طريقتها في العيش فيه إعادة اعتبار لهذا الموروث الثقافي كما أنها نموذج يجسد التعايش بين مكونات ثقافية مختلفة فقد غنت هذه الفنانة للمرة الأولى بالمغرب بمناسبة مهرجان "أندلسيات" بالصويرة كما غنت مع فرقة القدس.. للإشارة فهي إسرائلية تعتبر نفسها مغربية أولا و تحلم بجواز سفر و بطاقة تعريف مغربيين و تتمنى الإقامة بالمغرب و الالتقاء بفنانين مغاربة من أجل تطوير أدائها. هل حولت موضوع اليهود الى أصل تجاري؟ مهنتي الأصلية هي التأريخ ودافعي في إنتاج فيلمي الأول هو كوني ابن تنغير و أردت أن أظهر جزءا من تاريخ بلدتي أما الهدف من مشروعي الجاري فهو مساعدة جيل جديد من الإسرائيليين يبحث عن ربط العلاقة مع ثقافته المغربية الأصلية. كونك أستاذ تاريخ لا يمنعك من تنويع المواضيع في أفلامك.. بالضبط، فلدي عدد من المشاريع المرتبطة بالامازيغية وما يشغلني عموما هو إبراز الهوية المغربية المتعددة و تسليط الضوء على هذا التنوع الثقافي و ألهوياتي ضد مشاريع ظلامية تريد حشر المغرب في بعد أحادي يختزل كل غنانا في كوننا عرب ومسلمين وفقط.