"بعيدا عن المزايدات السياسية التي يريد البعض الترويج لها، نواصل مطالبتنا بتعجيل تقنين زراعة القنب الهندي (الكيف) دعما للفلاح البسيط، في خضم النقاش الذي تحضى به هذه الأطروحة لدى أوساط شعبية واسعة وتفاعل عدد من جمعيات المجتمع المدني وساكنة ملسوعة بالواقع اليومي. تلقيت مكالمة من أحد المواطنين بغفساي، في إقليمتاونات، يخبرني أن أحد أعوان السلطة " شيخ بدوار تايت فراح" قد تم القبض عليه في واضحة النهار بمقر قيادة بني زوروال، وقد بلغ من الكبر عتيا، عن سن تفوق السبعين 70، بتهمة زراعة الكيف. خلال سنة 2009، إثر شكاية مجهولة، جرى تحقيق في الأمر، إلى أن أزفت الآزفة وتم القبض على عون السلطة على مرآى ومسمع من رؤسائه أو على الأقل في مقر القيادة، وهنا لا يفوتني أن أحيي الخطوة الشجاعة التي نهجها زملاؤه. كما أنه لا يسعني إلا أن أتساءل، ومعي طبعا، كل من يعيش في المنطقة ويرى الحقائق عن كثب: هل الجهات المعنية تحتاج لشكاية مجهولة أو وشاية كاذبة لتحقق في مثل هذه النوازل، أي زراعة القنب الهندي بكل من إقليم الشاون وكتامة في إقليمالحسيمة ودائرة غفساي بتاونات؟ أؤكد لك السيد رئيس الحكومة أن كل الأسر، عدا النزر القليل منها، تتعاطى لزراعة الكيف، وفي كل الحقول تصل قامته إلى طول الإنسان وتخترق رائحته الخياشم التي تصل كل البيوت وتتحدى الجغرافية بعيدا، على مرأى ومسمع من الجميع، من سلطات ودرك ووووووووووووو. إذا كانت كل هذه الجهات تنتظر فقط شكايات مجهولة للشروع في التحقيق، فأنا أقولها بملء فمي وعلنا ودون ضرورة اللجوء إلى إخفاء الهوية أو المجهول: كل هذه الساكنة، بصفتها مزارعة تتعاطى لزراعة الكيف. الآن وقد أسمعت هذه الكلمات كل من به صمم، أنطلق معكم السيد رئيس الحكومة إلى الخطوة الثانية وأسائلكم بصدق: إذا أردتم، ستشكل تنسيقية في هذه المناطق تحث كل الساكنة، أي الفلاحين ليسلموا أنفسهم لمراكز الدرك الملكي توفيرا لكل مجهود قد يبذل، فقط هيئوا سجونكم لاستقبالهم بالآلاف الحاشدة ولتتكفلوا بإعالة الباقين في البيوت من نساء وأطفال وشيوخ. أو تفعلوا كما فعلتم مع من نهب ثروات هذا البلد وهربها إلى الخارج: "عفا الله عما سلف"، مع البون الشاسع بين الملفين والقضيتين. كل السيناريوهات مطروحة أمامكم، بعيدة عن كل المزايدات. ستمتثل الساكنة لقراركم، السيد رئيس الحكومة إذا طلبتم أن يصطفوا طوابير على امتداد كيلومترات لأنهم كلهم فلاحون بسطاء لجؤوا لزراعة القنب الهندي، الذي شكل مصدر عيشهم الوحيد، في ظل غياب تام لإستراتيجية تنموية حقيقية للدولة المغربية ولحكومتكم والتي سبقتها أيضا، لتجاوز عتبة الفقر والعيش الكريم في ظل دولة الحق والقانون والسقف الذي يؤمنه دستور 2011. تقنين زراعة القنب الهندي هو مطلب عاجل لهذه الساكنة أو إيجاد بديل حقيقي للتنمية بعيدا عن مفهوم "الهبة والصدقة"، فالكل في هذا الوطن يتحدث عن التضامن والمساعدة و....