مع بزوغ فجر ذلك اليوم، سيهرول التلاميذ نحو أقسامهم ليجدوا السبورة السوداء التي تكسو الحائط العتيق مزينة بحروف متناثرة هنا و هناك، تتعانق لتعلن عن اليوم الموعود: العاشر من دجنبر: اليوم العالمي لحقوق الإنسان...، حينها سيبدأ الأستاذ حديثه المطول عن دولة الحق و القانون و المدينة الفاضلة لأفلاطون، و يهيم جيل المستقبل في أضغاث أحلام لا جذور لها في أرض الواقع. في ذلك اليوم، ستنتفض مواكب الأحرار و تواصل دأبها نحو الحصول على حقوق أقرتها منظمات عالمية وصادقت عليها الدويلات الباهتة، ستقف أمام المؤسسات الإدارية لتتلقى القمع و الإهانات فقط لأنها هتفت عاليا: "أريد وطنا أعاشر فيه الحرية بالحلال !" فقط في هذا اليوم، سيهرول الطغاة نحو منصات خطبهم التي انتصبت فوق جماجم المستضعفين، سيتحدثون و يتحدثون، لساعات طوال، و يرددون مجددا خطابات مرت عليها عقود دون أن يتغير فيها شيء باستثناء تاريخ اليوم. سيأخذ الجلادون يوم عطلة تكريما للأسرى في السجون، و يتجهون نحو ساحات التحرير حيث المتظاهرون يحتشدون، ليستمتعوا بالتهام سياطهم لنقاء الصدور العارية، فمثل هذه الوجبات الدسمة لا يحظون بها دوما على مائدة التعذيب، و هي غنائم لا يفوزون بها إلا في مثل هذه المناسبات و الأعياد. في هذا اليوم بالتحديد، سيقوم صانعوا القنابل النووية ليدعوا العالم إلى السلام و ينددوا باستعمال الأسلحة المحظورة عالميا كوسيلة لتهذيب الشعوب المتمردة، و حولهم سيصفق حاملوا المدافع و صناع الأسلحة. و في نفس هذا اليوم، سيبقى وطني حزينا، غريبا، يشاهد مسرحية الكذب والنفاق التي تتكرر كل عام، و يتمعن في قصص ضحايا قانون حقوق الإنسان الذين ما زالوا يتعثرون في سبيل الحصول على الحق في الحياة، و يحلمون بيوم يسمعون فيه تغريد البلابل بدل الأصوات الملوثة بهدير المدافع... عجبا لكل هؤلاء، يلوثون البيئة و يؤسسون شركات لإعادة تدوير النفايات، يمتصون خيرات الشعوب ثم يتصدقون عليهم ببضعة أطنان من القمح كمساعدات إنسانية، يقتلون الأبرياء ثم يؤسسون مجالس الأمن ليتدارسوا فيها عواقب الحروب..، و في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، ينسلخون عن جلدتهم الوسخة، و يرتدون ثوبا ملائكيا أبيض ليلقوا به خطابا تزينه أسمى عبارات الحب و الإنسانية و السلام... لا تعجبوا أيها السادة، إنه واقعنا، أو بالأحرى الواقع الذي صوره أحمد مطر بقوله:" رأيت جرذا يخطب اليوم عن النظافة، و ينذر الأوساخ بالعقاب، و حوله يصفق الذباب! "