مكنت الصحافة الالكترونية المغربية من توسيع رقعة الرأي والتعبير، والتفكير بالجهر خاصة بالنسبة للأقلام التي كانت بالأمس، لسبب أو لآخر، تحجب رأيها. لكن السؤال الذي يفرض طرحه اليوم أكثر من أي وقت مضى هو: إلى أي حد استطاعت الصحافة الإلكترونية أن تقوم بوظائفها الاجتماعية خدمة للمواطن، والمقصود تزويده بالمعلومات الصحيحة، ومساعدته على تكوين الرأي والمواقف واتخاذ القرارات، وأن تقوم بوظيفة الرقابة؟ لماذا؟ لأن المعنى الحقيقي للإعلام هو، التحسيس والتوعية علاوة على الإخبار. والصحفيون المهنيون يعلمون أن "الخبر مقدس والتعليق حر". إن الصحافة الإلكترونية حديثة العهد، وهي واحدة من وسائل الإعلام التي انضافت بقوة الثورة التكنولوجية والمعلوماتية إلى وسائل الإعلام التقليدية المعروفة. ومن البديهي القول، إن المواقع الإلكترونية في تزايد مستمر في بلدنا، لكن المتتبع يسجل مجموعة من الملاحظات والانتقادات الموجهة إلى هذا النوع الصحفي منها على سبيل المثال لا الحصر: – كباقي أنواع الصحافة، تعمل المواقع الصحفية الإلكترونية على التعريف بمشاكل المواطن سواء مع إدارته العمومية أو مع غيرها، وتقديم شكاويه وتظلماته. وتفتح الباب للعديد من الأقلام للتعبير عن آرائها ومواقفها السياسية وغيرها، كما تمكن من حق الرد بالنسبة لمن يهمهم الأمر (...). وهو دور جد إيجابي بالنسبة للدولة والمجتمع لأنه يكرس، إذا توفرت الشروط اللازمة، حق المواطن في التعبير والمعلومة. – تنشر بعض المواقع، أخبارا ومعطيات رقمية تتعلق بالنفقات العمومية الخاصة بالمستوى الترابي أو بالمستوى الوطني. وتثير الانتباه إلى بعض السلوكات المثيرة للجدل التي تصدر من حين لآخر من طرف بعض المسؤولين السياسيين والإداريين أو غيرهم (...). وهو دور من الأدوار الأساسية للإعلام في مجال الرقابة على أفعال المجالس الجماعية والجهوية والإقليمية والحكومة. – بعض المواقع، أصبح لها السبق في تقديم الخبر وهو أمر مطلوب في المجال الإعلامي، وخاصة اليوم في زمن الثورة التكنولوجية. لكن بالمقابل، ما يعيبه العديد من متتبعي شأن الصحافة الإلكترونية: – عدم تمكن المواطن من معرفة مدى دقة وصحة الأخبار والمعلومات التي تنشرمن طرف العديد من المواقع، ومن ثمة يصعب عليه تكوين الرأي واتخاذ القرار السليمين، إن لم نقل قد يفضي هذا الأمر إلى تقليص الثقة في هذه القنوات. ومما يساهم في ضعف منسوب الثقة أكثر، التشويش الذي أصبحت تقوم به بعض الجهات التي تريد أن تنتسب لجسم الصحافة الإلكترونية من خلال الركوب على مطية الوسائط الاجتماعية، والتي تراهن على "الضغط على عواطف المواطنين البسطاء" لتحقيق أرباح مادية ليس إلا، وهو ما اتضح جليا خلال الواقعة الأخيرة التي تأثر بها المواطن والجهات الرسمية، واقعة الطفل ريان (رحمه الله). – اللغة المعتمدة في العديد من المواد التي تنشر على الصفحات الإلكترونية، لا تمت إلى اللغة الصحفية بصلة والتي لها ضوابطها. بل، إن بعض المواقع تتجاوز حدود اللياقة والاحترام للفرد وللأسرة وللمجتمع بسبب اللغة "الساقطة" التي تستعملها. – غياب الموضوعية حيث يغلب المزاج والانطباع في العديد من الحالات. وإذا كانت الموضوعية في الصحافة موضوع نقاش بالنسبة للأكاديميين، فإن المطلوب في هذا الإطار في العمل الصحفي هو، تقديم الرأي والرأي المخالف لأن تقديم مختلف وجهات النظر يمكن المتلقي من المقارنة. وبالتالي، يمكنه من اتخاذ القرارات التي يراها صحيحة خاصة في المناسبات الوطنية القوية مثل منح الثقة لهذا الحزب أو ذاك في الاستحقاقات الانتخابية. والصحيفة التي تحترم المتلقي، تخصص صفحات للرأي ووجهات النظر وتعمل على نشر كل الآراء التي تتوفر فيها الشروط والضوابط اللازمة. والقاعدة هنا كما يقول الفقهاء، إذا كان الكلام نقلا فيجب أن يكون النقل صحيحا وإذا كان اجتهادا فعلى المجتهد بالحجة والدليل. ولكل صحيفة الحق الكامل في أن تتبع الخط التحريري الذي يتناسب مع مرجعيتها سواء اتفقنا معه أو اختلفنا، بل هو شرط صحة في الدول الديمقراطية. إننا بقدر ما نعتقد أن الصحافة الإلكترونية جزء لا يتجزأ من الصحافة بمفهومها الواسع، ومن ثُم فهي ككل الأنواع الصحفية في حاجة اليوم إلى مزيد من الدعم المادي والمعنوي، وضمانات قانونية للصحفي الإلكتروني وباقي زملائه في مهنة المتاعب حتى يضمن كرامة أسرته وسلامة ذاته أولا وقبل كل شيء. وبالتالي فالدعم المطلوب، تفرضه ضرورة دعم جودة المنتوج الصحفي إن نحن نريد فعلا صحافة تقوي صرح الديمقراطية المحلية والوطنية ببلدنا. بالقدر نفسه، نعتقد أننا لا نجانب الصواب بالقول، إن العديد من "الصحفيين الإلكترونيين" في حاجة إلى شيئين أساسيين: أولهما: التكوين العلمي لأن الصحافة علم وفن ومهنية. وثانيهما: الاستفادة من خبرة الصحفيين الذين عملوا بجدية وصدقية وحب لمهنة المتاعب، وخاصة منهم من ذاقوا مرارة البحث عن المعلومة والسهر ليلا من أجل إخراج العدد اليومي أو الأسبوعي في الوقت المحدد له، عندما كان قارئ الجريدة الورقية والكتاب يحظون بالاحترام في المجتمع. وأخيرا، لا شك أن العمل في الصحافة الإلكترونية والإعلام بكل أنواعه، يحتاج ممارسوه إلى استنشاق هواء الحرية، فلا إبداع ولا ديمقراطية في غياب الحرية.