بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    وزير الخارجية الأمريكي يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 16 جنديا و8 مسلحين في اشتباكات شمال غرب البلاد    "سبيس إكس" الأمريكية تطلق 30 قمرا صناعيا جديدا إلى الفضاء    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء        تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل لنا مجتمع مدني؟
نشر في هسبريس يوم 07 - 11 - 2008

الشعوب وسلطة الدولة التي يجمع " الحاكم " كل خيوطها بين يديه " كعروسان " بمجرد انقضاء شهر العسل تتغير نظرة كل منهما نحو الآخر . تنتهي مرحلة اللطف والوداعة والاستعداد اللامشروط للتضحية من أجل الآخر ومن أجل مستقبله ، قد يردد أحدهما :<< أفديك بالروح بالدم >> ، << خذ عيوني ، خذ قلبي >> ، << أنت وبعدك الطوفان ، لاحياة بعدك!>>. تفسير الحب الذي يحدث بين " الحاكم " وبين شعبه على منوال ماسبق ذكره ، يمكن معاينته عن قرب في العشق القائم اليوم بين " أوباما" .ولنقل حتى " ماكيين" ، كان له جمهور عاشق وإن كان العشق " لباراك أوباما" أعمق وأشد من عشق " ادجون ماكين " . العشق اليوم في أوجه ، كثر العشاق والمناصرون ، بل تعدد كذلك أولئك المتبرعون بالمال من أجل " حملة أوباما" والذي مكنه كرم العشاق من الاستغناء حتى على الدعم الرسمي المقدم من طرف الدولة والتي سيكون زعيمها في 20 من يناير المقبل . لا ننسى بأن نفس هذا الشعب " المغرم " بأوباما" سبق وأن كان مغرما " ببوش الإبن" صاحب التاريخ الفريد ، والذي ابتدأ ولايته " بأزمة العراق " وأدخل العالم في دوامة مدوخة ، وأنهى ولايته " بأزمة مالية " أدخلت العالم من جديد في دوامة ستصبه بالدوار والركود . وكأنها قاعدة وجود ، يعشق الحاكم "حكم" شعب ثم يمل تسيير شؤونه بعدما تتضح له صورة ذلك الشعب المغالط ، المركب . وإما يكره الشعب طريقة أداء ذلك " الحاكم " فيجبره على التخلي على السلطة إما بواسطة صناديق الاقتراع ، وإما بالقوة والانقلاب عليه وكما يحدث في البلدان التامية. ""
مشكلة الحكم مسألة معقدة ، و قيام سلطة تشرف على تسيير وتدبير شؤون جماعة ، ترتبط تاريخيا " بالقوة ". الذي يسود ويحكم هو الذكي ، القوي عضليا ، القوي بعصبيته ، القوي بماله على مستوى القبيلة ثم على مستوى التجمعات الكبيرة حيث نشأة " السلطة المركزية " التي تسير شؤون شعب . .فمفهوم الدولة ارتبط تاريخيا بمظهر المدنية اليونانية والامبراطورية الرومانية . هذا المفهوم الذي لم يستعمل بمعناه الحديث في اللغة السياسية إلا ابتداء من القرن السادس عشر . ولعل أقدم نظرية في تفسير الدولة هي النظرية " الثيوقراطية " والتي تجعل من الدولة " فكرة" دينية ، وتجعل من الحاكم صاحب " الحق الإلاهي " في حكم الشعب ، يعلو ولا يعلى عليه ، منزه لا ينازعه أحد في سلطته . مثل ذلك كان " فرعون" الحاكم والإلاه. مع تطور المجتمعات ، تطور مفهوم الدولة كذلك في نظرية " العقد الاجتماعي " على يد " هوبز 1558-1699 " ثم الفيلسوف الفرنسي " جون لوك 1612-1804" فجان جاك روسو 1712-1778" ومؤداها أن الشعب هو من يختار " حاكمه " بالتوافق والتنازل عن بعض الحقوق " لهذا الحاكم" ،الذي عليه تطبيق "روح " العقد " المتمثلة في تحقيق " الحرية والعدالة والمساواة " بين كافة مكونات الشعب ، كحقوق طبيعية غير قابلة للتحريف أو التنازل أو التهميش . والضرب بقوة على كل من يحاول زرع الاضطرابات واستغلال الآخر ظلما لتحقيق مقاصد على حساب حقوق الآخرين . في أفق خلق المجتمع السياسي المدني .
