«أدانت المحكمة الابتدائية بإنزكان، منتحل صفة قاضي تحقيق بالمحكمة الابتدائية بالمدينة بأربع سنوات حبسا نافذا، كما أدانت شريكه، الحامل لبطاقة مراسل صحافي مزوَّرة، بالحبس النافذ أربع سنوات بعدما تابعت الأول بتهمة النصب و الثاني بالمشاركة في النصب فيما قضت في حق شريكهما الثالث، الوسيط، بالحبس سنتين نافذا.» كانت هاته إحدى المحاكمات التي تمت مؤخرا في حق منتحل صفة مراسل صحافي، وهو الإشكال الذي أصبحت تعانيه المؤسسات الأمنية والقضائية في التعامل مع ممتهني السلطة الرابعة، ليطرح سؤال حول هوية الصحافي المواطن الذي يحاول أن يجد لنفسه موطئ قدم بين الصحافي المحترف، وبين المواطن المتميز الذي يسدي خدمة للآخرين.. أدى الانتشار الواسع للوسائل التكنولوجية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، إلى ارتفاع نسبة الوعي بالحريات وحقوق الإنسان في صفوف المواطنين والمواطنات بقضايا الشأن العام داخل المجتمع المغربي، وتحولت مسالة الإعلام إلى قضية مجتمع بأكمله اذ لم تعد حكرا على الصحافيين والنخبة الإعلامية والثقافية فقط، بل أصبح مفهوم الإعلام التشاركي يأخذ مكانته عن طريق ما أصبح يصطلح عليه ب»الصحفي المواطن» كفاعل في المجال العام ، وبفضل استعمال هذه الوسائل تعزز الاتصال والمشاركة بين الأشخاص والمجتمعات في تبادل المعلومات مثل ذلك»فيسبوك تويتر ويتوب...» حيث أصبحت تأخذ موقعا ناقلا للأخبار وكأنها وكالات إخبارية تنقل بصورة حية ومستمرة كل ما يدور من أحداث ووقائع على الصعيد العالمي. من هو الصحفي المواطن؟ يمكن تعريف «الصحفي المواطن « كفعل مواطن في إعداد التقارير وتحليل ونشر الأخبار والمعلومات، عن طريق وسائل الإعلام والاتصال الحديثة كما يمكن اعتباره شكلا من أشكال مشاركة المواطنين في توفير معلومات مستقلة وموثوق بها ودقيقة . وببساطة ينطبق هذا التعريف على الأشخاص الذين ليس لديهم شهادة في الصحافة أو خبرة مهنية في الموضوع. من صنع المواطن الصحفي؟ في الآونة الأخيرة ، كلما تصفحنا الجرائد كلما صادفتنا أخبار لها علاقة بالتكنولوجيا الحديثة نظرا لعلاقة المواطن بعصر الصورة وعصر التكنولوجيا عالية الجودة، في عصر معلوماتي معقد يتطلب الدقة والجدية، أمام كثير من الأدوات والآليات تتيح اليوم فرصا للتسجيل الفوري والجيد سواء كان الموضوع متعلقا بالغش، الاعتداء، الرشوة، حادثة سير، واقعة ما....، أدوات جديدة أصبحت في متناول الجميع تساهم في محاصرة المشاكل كيفما كان نوعها أو حجمها. وأتاحت لكل مواطن عادٍ فرصة التعليق بحرية تامة. و كل ما يدور في الساحة يتم نقله كما هو على عكس ما يتم تداوله في الصحف والإذاعات و ذلك لما فيه من تعارض لسياسة قضائية أو صحيفة أو وكالة معينة، فبهذه الحالة أصبح للمواطن الصحفي دور فعال. المواطن الصحافي بين مؤيد ومعارض أصبح للمواطن الصحفي مهمة جديدة كما يفسرها البعض بظاهرة غير عادية، لكنها هامة في الوقت ذاته نظرا لمصداقية الأخبار وسرعة النشر حيث صارت الأخبار تنشر قبل الوكالات و القنوات . العديد منها يتميزبمصداقية عالية وصور وفيديوهات أكثر ثقة. فاليوم يعتبر المواطن أداة للكشف عن المعلومة حيث أصبحت هذه الأخيرة منه واليه ، لكن السؤال المطروح هل الصحفي المهني يرى أن هذه الظاهرة سليمة أم اعتداء في حقه و حق المهنة؟ يقول الطالب الصحفي محمد فنكار بالسنة الثانية بالمعهد العالي للصحافة والإعلام «أعتقد أن الوقت الراهن يحتم على الجميع أن يكون صحفيا مواطنا، وذلك لاعتبارات عدة من أهمها كثرة الأحداث التي تقتضي مشاركة المواطنين باعتبارهم فاعلين أساسيين فيها، وحتى ظهور التكنولوجيا الحديثة وتطورها ساهم بشكل كبير في خلق هذا النوع من الصحافي، والذي يبحث عن المعلومة بنفسه بعيدا عن الإعلام الذي ينظر إليه بعين الريبة ، وذلك ما يجعله يبحث عن مصداقية الخبر ومصدره.» كما يرى البعض الآخر أن المواطن الصحفي دخيل على مهنة الصحافة. وأصبح اغلب المواطنين ينشرون أخبارا غير مؤكدة لا تخضع ولا تحترم قاعدة من قواعد الصحافة التي يدرسها الصحفي المهني ، إذ من خلال صياغة قد تخالف قاعدة من قواعد الصحافة لأنه يعلم ويعرف بأصول المهنة أما الصحفي المواطن فيرى أن كل ما يقوم به فهو صحيح و أن الإعلام اليوم تجارة تستعمل أساليب كثيرة لتحقيق الانتشار ، حيث أصبحت المصالح الربحية تطغى على المصداقية الإعلامية في بث الخبر ، مما يجعلها تقع في فخ التضليل الناتج عن تسريب معلومات خاطئة أو كاذبة . المواطن العادي لا ولن يحل محل الصحفي المهني كيفما كانت الأحوال كما يقول البعض..