ونحن نريد تفعيل مفهوم " الحق"، الحق في العيش الكريم، الحق في الشغل، الحق في التعليم، الحق في التطبيب...، الحق طبعا مقابل الواجب. دواوير بأكملها، نائية في منطقة الريف وجبالة تعيش في رعب يومي؛ منهم من صدرت في حقه مذكرة بحث ومنهم من ينتظر قابعا في صقيع الغابة. تعيش الساكنة تحت رحمة " سماسرة الأزمات" الذين يتدخلون لدى جهات معنية ومعروفة، بعمولات خيالية حتى يتم إطلاق سراح فلان أو عدم حرق مزارع فرتلان، وأؤكد لكم السيد رئيس الحكومة بأن الأمر معروف ولا يشكل سرا لأحد وليس في حاجة لشكاية مجهولة من أجل إيصاله وإيضاحه. وليس من باب النكتة، السيد رئيس الحكومة، إذا قلت لكم أنني حينما كنت أْدرِّس في غفساي منذ سنوات وحان وقت تجديد مكتب جمعية الآباء، قام أحد المسؤولين مخاطبا الحضور: " إذا كان أحكم " روشيرشي" أي مبحوث عنه، فلا يقدم ترشيحه لأنه سيضطر للمصادقة على بعض الوثائق وقد يلقى عليه القبض في تلك الإدارة"؛ طريفة أخرى أوردها: جاءني أحد المواطنين من أحد الدواوير يضع يده على أمعائه المنفرطة إثر طعنة بسكين في خصام حول ري حقول الكيف مع أحد المزارعين، وبعد تلقيه للعلاج والإسعافات الأولية في المستشفى المركزي بغفساي وحصوله على شهادة طبية تثبت عجزه، أردت أن أصطحبه إلى مركز الدرك لتقديم شكايته، تراجع مفزوعا وقال لي:" لا أستطيع لأنني روشيرشي، وسيلقى علي القبض إذا ذهبت عندهم برجلي". هذا فيض من غيض السيد رئيس الحكومة من معاناة ساكنة هذه المناطق مع زراعة " العشبة" وهنا لا يفوتني أن أذكر بعمر بن الخطاب وهو يقول:" لو أن بغلة في العراق تعثَّرت لخفت أن أسأل عنها لِمَ لَمْ أسوِّ لها الطريق". وبالتأكيد السيد رئيس الحكومة هذه الساكنة تنتظر منك حلا لمعضلتها. وفي إطار دفاعنا عن تقنين زراعة القنب الهندي، ندين بشدة المخدرات واستعمالها واستهلاكها ونجرم من يروجها ويفتك بفلذات أكبادنا. ندعو كل الضمائر الحية والغيورين على هذا الوطن للتصدي لترويجها في كل الأماكن وأمام المدارس وغيرها، ومحاربة الظواهر التي أنتجتها وأصبحت تفتك بالمجتمع المغربي في تغيير سوسيولوجي خطير وغير مسبوق من ارتكاب للجريمة وقتل واغتصاب للمحارم والأطفال ورذيلة يهتز لها عرش الرحمان غضبا، اللهم إنا نبرأ إليك من كل هذه الموبقات. فإذا تدخلت الدولة وتكلفت بتقنين زراعة الكيف، ستتحمل مسؤولية استغلاله في الصناعات الطبية وغيرها وتفرض ضريبة على إنتاجه كما هو الشأن بالنسبة للخمور المستخلصة من العنب. الأمر بالنسبة لهذا الأخير يعتبرونه طبيعيا لأن منتجيه وحماته من الأقوياء والنافذين والوجهاء الكبار، بينما يستمر الحديث عن الكيف طابوها لأن منتجيه فلاحون صغارا بسطاء لا صدى لوجعهم. الدفاع عن حقوق هذه الشريحة من الفلاحين البسطاء إنما هو حماية لهم من أباطرة المخدرات الذين يسرقون مجهودهم ويشترون المنتوج الفلاحي بثمن بخس ليتاجروا هم فيه بالملايير كمخدر سامّ. لو استعملت الأموال