ولقد نجح الغرب في جعل الشعب صاحب السيادة بعد التخلص من سيطرة الكنيسة ، ومن ملوك أوروبا الاقطاعية .وفتح عصر التنوير، والاكتشافات والثورة الصناعية أعين الشعوب ، فقامت تدافع عن حقوق سلبت من الأجداد ، وهي حق للحفدة والأولاد . فما تحقق من حرية ومساواة وعدالة هو نتاج خضوع كل الشعب حاكما ومحكوما " لإرادة القانون" ،التي هي في النهاية سيادة الشعب الضامنة للحرية والمساواة والأمن لمجموع الأفراد ، لمن صغر أو كبر شأنه .
إن تنازل الشعب " للحاكم " والذي تقول به نظرية " العقد الاجتماعي "لم يكن غريبا على الحياة العادية للعرب، فهم لم يكونوا منظرين فحسب ، بل كذلك مطبيقين لها على الواقع . ففي سنة 169ه وبعدما أعلن العلويون الثورة على العباسيين في الحجاز ، انهزم العلويون ففر ادريس بن عبد الله بن حسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب إلى المغرب، هو وصديقه " راشد" ففرح به المغاربة واتصل بزعيم من زعمائهم: عبد الحميد الأوربي فنصره واواه ، واتفقت القبائل : زناتة ، وزاغة، وزواوة، ولواثة، وصدنية، وغياثة، ونفزة، ومكناسة، وأوربة ، فبايعوه ودخلوا في طاعته . على أن يطهر المغرب من الخلافات والمذاهب الفاسدة ، ويجعل من المغرب دولة قوية تمتزج فيها كامل الأعراق و تدين بالإسلام ، سنة 172ه أي مايقارب 751م .وإن كان تنازل القبائل المغربية عن الحكم يخفي وراءه شيئا من النظرية الثيوقراطية انطلاقا من أن المولى ادريس كان من بيت الأشراف . فإنه يحمل في طياته كذلك فكرا مبلورا تقدميا يرمي إلى التنازل عن بعض الحق لمن هو " أهل " وله كفايات السلطة يحقق بها أهداف الأمة " الشعب".
كانت القبيلة :عامة الناس ثم زعيمها ومن يليه فالذي يليه هي الهياكل العتيقة المعول عليها في حفظ الأمن وتحقيق العدالة في ذات القبيلة أو في داخل الدولة . وهي هياكل تختلف فيها الدولة الواحدة عن الأخرى عربيا، والاختلاف كبير جدا مع الغرب في هذا المضمار.حيث لا نجد ضمن هرم السلطة في الغرب ما يسمى " بالمقدم " والشيخ " والقائد " وزعيم القبيلة ، والوجهاء " ورجال البلد " وهم جرا .فهرم الغرب فيما يتعلق بالسلطة في علاقته مع الشعب " مبسط " وغير معقد . هناك داخلية تنتهي عند الشرطة ،أو الدرك لمعالجة الاختلاف أو الإعتداءات مباشرة ، قبل رفعها للقضاء ليبث فيها بكل شفافية وواقعية وصدق لا تحريف للحقيقة . كما أن هناك بورجوازية ، وطبقة عاملة . ولم يكن ما يسمى اليوم " بالمجتمع المدني " ، وإن كانت بداية التنظير له تزامنت مع أول قراءة " لنظرية العقد الاجتماعي "في القرن 16.وإن كان منظراها : "هوبز" و" لوك " يختلف كل واحد منهما عن الآخر في شروط العقد الاجتماعي. حيث كان " هوبز" من أنصار الملكية المطلقة،ولم يعتبر الملك طرفا مشاركا في العقد الاجتماعي حتى تتم محاسبته. بينما " لوك " على العكس من ذلك ، اعتبر " الملك" طرفا داخلا فيه ، ومن تم فإن الملك إن لم يحترم " الحقوق الطبيعية للشعب " ولم يحقق الأمن، ولم يخضع لقانون " للإرادة العامة " التي هي في النهاية سيادة الشعب ، ولم يحافظ على شروط العقد ، يرى " لوك " يجوز لهم فسخ العقد ، لذلك نجد " لوك " يشيد بثورة الشعب الانجليزي سنة 1688 ضد " جيمس الثاني " الذي أخل بالتزامته ولم يطبق شروط العقد الاجتماعي.
