عاد الجدل من جديد حول تقنين زراعة القنب الهندي، وبدأت الأحزاب السياسية ،على بعد أشهر قليلة من انتخابات الجماعات الترابية، تتراشق فيما بينها بسببها. في هذا السياق، تحدث شريف أدرداك، رئيس جمعية "أمازيغ صنهاجة الريف"، إحدى الجمعيات العاملة في "ببلاد الكيف"، وكشف ل"اليوم24" دواعي الصراع السياسي حول الكيف، والأسباب التي تجعل شريحة عريضة من مزارعي الكيف يرفضون التقنين المطروح من جانب بعض القوى السياسية. 1- رئيس الحكومة ومن خلاله الحزب الحاكم، يبدو غير راض عن الدعوة إلى تقنين الكيف، في تقديرك ومن منطلق العمل الميداني، والاحتكاك بمزارعي الكيف، هل لذلك من تبرير؟ لقد كانت بلاد الكيف على مدى عقود من الاستقلال تشبه علبة سوداء، لا يعرف عنها سوى أنها منبع للمال الذي تدره زراعة الكيف، وأن كل المنحدرين منها أغنياء. كما أن حالة الخوف والرعب التي يعيشها مزارعو الكيف بسبب "المخزن" وقوانينه جعلتهم يكتمون أسرار معاناتهم خوفا من الاعتقال بتهمة زراعة القنب الهندي، الشيء الذي جعل بعض السياسيين، الذين لا ينحدرون من بلاد الكيف، ولا يمتون بصلة لمزارعي القنب الهندي، يستغلون الفرصة ويتحدثون عن مشكلة الكيف ويسوقون لها حلولا لا علاقة لها بتطلعات المزارعين البسطاء مثل مسألة "تقنين زراعة الكيف" التي يرفضها كل مزارعي الكيف لأنها لا تخدم مصالحهم، لأن هذا التقنين يعني السماح لباقي مناطق المغرب بزراعة الكيف، الشيء الذي سيؤثر في مداخيل المزارعين، ويجعل وضعيتهم المادية تتأزم، علما أن بلاد الكيف تعيش مهمشة ولا تتوفر على أي مشاريع تنموية، إسوة بباقي المناطق المجاورة، والفلاح فيها يزرع الكيف لكي يعيش فقط، أما المستفيد الأول يبقى هو بارون المخدرات الذي يجني الملايين من وراء الاتجارفي هذه المادة. ولهذا، فإن خطاب رئيس الحكومة وحزبه على الرغم من كونه سياسي محض، إلا أنه في الحقيقة واقعي، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار مصلحة المزارعين البسطاء والمنطقة بصفة عامة، فمن حق العدالة والتنمية أن يدخل في تدافع سياسي مع حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال اللذين يلعبان على وتر الكيف، الذي يعتبر المؤثر الأول على نتائج الانتخابات في المنطقة، مستغلين أمية وخوف مزارعي الكيف ليبيعا لهم الوهم بأن مشاكلهم ستحل بمجرد تقنين القنب الهندي، لذا كان لزاما على رئيس الحكومة أن يضع حدا لتلك الاشاعات، التي تدخل في إطار الحملة الانتخابية للحزبين في منطقة يسيطران على مجالسها المنتخبة بسبب أموال الكيف ومنتخبين لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتجارة المخدرات، لأن أغلب المنتخبين في بلاد الكيف (صنهاجة، وغمارة، وجبالة) اعتمدوا على عائدات المخدرات التي تعتبر أهم فاعل في الانتخابات بشمال المغرب. فالمعادلة بسيطة جدا: الفلاح يزرع الكيف فقط ولا يتوفر على مدخول آخر، ينتظر طوال السنة الوسيط الذي يعمل لحساب أحد تجار المخدرات لشراء محصوله، بمعنى آخر، فإن التجار يتحكمون بحياة المزارعين الذين يخضعون لحكم "مول الشكارة"، إذن فمن البديهي أن يصوت الفلاحون لصالح بارون المخدرات. 