التي يقدمها الإتحاد الأوربي للدولة المغربية من أجل محاربة زراعة القنب الهندي في مشاريع تنموية حقيقية بعيدا عن " إعطاء ومنح الصدقة" من معزة وبقرة عجفاء وشجرة لن تؤتي أكلها إلا بعد خمس سنوات أو أكثر، لكنا قد نهجنا الطريق السوي لتنمية محلية حقيقية بعيدا عن المقاربة الأمنية والزجرية المبتورة وتنعم المنطقة باستقرارها وأمنها. الملف مطروح على أنظاركم السيد رئيس الحكومة وعلى كل المسؤولين في هذا الوطن لتتحملوا مسؤوليتكم التاريخية، ولكننا واثقون من أن الحق سينتصر. تعود بي الذاكرة إلى سنة 1999 خلال أحد اجتماعات المكتب التنفيذي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب برئاسة عبد الرزاق أفيلال آنذاك وأنا أدافع عن حقوق المهاجرين جنوب الصحراء الذين كان يتم القبض عليهم وهم في طريقهم إلى " الإلدورادو الأيبيري"، ثم إلى اجتماع آخر مباشرة بعد صدور قانون الهجرة ودخول الأجانب إلى المغرب 02/03 ، إذ قال لي الكاتب العام للنقابة: " راكي غالطة، ميمكنش نخليوا هاد الناس عندنا وحنا عندنا البطالة كذلك"؛ ذكرته أن الخطاب نفسه يردده لوبان الفرنسي وراخوي في اسبانيا آنذاك وهم يدعون بأن المغاربة يحتلون أماكن شغل اليد المحلية. لم يكن الأمر صحيحا، فالمغاربة اشتغلوا في قطاعات لم يكن الأسبان يقبلون بولوجها، الأمر نفسه ينطبق على الأفارقة جنوب الصحراء في المغرب، بدورهم يقومون بأعباء لا يقبلها المغاربة، لأن الهجرة في الواقع تخضع لمنظومة العرض والطلب، حتى وإن كان في قطاعات غير مهيكلة وبأقل تكلفة وانعدام للحقوق. واصلت نضالي من أجل هذه القضية الإنسانية معية مجموعة من الأسماء في الفضاء الجمعوي وجمعيات حقوقية أخرى ذات الصلة، وكذلك بالبحث الأكاديمي والمشاركة في اللقاءات المكثفة والغنية التي كان ينظمها من حين لآخر مجلس الجالية. وحينما انتخبت نائبة برلمانية لم أتردد في طرح هذه القضية تحت قبة البرلمان واستنكرت المقاربة الأمنية التي تنتهج في حق هذه الشريحة من المهاجرين، فنفى الأمر وزير الداخلية آنداك، محند العنصر وكان رده أقرب إلى الزجر منه إلى التعقيب وهو يدعوني أن أخرج إلى المحطات الطرقية لأرى كيف تنتشر النساء رفقة رضعهن دون مضايقة، وهو ينسى أو يجهل أن القانون 02/03 لا يسمح بترحيل هذه الشريحة من المهاجرات، الحوامل واللواتي لديهن أطفال قاصرون. كان ذلك خلال جلسة 24 يونيو 2013 ومباشرة بعد أشهر بمناسبة الذكرى 38 للمسيرة الخضراء وجه صاحب الجلالة تعليماته للحكومة لبلورة سياسة شاملة جديدة لقضايا الهجرة واللجوء وفق مقاربة إنسانية تحترم الالتزامات الدولية للمغرب وتراعي حقوق المهاجرين. أملنا في هذا الوطن أن يتمتع المغاربة جميعا بحقوقهم بعيدا عن كل تهديد ومس باستقرارهم مهما كان نوعه. وساكنة الريف وجبالة كلها أمل على أن تنعم باستقرارها في إطار تنمية محلية شاملة بعيدا عن كل المزايدات والمضايقات والابتزاز من أي جهة كانت".