الذي قام بالثورة ضد " جيمس الثاني " هو المجتمع المدني الذي بدأ يتبلور يومها. والذي ارتقى في منظوره للمجتمع وللسلطة محاولا إيجاد قواسم مشتركة مع الدولة " السلطة " من أجل حكامة جيدة . ومن أجل استقرار يعم السلطة والمجتمع على حد سواء ، على أساس تجنب العنف للوصول إلى السلطة ،والاحتكام إلى إرادة الشعب عبر الانتخابات الشفافة والنزيهة، وعلى أساس مشاريع تصب في مصلحة الدولة " السلطة " وفي مصلحة المجتمع " كوعاء " يحوي كل المكونات.
بعض البلدان الرائدة والصناعية ، توصف كذلك بدول الديموقراطيات العثيقة ، نظرا للتناغم الحاصل بين المجتمع المدني والسلطة ، والتفاهم حول القضايا المصيرية للدولة " السلطة " وللمجتمع . مازالت تنظر إلى الدول النامية أو الفقيرة على أنها دول "غير راشدة " تحتاج " للتهذيب " ،أي تهذيب السلطة للحد من شموليتها ، وتهذيب المجتمع لخلق مجتمع مدني مسؤول ، نشيط وفعال ، يكون قاطرة للأفراد ،يحملها بفضل المشاريع ، والأفكار ، والابتكارات ، والاهتمامات كقواسم مشتركة إلى فضاء الأعمال الجماعية والجمعوية ، وإلى حيز يشد التكثلات إلى بعضها البعض من أجل الحد من تدخلات " السلطة " وحدتها وشموليتها . لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل في بلداننا العربية هناك ما يسمى " بالمجتمع المدني " ؟ وإن كان ،هل يقوم بدوره وكما هو مطلوب منه ؟
لا ريب بأن الساحة العربية لا تخلو من وجود "مجتمعات مدنية " ، فوجود نقابات مهنية ، ومنظمات غير حكومية ، وجمعيات ، وتنظيمات ببلد ما، يعبر عن وجود " مجتمع مدني " ،والذي يستهدف الدفاع عن الديموقراطية ، والعمل على تطوير آلياتها من أجل خلق مناخ اكثر ثقة بين الحاكم والمحكوم، وبين أفراد المجتمع . اعتمادا على ألية التضامن ، والتضحية بعيدا عن تدخلات الدولة ، أو أهداف جني الأرباح.
ومن بين الأهداف التي يعمل المجتمع المدني على تحقيقها : الحد من تجاوزات الدولة العقابية أو القانونية ، العمل على الحد من عوامل التغيرات المناخية ، تشجيع المواطن على المشاركة في الحياة العامة ، منح فرص من أجل بزوغ ممثلين جدد ، وزعماء جدد ، فتح أوراش لنقاش هادئ حول القضايا المصيرية ، المساهمة في محاربة الأمراض والفقر ، والتفاوت الطبقي ، الدفاع عن الثروات والانتاج والصادرات الوطنية ، والمال العام ، وتقييم الأداءات الأسرية ، والثقافية ، والدينية ، والعدلية ، والوقوف على مدى احترام " القانون " من طرف كل المتدخلين. فهل في ساحتنا الوطنية شيء من هذا وحتى نستطيع القول بأن لنا مجتمعا مدنيا ؟
الحقيقة، وبكل موضوعية هناك على الساحة مكونات من " المجتمع المدني " ،ولكنها مكونات باهتة ، غير ناصعة ، ولا جذابة ، إن لم نقل غير صادقة ولا هادفة.تتقرب إلى "السلطة" ولا تسعى لمواجهتها للدفاع عن المجتمع .حتى وإن كانت الدساتير تعتبر بأن السيادة للشعب يمارسها عبر " المنتخبين" فإن هؤلاء النواب يطلقون بالثلاث المجتمع المدني ، والذين انتخبوهم لتتزوج بهم " السلطة وتحتضنهم بالدفء والمال والامتيازات، وهي الشروط التي لا تتضمنها قاعدة المجتمع المدني ، الذي يجب أن يكون بعيدا عن الدولة ويعمل بحرية، ولا تتدخل في شؤونه الواقعية والتي " لاشك " أنها من أجل مصلحة المجتمع. فلو تحدثنا عن النقابات المهنية ، فهي موجودة كشركاء للدولة " للسلطة " ولكن ليس كتمثيلية للعمال وللموظفين وكما تتم التمثيلية في الغرب . هي في برجها العالي "الفوق!!؟؟" ، ليس لها أي صلة بقاعدتها الشعبية ، عدا الأيام التي تحن فيها " تلك النقابات" لمغازلة الدولة " السلطة " فتدعو لإضرابات تكتيكية " .