أثار تزامن الاهتمام الملكي بثروة عائلة ولد الرشيد، مع صدور تقرير منظمة الشفافية الدولية، جملة من التساؤلات في الأوساط الحاملة لهمّ مكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة.. "" علما أن التقرير المذكور أكد أن النتيجة المحصل عليها تفيد عدم حدوث تطور بالمغرب في محاربة الرشوة والفساد رغم حضور الانخراط الصريح لمحاربة الفاسدين ومكرسي الفساد. كما أظهر التقرير أن تقهقر مرتبة المغرب قد يعود سببها إلى عدم تفعيل الإصلاحات المعلن عنها والتي بقيت، في نهاية المطاف، مجرد نوايا لم تجد طريقها إلى التطبيق على أرض الواقع، إذ احتلت بلادنا الرتبة 8 بين الدول العربية والرتبة 80 دوليا (72 سنة 2007) وحصلت على درجة 3.5 على 10، وهي نفس الدرجة المحصل عليها العام الماضي. وقد تساءل البعض حول مسألة هذا التزامن، سيما وأن خليهن ولد الرشيد يحتل موقعا خاصا في مفاوضات الصحراء، مما يدعو إلى الغرابة حقًّا! ثروة تراكمت بسرعة البرق ظلت ثروة عائلة ولد الرشيد مثار عدة تساؤلات منذ أن كلّفه الملك الراحل بوزارة الشؤون الصحراوية، والتي كان يديرها على شكل دولة في قلب دولة بدون حسيب ولا رقيب. احتكرت عائلة ولد الرشيد امتياز تصدير الرمال إلى إسبانيا منذ أمد طويل وتصرفت في هذا القطاع متصرف المالك في ملكه دون مراقبة، وذلك رغم كثرة الأصوات التي ظلت تنبّه إلى الأخطار البيئية الناجمة عن النهب العشوائي لرمال الصحراء قصد منحها إلى إسبانيا. ومن مصادر الثروة الوطنية التي استخدمتها عائلة ولد الرشيد، الأراضي المجزّءة والتجزئات المنجزة من طرف الدولة، حيث حسب أكثر من مصدر، كلما أنجزت تجزئة بمدينة العيون إلا وكان للعائلة حظ وافر منها، وعندما تنفد البقع، يتم تحويل الكثير من البقع المخصصة لمناطق خضراء أو مرفقات عمومية إلى بقع تجارية مخصصة لبناء الفيلات، تسلم آنذاك إلى الأعيان والمقربين، وكان لعائلة ولد الرشيد نصيب الأسد، وهذا ما أكده أحد الموظفين السابقين بالوزارة المكلفة بالصحراء والذي عمل، بعد حلها بالقسم التقني لعمالة العيون في عهد العامل زمراك ومن أتوا بعده. ومن المؤشرات القوية التي تبيّن سرعة ثراء عائلة ولد الرشيد، ثروة شقيق خليهن، حمدي ولد الرشيد، والذي كان مستخدما بسيطا، وأسر لنا أحد سكان العيون العارفين بخبايا الأمور، أنه "كان خدام في "كوبيرتا" ثم عمل كورتي في المحطة"، وبقدرة قادر أصبح من أغنى أغنياء المنطقة، في رمشة عين دون بدل أي مجهود. ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، وإنما أصبح الآمر الناهي في تدبير الشأن المحلي. ويضيف مصدرنا، كان أهل ولد الرشيد أقل ثراء بكثير من أبناء عمومتهم "آل الدخيل" و"آل ميارة"، وقد تجاوزوهم اليوم بمسافات سنوات ضوئية في الغنى والثراء. وزارة الشؤون الصحراوية.. "مغارة خليهن" شكلت وزارة الشؤون الصحراوية بقرة حلوبا، إذ قام خليهن بإعادة هيكلتها بمعرفته وعلى مقاسه بطريقة جعلها مستقلة كليا رغم تدخلها في جميع المجالات، فكل المشاريع (ما عدا الطرق والموانئ والشبكات...)