لان مجال الصحافة له قوانينه و ضوابطه الخاصة لا يعرفها المواطن العادي و لكن هناك من يحب التطفل و لفت الانتباه إليه. لكن يمكن القول على أن في بعض الأوقات يصبح من الصعب على المراسل الصحفي التواجد في بعض المناطق لتغطية الأحداث فيها، لذلك تكون عيون المواطن هي التي توصل الخبر أو الحدث للجمهور المتلقي ، والمواطن بمقدوره ذلك من اجل مساعدة المراسل في نشر الوقائع و الأحداث لا أكثر ولا اقل ، و لكن ضمن ضوابط و قوانين معينة، للأسف هناك من يسيء استخدام هذا الحق و هذه الحرية و يسعى لنشر الإشاعات، لذلك نرى بأن وصف الأحداث يكون مبالغا فيه و قد يسعى المواطن الصحفي لنقل أحاسيسه و مشاعره من خلال نشره للخبر و ذلك قد يؤثر على أفعال و سلوكيات الجمهور بشكل سلبي في حال كانت المشاعر المنقولة سلبية، لأن مجمل الأخبار التي تنشر من طرف الصحفي المواطن تكون انحيازية وغير موضوعية و يغلب عليها طابع الإعلان والإشهار أو ترويج لموضوع ما. وفي تصريح للأستاذ ومدير النشر بالجريدة الالكترونية أون مغاربية يقول «أعتقد أن اختراع مسمى «المواطن الصحفي» فيه نوع من المغالطات والتسرع في مقاربة المفهوم، خاصة مع ما أثارته ثورة المعلوميات من انفتاح وتكسير لعدد من القواعد التقليدية على مستوى التواصل والإعلام.. فالمواطن من حقه ان يعبر عن رأيه ومن حقه ان تصله المعلومة بعيدا عن اية مغالطات ومزايدات .. غير أن الموضوع الخطير الذي نحن بصدده هو ربط مهنة عريقة وهي الصحافة بممارسة غير مهنية من مواطنين فقط أصبحوا يجيدون استخدام التكنولوجيات الحديثة .. الصحافة هي قبل كل شيء مهنة، وهذه المهنة تخضع لاعراف وتقاليد، فأنت عندما تمتهن الصحافة عليك ان تضع قناعاتك وايديولوجيتك في درج دولابك وتمارس المهنة بكل حياد وموضوعية ودقة .. فهل المواطن الذي ينشر فيديو يعبر عن مظلومية ما او حادثة ما.. هل بتلك العملية يمارس مهنة الصحافة؟ أكيد لا .. والا بهذا الإسقاط على كل من يجيد إعطاء وصفات طبية ان يصبح «مواطنا طبيا» وقس على ذلك .. ما ينبغي الحديث عنه ان هناك نشطاء الكترونيين ومدونين ومن حقهم التعبير عما يرونه بالطريقة التي يرونها مناسبة لكن الصحافة عندما نفتح ابوابها لمن هب ودب فنحن هنا نمارس نوعا من التجني الخطير والمساهمة في ذبح صاحبة الجلالة...» وفي هذا الخصوص يقول الطالب الصحفي إبراهيم كريم بالسنة الثانية بالمعهد العالي للصحافة والإعلام « في الواقع المواطن الصحفي أصبح له دور مهم في المجتمع، ونجد أن الالاف يلعبون هذا الدور دون إدراكهم ذلك، وهذا سببه ارتفاع نسبة الولوج إلى مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها موقع فيسبوك. إذن فدور الصحفي المواطن أصبح مهما في المجتمع وهو ما يسهل على الصحفي المهني القيام بمهنته بشكل أكثر مهنية وإتمام العمل الذي استهله ذلك الشخص الذي أطلقنا عليه صفة المواطن الصحفي لكن من جانب أخر أرى أن دور المواطن الصحفي هو تطفل على المهنة لأسباب عدة وهي عدم التوفر على الوسائل والقواعد المهنية التي يجب أن تتوفر عند القيام بهذه المهنة التي اعتبرها نبيلة ». في ظل تسارع الأحداث أصبحت هذه الظاهرة تشكل مشكلا أمام مهنة الصحافة لا يمكن الحد منها بقدر يمكن التعامل معها وذلك من خلال مجموعة من الحيل والاقتراحات الذكية، لان الإعلام ليس بحديث العهد وإنما وسيلة فعالة ساهمت و تساهم و ستساهم في تحريك دول وأنظمة وقرارات للوصول إلى غايات كبرى. عموما ،إن موضوع»الصحفي المواطن»أصبح اليوم على جدول النقاش لأهمية العمل الذي يقوم به . فالعديد من نقط التوتر الآن في العالم هي سجلت بكاميرات مواطنين، خصوصا في الأماكن التي لا يمكن الوصول إليها، كما أن العديد من القنوات الفضائية العالمية، أصبحت تضع حيزا وبريدا إلكترونيا لاستقبال تسجيلات كاميرات لأحداث على الصعيد العالمي.