لقد خسرت الشغيلة الكثير بفعل، إما سوء إدارة ملفات مطالب الشغيلة، وإما لغاية في نفس يعقوب . نفس الكلام على منظمات ، مسؤولة على صحة الشغيلة ، تجني المال الوفير من الاشتراكات ، وتقدم أردل الخدمات . لا وجود لجمعيات أو منظمات تدافع عن البيئة ، لا وجود لجمعيات هدفها توعية المواطن وتوجيهه لنزع حقوقه ، حتى الأحزاب والتي من المفروض أن تساهم في تطور وتأطيرالمجتمع المدني هي محسوبة على الدولة " السلطة " أكثر مما هي محسوبة على المجتمع المدني ، بدليل أن كل الاعانات والدعم تتلقاه من الدولة ، فكيف لحزب أن يقف في وجه " سلطة ما " ليحاسبها أو ليحد من تجاوزاتها وهو غير مستقل ،لا ماليا عنها ولا توجها ؟ . فمنذ السبعينات ،بدأ الصندوق الدولي برنامجه الواسع في التعامل مع آلاف الجمعيات والمنظمات الغير الحكومية وغيرها، والتي تتبنى مشاريع اجتماعية وبيئية وصحية وهلم جرا. وهي سابقة إيجابية تمكن المجتمع المدني من النهوض بالمجتمع الذي يعمل فيه ، و بتعاون مع مجتمعات مدنية على الصعيد العالمي .وما على الجمعيات الصادقة إلا البحث عن آليات التعامل مع المنظمات الدولية بما تتيحه من أدوات ، لتضيف قيمة مضافة للعمل الاجتماعي ،تساهم به للرفع من وعي الفرد بقيمة العمل الجماعي، الذي يرتكز على ما تبتكره الجمعية أو المنظمة الغير الحكومية أو النقابة مساهمة منها في التنمية.
إن الدول التي تعتبر نفسها ديموقراطية وتحقق الحرية والعدالة والمساواة بداخلها ، تحاول أن تكون بطريقة أو أخرى وصية على الدول النامية ، وتعمل ليل نهار من أجل تغيير بعض ثقافتها. فالدعوات التي ترفع من هناك " في الغرب – الحريات ..المعاصرة.. الحقوق ... لا تستطيع الدولة " السلطة " أمر مواطنيها باعتناقها وهي على النمط الغربي ، وحتى لا تخرق " قاعدة السيادة " ولكن تخلق المنظمة أو الجمعية المناسبة لتمرير مشاريع وتوصيات " الدول الديموقراطية " بداخلها. فوجود جمعيات نسائية ضمن المجتمع المدني المغربي مثلا ، كان المطية لتحقيق العديد من الاتفاقيات التي أبرمتها الدولة" السلطة " مع منظمات عالمية .وهو الأمر الذي يجعل من تلك المنظمات أو الجمعيات " النسائية كمثال فقط" أدوات في يد الدولة " السلطة" لتحقيق مآربها، ولو استشير " الشعب " في العديد من القضايا المستوردة ، والغريبة عن الواقع ، لرفضها. هناك جمعيات ومنظمات غير حكومية ولكنها مسؤولة وغير مستقلة ماديا ولاتأطيرا ، عن " السلطة"-الشيء الذي يتناقض مع روح أهداف " المجتمع المدني الحقيقي " وليس البديل له الموجود كما نراه . فالمجتمع المدني يثوق للمصلحة المواطن والوطن أولا وأخيرا . على اعتبار أن المجتمع المدني هو سلطة ضد " السلطة " contre pouvoir وحتى لا تعرض ثقافةالمجتمع ولا دينه ولا هياكله الأساسية ،التي تضمن استمراريته للتحول السلبي .فالمجتمع المدني يحول والتحول إلى ما عليه الغرب من جميل وقبيح من الطباع، والعادات والثقافة ." لكم دينكم ولي ديني " .