2- الحديث عن التقنين يحتدم على بعد أشهر قليلة من الاستحقاقات الانتخابية، هل ترى أن الترويج السياسي للتقنين والعفو على المزارعين الغرض منه هو استمالة الكتلة الناخبة في بلاد الكيف والتي توصف ب"الخزان الانتخابي" بمنطقة الريف؟ الجميع يعلم أن بعض الأحزاب السياسية مستفيدة بطريقة مباشرة من الكيف، فلعقود عدة استغلت هذه الأحزاب التي تسير الشأن المحلي في بلاد الكيف المزارعين من أجل كسب أصواتهم الانتخابية تحت طائلة التهديد بالاعتقال بتهمة زراعة الكيف، مستعملة ورقة الشكايات الكيدية وحرمان المزارعين من بيع محصولهم ،نظرا إلى قربها من بعض المسؤولين الأمنيين ورجال المياه والغابات وتجار المخدرات، الذين يعتبرون الفاعلين الأساسيين في الحياة السوسيو اقتصادية في المنطقة. إذن فمزارعو الكيف يعتبرون خزانا كبيرا للأصوات الانتخابية، وخير دليل على ذلك أن المنطقة تشهد أعلى نسب المشاركة في الانتخابات، لهذا فتلك الأحزاب تعتمد على بارونات المخدرات أو مقربين منهم للترشح تحت ألوانها لكسب أصوات مزارعي الكيف. وحديث حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة عن مسعاهما لإخراج مزارعي الكيف من وضعيتهم المزرية عن طريق اقتراحهما الرامي إلى تقنين الكيف والعفو عن المبحوث عنهم بتهم مرتبطة بالمخدرات، مجرد مزايدة سياسوية وانتخابوية يتم من خلالها بيع الوهم للمزارع البسيط. فكيف يعقل أن هذين الحزبين يسيران جل الجماعات الترابية ببلاد الكيف، وكلها تعيش وضعية مزرية من هشاشة وغياب لأدنى شروط العيش الكريم على الرغم من كون بعضها تعتبر من أغنى الجماعات الترابية في المنطقة كإساكن وكتامة وبني بونصار، وباب برد… 3- أنتم من الرافضين للتقنين بالطريقة المطروحة من طرف بعض السياسيين، ما الذي يدفع بكم إلى هذه المعارضة الشديدة له؟ معارضتنا للتقنين بالطريقة المطروحة من طرف حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال راجعة إلى عدة أسباب، من بينها أن: هذه الأحزاب السياسية تتحدث عن تقنين الكيف من أجل الاستعمال الطبي والصناعي، مما يعني أن نبتة الكيف لن تزرع لأنها تصلح للاستهلاك فقط، بل ستجلب بذور معدلة جينيا لا تحتوي على مادة "THC" المخدرة، وهذه البذور تحتاج إلى مساحات كبيرة وموارد مائية هائلة لسقيها، وهو أمر غير متوفر بشمال المغرب المتميز بتضاريسه الجبلية الوعرة، وندرة المياه فيه. إذن سيتم نقل زراعة القنب الهندي للسهول الخصبة، مما يعني فقدان قرابة مليون نسمة لمورد عيشهم في منطقة لا تزال مهمشة وليست فيها أي مشاريع تنموية. بينما الدولة ترغب في أن تبقى المنطقة ضيعة تدر عليها الملايين بطريقة غير مباشرة، وتمتص البطالة المتفشية في المنطقة ونواحيها، حيث تشغل يدا عاملة مهمة خلال موسمي الحرث والحصاد. ومشكلة منطقتنا ليست زراعة الكيف، وإنما هي غياب المشاريع التنموية، لأن المزارعين مستعدون للتخلي عن حياة البؤس التي يعيشونها، حيث تحولوا إلى عبيد لدى تجار المخدرات والسلطات.