، مهما كان نوعها بالصحراء فإنها تدخل في إطار اختصاصه ولا يسمح بتدخل أية وزارة أخرى بهذا الخصوص حتى في المجالات التقنية المحضة، وأكد لنا أحد موظفي وزارة المالية بالعيون، أنه لم يكن أحد يقوى على القيام بمهامه بخصوص مشاريع وزارة "ولد الرشيد" رغم الاختلالات الكبيرة، مضيفا: "أحيلكم على ملف المركب الرياضي والعمارات العشوائية بالداخلة والتجزئات السكنية بالعيون ومستشفاها متعدد التخصصات، على سبيل المثال لا الحصر، للوقوف على وجوه النهب البيّن الذي كان يمارس في تلك الوزارة.. كما أحيلكم على ملف ساحة الدشيرة بالعيون المكتراة حاليا لأحد السابحين في فلك ولد الرشيد، والتي حوّلها إلى مقهى ومجمع ترفيهي تدر عليه الملايين...". تصرفت وزارة الشؤون الصحراوية في ميزانيات ضخمة في وقت سادت فيه "السيبة المالية" بالصحراء وغابت فيه أدنى مراقبة. لقد استغل القائمون على هذه الوزارة قاعدة "الصحراء حالة استثناء" وفهموها في اتجاه واحد لا ثاني له، "مادام ليس هناك أية مراقبة، فلا مانع من خدمة المصالح الشخصية إلى أبعد حد ممكن باعتبار أن كل شيء قابل للتبرير، فالقضية قضية وطنية كبرى"، وهذا ما جرى به العمل فعلياً في مختلف الميادين والمجالات. ويرى أحد الباحثين الاقتصاديين أنه لم يكن من الصعب السير على هذا المنوال باعتبار أن القائمين على الأمور كرّسوا منذ منتصف السبعينات سياسة شراء الذمم وتشجيع "الوطنية" المؤدى عنها التي تمرّ أولا عبر البطون. لقد شكلت الوزارة المذكورة "مملكة خليهن ولد الرشيد"، علما أنه حسب التقارير الأجنبية، كلّف تمويل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية بالأقاليم الصحراوية خلال السنوات الخمسة عشر الأولى ما يفوق 6 ملايير دولار، ولم تخل تلك البرامج، في عهد رئاسة خليهن لهذه الوزارة من تساؤلات عميقة، سواء تعلق الأمر بتدبير الميزانيات المرصودة أو فيما يخص تهريب المواد المدعمة. آنذاك كانت كل الأمور المرتبطة بالمشاريع المبرمجة بالصحراء بيد وزير الشؤون الصحراوية، القائم عليها، خليهن ولد الرشيد، علما أنها كانت وزارة متعددة الاختصاصات، تهتم بكل المجالات. وهناك مشاريع ضخمة برمجت بالعيون والداخلة وسمارة وبوجدور خصصت لها أموال طائلة، وهي مشاريع هائلة على الورق، مواصفاتها تحترم آخر تقليعة في الميدان، لكن ما تم إنجازه لا علاقة له بما ورد في الدراسات، بل هناك من هذه المشاريع ما تطلبت ميزانيات إضافية مهمة رغم أنها لم تحترم المواصفات، وهناك مشاريع صُرفت عليها الملايير خلصت بصددها لجن مختصة بأنها غير صالحة للسكن بعد صرف ملايين الدراهم، مثلا العمارات العشوائية بالداخلة، التي قدمت في الأوراق كإقامات تحترم أعلى المواصفات. هل هي قضية تصفية حسابات؟ يرى البعض أن خليهن ولد الرشيد من "الديناصورات" التي تم صنعها عن قصد، وتم غض الطرف عنه، بل دعمه ومساندته، لذلك لا يخفي هؤلاء شمّ رائحة تصفية حسابات. لا يخفى على أحد أن طبيعة العلاقات بين خليهن ولد الرشيد من جهة وصديق الملك، عالي الهمة، من جهة أخرى، ظلت متشنجة وحرب الضرب من تحت الحزام قائمة. وبرزت بعض لقطات حرب الرجلين عبر التجاهل الذي لاقاه عالي الهمة بالصحراء، وكذلك تداعيات تسريب شهادة ولد الرشيد أمام هيئة الإنصاف والمصالحة للصحافة. يقول عبد السلام أديب، الباحث في العلوم الاقتصادية والناشط الجمعوي، في هذا المضمار، في كل مرّة تتم إثارة محاسبة أو مساءلة مسؤول خبير أو عرض وزراء أو موظفين سامين على أنظار المحكمة، لا يكون الأمر متعلقا في الحقيقة سوى بتصفية للحسابات بين أطراف نافذة في الدولة، حيث تكون المتناقضات بين الأطراف المخزنية قد بلغت مستويات حرجة، مما يجعل أمر كشف أوراق فساد بعض الكبار حتمية، لتجميد أدائهم على رأس إحدى المؤسسات، وتظل الغاية من وراء ذلك تصفية حسابات، أو حتى لا تتضخم القضية، فتهدد مصالح أخرى، والدليل هو أنه لم تكن هناك أبدا متابعة لأحد الملفات حتى المنتهى. تأييد واسع للمحاسبة والمساءلة تلقى الشارع بالعيون نبأ اهتمام الملك محمد السادس بإشكالية ثروة "ولد الرشيد" بالاستحسان الكبير، مع التساؤل: هل تدخل الملك أضحى ضروريا لتحريك أي ملف؟ هناك أصوات كثيرة، من الأقاليم الصحراوية ومن داخل الكوركاس تؤيد فكرة محاسبة الأعيان وكبار المسؤولين في الجيش والداخلية وتجار الحرب الذين مصوا دماء المغرب، وقد استغلت هذه الأصوات الاهتمام الملكي بملف ثروة ولد الرشيد لإبداء رغبتهم في انكباب القائمين على الأمور ببلادنا على الاهتمام بملفات نهب الثروات والتلاعب بالمال العام واستغلال المناصب المخزنية. وفي هذا الصدد أكد لنا أحد المناضلين الحقوقيين بالعيون أن هناك أعيانا استغلوا ملف الصحراء لتنمية مصالحهم الشخصية، وفي هذا الصدد، فهم لا يختلفون، في نهاية المطاف عن الانفصاليين، ما دامت المصالح الشخصية أَوْلَى. ويضيف، أغلب من اقتربوا من المخزن، بخصوص قضية الصحراء، أن أغلبهم فعلوا ذلك من أجل الاغتناء والنهب، فمن أتيحت له الفرصة ولم يصر غنيا؟ ويسترسل محدثنا، إذا كانت هناك فعلا رغبة للمحاسبة وجب الاهتمام كذلك بثروات الجنرالات وكيف راكموها، وأيضا جملة من مسؤولي الدولة، لأنه لا يمكن محاسبة أو مساءلة هذا وترك ذاك.. لأنك إذا أردت أن تعرف مدى نزاهة ومصداقية أي مسؤول، فاسأل عن ثروته وكيف كوّنها؟ وختم كلامه بالقول إن خليهن ولد الرشيد صحراوي ذكي رقص على جميع الحبال. وقد أسر لنا أحد المواطنين من مدينة العيون بأنه بمحاسبة ومساءلة خليهن ولد الرشيد، من الواجب كذلك مساءلة من تَمَّ فرضه على ساكنة العيون ليمثلها في البرلمان ويرأس مجلسها لمدة 19 سنة؟ ومن كان يغض الطرف عن نهجه في تدبير الميزانيات الطائلة؟ ومن كان يلمّع صورته في الإعلام؟ ومَن كان يجبر الصحراويين البسطاء على ارتداء "دراعيات" جديدة ليظهروا في التلفزة، فَرٍحين حد الثمالة بخطابات خليهن وهم لا يجدون قوت يومهم"، كل هؤلاء يتحملون كذلك جزءا لا يستهان به من المسؤولية. ومن المعلوم، أن جمعية الصحراء المغربية وجهت كتابا إلى المجلس الأعلى للحسابات بخصوص ما أسمته باختلالات مهمة في مالية وميزانية الكوركاس والتمست إجراء بحث وتقص في الموضوع في أواخر شهر يوليوز 2008. غضبة الملك الحسن الثاني مع فجر التسعينات بدأت تظهر علامات غضب الملك الراحل الحسن الثاني على محميه، خليهن ولد الرشيد، وقد تأكدت غضبة الملك عليه بعد فشله في الانتخابات التشريعية وإلغاء وزارة الشؤون الصحراوية سنة 1991. أفل نجم خليهن ولد الرشيد ولم يعد يظهر له أثر مع حلول العهد الجديد إلى حدود إعادة هيكلة المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية الذي اضطلع برئاسته في مارس 2006، وذلك رغم بروز أصوات كثيرة تعارض، بشكل أو بآخر، اضطلاعه بهذه المسؤولية. لقد تمكن خليهن انتهاز فرصة الانفجارات الاجتماعية بالأقاليم الصحراوية في نهاية التسعينات والصراع الذي ظل قائما بين أهالي المنطقة وسكان مخيمات الوحدة الذين أوتي بهم للمشاركة في الاستفتاء، وقد تألق خليهن في هذا المضمار وبذلك استرجع دعم الوجهاء الصحراويين له، الشيء الذي مكنه من فرض نفسه من جديد، بعد أن اضطر للغياب عن الساحة حيث ظل معروفا بتقلباته المفاجئة كلما شعر بأدنى خطر منذ أن كان مواليا للجنرال فرانكو، قبل أن يصبح رجل الملك الراحل الحسن الثاني في الصحراء، ثم تبنيه لدور المعارض في فترة همّش خلالها سياسيا، ليعود للظهور قبل تعيينه على رأس الكوركاس في مارس 2006، وقد قال عنه الزميل علي أنزولا إنه كل مرّة يولد من جديد من رمال الصحراء. ظل الإسبان يعتمدون كثيرا على خليهن ولد الرشيد لاستمرار مصالحهم