نعم نحن محتاجون لعلمهم ، لاستثماراتهم ، لمساعداتهم ، لبعض السلوكات: الانضباط في العمل، الاستقامة ، المحافظة على الأمانة الأخلاقية والاقتصادية والسياسية . لكن لسنا مستعدين للتضحية بديننا مثلا ، ولا أسسنا الاسرية من أجل عيون الغرب . إن الدولة لا تستطيع بالمكشوف مطالبة الناس مثلا بالصلاة لأنهم مسلمون، وأن لا يتحولوا للنصرانية ( وحتى لايشم في النهي عداء للنصرانية، على قاعدة حرية الأديان)، وليس باستطاعتها دعوة المنحلين من الشباب بعدم اتباع الغرب ومحاكاته ، وليس بإمكانها تحريم بناء الكنائس ولا المراقص فوق أرضها ، لأنها إن فعلت ستكون" دولة منغلقة" ، ولكن بإمكان المجتمع المدني أن يقوم بذلك الدور دون أن يتلقى تعليمات من " السلطة" لأن دوره الوطني يحتم عليه ذلك .مايجب فقط ،حسن النية وتوفر الثقة المتبادلة بين المجتمع المدني وسلطته . هما الإ ثنان " لاعبان" ،الدولة في علاقتها مع الدول الأخرى " بدبلوماسيتها الفعالة،الذكية لجلب الخيرات "، والمجتمع المدني من جانبه يستفيد من تلك الخيرات وهو يحافظ على كيانه ، وثقافته ، وأسسه . ماذا لو بنيت المراقص " للناصرى ؟ فنحن كذلك نبني عندهم المساجد . الذي يجب هو أن يدرك المغربي أو العربي أن تلك " مراقصهم " ولنا مساجدنا " وحتى نحافظ على أنفسنا من التدجين وحتى لا نبقى بدون أخلاق ولا ثقافة ولا دين ، ولن ترضى عنا " التصارى" ولو بعد كل ذلك ...
مسك الختام ، إن الأمية ، والفقر ، والتبعية العمياء ، والانبهار بمنجزات، واختراعات ، وطرق عيش الغرب ، تساهم بشكل سلبي في مجتمعاتنا المهزوزة والمهزومة ، إضافة إلى شره الاقطاعيين والبورجوازيين اللاوطنيين والذين لم يزيدوا الطين إلا بلة . والعالمون بوضعيات الأسر محليا على الأقل ، مدركون أننا نتأخر بدل أن نتقدم ، لقد ضاع منا الحياء ، والحب الأخوي ، والتكافل ، والتعاون ، والقناعة ، والطمأنينة . فأصابنا الثكاثر ، والتنافس ، والقلق ، والهجر ، وتفشى بيننا الحسد والحقد والتآمر والسرقة والتحايل أكثر مما كان قبل 40 سنة تقربا ، وبات شباب اليوم أكثر ذكاء لكن أكثر شحا على مواطنيهم وأسرهم ، مالا وفكرا .، بينما أصناف أخرى مالت كل الميل للمحرمات ، وعادات الغرب ، والاتكال على الغير.
تلك فقط بعض المؤشرات التي توضح الشرخ الدامغ بين أفراد المجتمع . والذين أصابتهم الفردانية في الصميم . وليس لهم من مخرج إلا قيام مجتمع مدني يقوده الوطنيون الغيورون ، والمثقفون الحقيقيون من أجل إعادة ترميم مجتمعنا المغربي الذي يتآكل يوميا من الداخل . فهل سيكتب للمجتمع المغربي ضمن تاريخه ، قيام مجتمع مدني حقيقي ، حيث تلتزم السلطة وكل أطياف المجتمع المدني بشروط تحقق المساواة والعدالة والحرية في ضوء احترام الثقافة والدين والأصالة المغربية العميقة بمعية وبتواز مع معاصرة تحافظ على المكتسبات ، وتطور القدرات من أجل مغرب عربي ،مسلم وقوي بمجتمعه المدني و" سلطته " الوطنية ، ومؤسساته التربوية والاقتصادية والثقافية التي تسير في تناغم كمحرك واحد ، نحو الأهداف والمرامي التي تحقق الكرامة والرخاء للجميع . " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون " صدق الله العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.