عاد موضوع الاكتشافات النفطية في المغرب إلى التداول على نطاق واسع في الآونة الأخيرة، لكن هذه المرة بشكل جدي يتجاوز التكهنات التي كانت تتردد بين الحين والآخر في الأعوام الماضية. فقد عقدت كبريات الشركات الدولية للتنقيب عن النفط والغاز اتفاقيات مع المغرب وشرعت في العمل، وتقول شركة"ستايت أويل"الأمريكية إن الاكتشافات النفطية في شرق كندا تشجع على احتمال وجود النفط في المغرب بسبب تشابه الصفائح الجيولوجية في البلدين. لكن، هل يمكن للمغرب أن يغامر بالسماح للشركات الأجنبية بالتنقيب عن النفط في وقت تعيش قضية الصحراء حالة اللاسم واللاحرب، أو بالأصح اللاحل واللاحرب؟ وهل كان الملك محمد السادس يقصد عزم الدولة على المضي قدما في الاكتشافات النفطية عندما قال في خطابه بمناسبة افتتاح دورة أكتوبر البرلمانية قبل أسابيع بأن "الوضع صعب والأمور لم تحسم بعد ومناورات خصوم وحدتنا الترابية لن تتوقف مما قد يضع قضيتنا أمام تطورات حاسمة"؟، الخبراء الأوروبيون يقولون بأن مجرد الإعلان عن اكتشاف النفط في المغرب يعني انتقال نزاع الصحراء إلى مرحلة حاسمة، لأن الجزائر بشكل خاص لن تقف مكتوفة الأيدي. لكن لا بد من قراءة هذا التوجه المغربي من زاوية التاريخ والجغرافيا. كثيرا ما نظرنا إلى نزاع الصحراء بين المغرب والجزائر على أنه تعبير عن خصومة تاريخية بين البلدين، وهذا صحيح، لكن الخصومة السياسية بدون سند اقتصادي مجازفة رعناء، ولذلك فإن الدور الذي لعبه النفط والغاز في تحديد السياسة الجزائرية في المنطقة والقارة الإفريقية يشبه الدور الذي يلعبه الخنجر في حزام البدوي الذي يريد أن يعبر الخلاء، بدونه لا يستطيع أن يغامر بالسفر وحيدا. وواحد من أسباب عداء النظام في الجزائر للمغرب هو النفط، فالصحراء تعني النفط، والنفط يعني الثروة، والثروة اليوم هي السلطة والنفوذ، ولهذا فإن تعطيل الجزائر للحل في الصحراء يعني تعطيل ولوج المغرب إلى نادي البلدان النفطية، أو إعاقته. جانب من التردد الذي ظل يتسم به موقف الدولة من الاحتمالات شبه المؤكدة بوجود الذهب الأسود منذ سنوات عدة مرده التردد الذي تتسم به مواقف الدول الكبرى من نزاع الصحراء. لا يمكن للمغرب أن يسمح بفرص ثمينة للشركات الأوروبية والأمريكية في التنقيب عن البترول في الوقت الذي تحافظ فيه حكومات هذه الشركات على مواقف مراوحة من النزاع. هذا يعني أن لدى هذه الشركات دورا سياسيا لا بد أن تنهض به قبل أن تمر إلى الدور التجاري. ففي كل مرة يجد الطرف الآخر من يصدقه فتجمع الشركات الأجنبية عتادها تحت طائلة "عدم احترام" عمليات التنقيب للقانون الدولي، ليجد المغرب نفسه في نقطة البداية: إذا كنت تريد النفط عليك أولا بحل نزاع الصحراء. لكن التطورات الجديدة في منطقة شمال إفريقيا ربما أصبحت تملي على المغرب أن يتوجه بنفس النصيحة إلى العواصم الأوروبية المؤثرة في القرار الدولي: إذا كنتم تريدون النفط عليكم أولا بالمساعدة في حل نزاع الصحراء. وتقول مجلة"فوربس"الأمريكية ذائعة الصيت إن الفرص متاحة أمام المغرب لكي يصبح من البلدان النفطية، بسبب الوضعية العامة في المنطقة التي تعيش اضطرابا غير مسبوق، بسبب الاقتتال في ليبيا ومؤشرات الأزمة الاقتصادية في الجزائر، وهي وضعية تؤشر إلى انقلاب في"الخارطة النفطية" بالمنطقة، مما يشجع المغرب على التقدم نحو الواجهة باعتباره أكثر بلدان المنطقة تمتعا بالاستقرار، وفتح أذرعه لشركات التنقيب. ليس من المجازفة القول بأن الإعلان عن اكتشاف النفط، وقتما حصل، سوف يكون في حجمه حدثا شبيها بما حصل يوم 6 نوفمبر 1975، فصلا جديدا في تاريخ الصحراء. لكن إذا كانت المسيرة الخضراء قد قلبت معادلة السياسة، فإن اكتشاف النفط سوف يقلب معادلة الاقتصاد، الذي يقلب السياسات. فهل تتحقق مقولة الحسن الثاني"الخير كله يأتي من الصحراء، والشر كله يأتي من الصحراء"؟.