بالمنطقة، حيث أكد أكثر من مصدر صحراوي وإسباني، أن المسؤولين الإسبان عملوا في عهد الجنرال فرانكو على إعداد خليهن ليكون رجل إسبانيا الأول بالصحراء والمغرب. وكانت البداية بدعمه، من وراء الستار، لتولى زعامة حزب الوحدة الوطنية للصحراوية "البونس" الذي خلقته إسبانيا على مقاسه في منتصف سنة 1974، وكانت تقارنه بالرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد دادة المتزوج من فرنسية وطمحت في أن يسير على نفس المسار، وهو المتزوج من إسبانية. المشوار التحق خليهن بالمغرب في أواسط السبعينات، وكان أول من اغترف من إكراميات الملك الراحل الحسن الثاني، ضمن أهل الصحراء، إذ فتح له حسابا خاصا بسويسرا زوّده بملايين الدراهم وبالعملة الصعبة. وساهم إدريس البصري في نجاحه في الانتخابات التشريعية في التسعينيات حيث أصبح نائبا برلمانيا بقبعة "الأحرار" قبل الانشقاق عنهم وخلق الحزب الوطني الديمقراطي. وفي سنة 1977، كان سنه لا يتعدى 28 ربيعا، حيث عينه الراحل الحسن الثاني كاتبا للدولة مكلفا بالشؤون الصحراوية قبل ترقيتها لوزير على وزارة مستحدثة سنة 1984 إلى أن ألغيت، وبموازاة مع ذلك بقي يتحكم في كرسي رئاسة المجلس البلدي لمدينة العيون ما يقارب عقدين من الزمن بدون منازع بفعل دعم ومساندة وزارة الداخلية في عهد إدريس البصري الذي، مع ذلك، لم يكن يطيقه، غير أن ما شَفَعَ له إحاطته بملف الصحراء أكثر من غيره ولشعبيته آنذاك وسط أقوى القبائل الصحراوية. إنه من مواليد 24 نوفبر 1951 بضواحي كلميم، من جيل عاين وعايش الاستعمار الإسباني في ظل النظام الفرانكاوي، تربطه علاقة العمومة بمصطفى السيد الوالي، مؤسس البوليساريو الذي قاد الثورة والكفاح المسلح، في حين اختار خليهن ولد الرشيد النضال من داخل حزب "الاتحاد الوطني الصحراوي" بطريقة سلمية، وهو الحزب الذي ترأسه والذي صنعته إسبانيا لتشجيع مسار الابتعاد عن المغرب وتكرار تجربة موريتانيا مع ولد دادة. تولى العقيد "رودرغيز دي فيغوارا"، أحد أقطاب جهاز المخابرات الإسبانية، الإشراف عليه منذ اضطلاعه برئاسة حزب "البونس".. وقد لقبه ب "الغواصة الصفراء" لأنه كان من حين لآخر يغيب عن عيون المخابرات. أشرف الجنرال أحمد الدليمي على قدومه آتيا من باريس، وقد قيل إن خليهن يحظى بثقة ياسين المنصوري رئيس "لادجيد"، وإنه كثيرا ما كان يقول بأنه لا يصرح بأي شيء بدون تعليمات ملكية. منذ أن عيّنه الملك محمد السادس على رأس الكوركاس وخليهن ولد الرشيد، حاول تعبيد الطريق لحل سياسي، عبر تطبيق الحكم الذاتي كمخرج لطي ملف الصحراء، إلا أنه ظل متهما من طرف الكثير من أعضاء الكوركاس الذي يترأسه، بالتدبير الفردي والانفرادي وعدم تمكين الأعضاء من المشاركة في خدمة القضية وتحقيق النتائج. ومهما يكن من أمر، هل يمكن اعتبار الاهتمام الملكي بثروة آل ولد الرشيد على خلفية ما توصل به الديوان الملكي من تقارير وكتابات وكذلك ما نشره الإعلام الإسباني، إشارة قبلية للشروع في فتح ملفات الفساد الكبرى التي ساهمت في ترسيخ الأزمة الممنهجة التي طالما طُبِّقت باستمرارية وتمادي مقصود في ظل غياب نية حازمة وعزيمة جدية وجريئة لوضع حد نهائي، ولو نسبي، لفساد الكبار، كما طُبِعت أيضا بتقاعس، يظهر كأنه مقصود، لإيجاد حلول جذرية ومنطقية كفيلة للحد من استمرارية وتمادي الفساد الذي أضحى ينعته البعض ب "الفساد الممأسس" اعتبارا لتجذره في المجتمع؟ وهو سؤال أضحى حاليا أكثر بروزا من السابق، لكن يليه سؤال آخر لا يقل عنه أهمية، هل ستتم إزاحة خليهن ولد الرشيد عن الكوركاس؟