عبر البرلمان الهولندي أمس الخميس عن استيائه من استمرار ما وصفه بتدخل السلطات المغربية في شئون المواطنين الهولنديين من أصل مغربي. وكان حوالي أربعين شخصا منهم أئمة مساجد وموظفين في الرعاية الروحية غادروا هولندا "فجأة"؛ ما أثار علامات استغراب بعض جمعيات المهاجرين ووسائل الإعلام الهولندية. كما أعلن وزير خارجية هولندا مكسيم فرهاخن أنه لن يلغي زيارته المقررة سلفا للمغرب، رغم معارضة البرلمان. من جانبه، أوضحت السلطات المغربية أن الأئمة دعوا للمشاركة في مؤتمر ديني. "" كفى على مدى عمر الهجرة، ظلت علاقة المغرب بجاليته المهاجرة علاقة تتجاذبها نزعة السيطرة والمراقبة والرجوع إلى "بيت الطاعة" من جهة، والرغبة في الانطلاق نحو المواطنة الحرة الكاملة من جهة أخرى. علاقة غريبة، غامضة يجنح كل طرف فيها إلى إثبات الذات. وتتعدد أوجه الشد والجذب بينهما، دون أمل يلوح في الأفق يفضي إلى اتفاق أو تصالح أو معايشة. لماذا هذا النشاز في العلاقة بين المغرب و "أبنائه" المهاجرين؟ "نحن لسنا رعايا ملك المغرب، لقد اخترنا المواطنة الهولندية"، يقول الموقعون عن بيان المواطنة (9 أكتوبر الجاري. انظر نداء المواطنة على موقعنا). لا! تجيب السلطات المغربية. من حق المغرب أن "يهتم" بشؤون جاليته وينظمها ويختار لها ما يراه مناسبا، "حفاظا" على هويته المغربية التي لا تتقادم رغم مرور الأجيال. إذا كان المغرب حقا يريد الاهتمام بأفراد جاليته المهاجرة، فلماذا لا يبدأ أولا بإصلاح إداراته التي تسهر على شؤون المواطنين كالقنصليات على سبيل المثال التي يشعر المواطن فيها بالغربة الحقيقية، تحاجج بعض المنظمات المغربية؟ هذه المنظمات ترى أن مغاربة المهجر قادرون على تنظيم أنفسهم بأنفسه دون تدخل من أحد، لاسيما أن قوانين المجتمع الذي يعيشون فيه، مثل هولندا، تكفل لهم هذه الحرية دون قيد أو شرط. أما مسألة الارتباط بالوطن الأصلي فينبغي أن تكون على قاعدة الاختيار وليس الإكراه. استقلالية إحدى أهم زوايا التضارب بين المغرب وأبنائه المهاجرين هي رغبة هؤلاء التأسيسَ لثقافة الاستقلالية في الرأي وحق الاختيار، دون رقابة من أحد أو "تعليمات خارجية" كيفما كان مصدرها. يقول السيد حبيب القدوري، موظف بمؤسسة العمل المشترك للمغاربة في هولندا لإذاعتنا، تعليقا على زيارة الأئمة إلى المغرب:"نرى أن استقلالية المساجد وأماكن العبادة في هولندا مهمة جدا"؛ الأمر الذي يؤكد عليه توفيق ديبي، النائب البرلماني عن حزب اليسار الأخضر أثناء جلسة أمس الخميس في البرلمان: "لن يحول بيني وبين جذوري أي إنسان. لكن علاقاتي بالمغرب يجب أن تنبع أولا وقبل شيء من رغبتي الخاصة. لا ينبغي بأي حال من الأحوال وضع أي مواطن من مواطني هولندا، ومنهم المغاربة الهولنديين، تحت طائلة الإكراه من قبل أية دولة أجنبية مهما تكن". توفيق ديبي، شاب هولندي من أصل مغربي أبرز كفاءات عالية في المناظرة والمبارزة اللفظية مع رموز اليمين واليمين المتطرف، ويعد الآن من الوجوه الواعدة في الحياة السياسية بهولندا. وما أثار الانتباه في مداخلته، ثناؤه على وعي المغاربة، لصدهم لمحاولات تدخل السلطات المغربية في شئون حياتهم، وتوضيحهم لمكمن الخلل في علاقتهم ببلدهم الأصلي. تبادل خبرة لا تعارض كل تنظيمات المهاجرين بناء علاقات متوازنة مع المغرب ولا تجد ضررا في مد الجسور بين هولندا المغرب، ما دامت تتم في إطار متعارف عليه بهدف تبادل الخبرات في أمور محددة وواضحة. وفي هذا السياق يقول السيد إدريس البوجوفي، رئيس مجلس الاتصال بين المسلمين والحكومة في تصريح لإذاعة هولندا العالمية، إن الزيارة كانت بقصد الاستشارة والتداول في أمور التربية الدينية: "الهدف من الزيارة هو تبادل الآراء بين العاملين في الحقل الديني حول المشاكل التي تعترضهم يوميا في العمل، وبخاصة أولئك الذين لهم علاقة مباشرة بالشباب". وكمثال أشار إلى ما يحدث في السجون الهولندية كأماكن التأثير واستقطاب الشباب المغربي لتبني أفكار متطرفة، وهذا ما يواجهه العاملون في حقل الرعاية الروحية في السجون. وعبر السيد البوجوفي عن أسفه كون الأخبار المنشورة عن الزيارة كانت مغرضة تنم عن جهل مصدرها لحيثيات الزيارة وأهدافها. "مع الأسف قامت بعض المؤسسات في هولندا بنشر خبر ادعت فيه أن حوالي أربعين إماما غادروا هولندا بدون استشارة مع مؤسسات المساجد، وأن المصلين والمؤسسات احتجت عليهم. وهذا غير صحيح، لأن عدد المدعوين الحقيقي هو 35 منهم 7 أئمة فقط، استجابوا للدعوة بالتراضي مع المصلين ومؤسساتهم". ما زال الغموض يحيط بالعدد الحقيقي لمن سافر إلى المغرب من العاملين في حقل الرعاية الروحية؛ وهم يعتبرون موظفين لدى وزارة العدل. وقد وعد وزير العدل هيرش بالين البرلمان بالتقصي في الموضوع ومعرفة ما إذا كان هؤلاء سافروا على حساب السلطات المغربية. وقد حاولت إذاعة هولندا العالمية الحصول على تعليق من المنسق العام للرعاية الروحية في هولندا، لكن دون جدوى.