في دولة يضيق فيها مفهوم الحرية ويشتد فيها وتر الاحتراس وتختنق فيها الكلمة الحرة ويحضر الهاجس الأمني بشتى ألوانه تصبح فيه الدولة أقرب من مركز أمن مصغر يحرس المنطقة في كل ساعاتها وتترقب من يوم لآخر أسوأ الاحتمالات وهذا بسبب ساسة فرضوا وصايتهم وفق نظام مخزني عتيق.
2- إيالة الانفصام
حين تنفصم شخصية الدولة وتعيش انفصاما حادا في حالتها بين إرث الماضي ومتطلبات الحاضر ورهانات المستقبل ويتحكم فيها الهاجس الأمني لسنوات الخوف الذي عاشته طيلة سنين مضت.ويصبح الفعل الثقافي الجاد أمرا غائبا ومغيبا ويصبح لسلطة الشيخ والمقدم هوية تتحقق على إثرها هوية الدولة في لباسها الأمني يحمل خبرا صغيرا مفاده أن الدولة مهددة من الأشرار، حينذاك يصبح السؤال أكثر إلحاحا لماذا لم تتخلص الدولة من خوفها؟ ولماذا انساقت وراء هواجس الانفصام وتركت طريق الحرية ورحابها الواسعة !؟
3- دولة تتيه وسط التيه:
بين القائد والباشا هناك جيش عرمرم من المخبرين،من المتنصتين،من رجال الدرك والشرطة والمخازنية يبحثون عن لون الأزهار والفراشات، وعن تربة المغرب وتناسوا أن شمسه ساطعة منذ فجر الاستقلال بأن ما بني على ضلالة وتضليل وترقيع مآله مهما طال الزمن الزوال. في دولة يكثر فيها اللغط ويتقوى فيها جيش من المخبرين من أجل صناعة خبر وإشاعته بشتى الوسائل في دولة تتيه وسط دوامة التيه وتبقى الأمية أحد أكبر دعاماتها.
4-مخبر على رف مخبر
أن تبني دولة ليس بالأمر الهين، خاصة إذا كان الشعب أميا، وأن تبني جهازا للاستخبارات وآخر للاستعلامات فيه المدني وفيه العسكري وفيه البين بين ليس أمرا سهلا. من يتحكم في الخياطة ومن يقيس الأقمصة لتكون مرتبة ومفصلة على ألوان الأخبار بأن من ينتقد الدولة فهو يحمل وعيا شقيا أو هو مسخر من جهة ما أو بوضوح الإشارة عميل ابن عميل لدولة حاقدة وماكرة. ما أمكر الجوع،ما أمكر الضياع،وما أحقد على معطل بني بالقرب منه منتجع وقصر يرفرف منه الحمام وهو لا يلوي على شيء.
5- أنا الجنرال ومن بعدي...
من السهل في هذه الإيالة أن تكون عداء لتصبح وزيرا، ومن السهل أن تكون لاعب كرة لتكون جنرالا. حينما يصبح لاعب كرة تاركا العنان لشهية القذف في جميع الاتجاهات،ويستهويه أن يجعل من المقربين منه خداما في موائده التي لا تنتهي وسهرته المؤجلة تصبح الحكمة القائلة: بأن الأمور إذا تركت في يد جلاد متعطش للدم فإن نصيب السلخ والجلد يكون أكثر مما يشتهى. لا يهم في هذه البلاد، أن تكثر ضيعات الجنرالات وأساطيلهم البحرية وتكثر جيوش الأميين والفقراء. المهم أن يجد الجنرال من يحرث أرضه بثمن بخس حتى ولو كانت أرضا للشياع، حتى ولو كانت مقالع رمال، حتى ولو كانت بحرا أزرق يصطاد فيه كل عينات الأسماك بلا موسم، فأنا الجنرال ومن بعدي الطوفان...
6- لماذا كل هذا الاحتراس؟
حينما ينتشر شبح الخوف يقل الإبداع لذلك لا غرابة أن يقل منتوج المغاربة إبداعا،ونظل نتماهى مع الآخر. الدولة برمتها هي من صنعت وأتقنت صناعة الخوف ووزعته على مقاسات على الرعايا،على الكتاب ألا يتعدوا الخطوط المعمول بها في الإيالة،على الصحفيين أن يتجنبوا المقدس وأسوار البلاط العالية،وعلى الأدباء الناشئين أن يرمموا خيالهم بالرمز والترميز ويبتعدوا عن كل الشبهات. حينما ينتشر الخوف تجد كلمة مخزن تتردد في المجامع كحكمة زمنية وكحديث صحيح لا يمكن مناقشته. ينتشر الخوف كحقد أعمى من سجلات زنازن ما كان أولها ولا آخرها سوى معابد للتفتيش والقتل العشوائي. زنازن الأمس والتي سميت جزافا بالرصاص والرماد ممتدة في هذا التاريخ، ممتدة في هذه الأرض وفي زهراتها، وفي حزن أطفالها. ليس من السهل بين الأمس واليوم أن تمحو زمن الأخطاء التي طالت وامتدت إلى النفس والجسد العليل معا وكانت العلة بادية للعيان.
7- كيف تكبل وطنا؟!
الذين يتفننون في صناعة الخوف وفي تعذيب الأجساد باستطاعتهم إحكام القبضة على الوطن ولكن لسنوات محدودة، لأنه لا يمكن سجن وطن ولا الحكم عليه بالإعدام ولا يمكن التخلص منه مهما كانت الطعنات والجروح وامتدادها لأنه ببساطة تشفيه كلمة الشهداء والمحبين لهذه التربة اليتيمة. أن تحب وطنا اسمه المغرب، من الصعب أن يشفى بترياق أو بوخز لأن نسمته وزهرته مهما ذبلت فهي قابلة للحياة ومتجددة باستمرار. زمن الطغاة يتلاشى، يتراجع يوما بعد يوم وسيندحر بلا رجعة كما اندحرت سيوف العباسيين ومعاول المغول.
8- سبورة النظام:ذاك الطفل:
مات أطفال المغرب في البر والبحر، مات أطفال المغرب في الشوارع المهملة، ومات أطفال المغرب بدون عناوين وبسموم لم يكترث لها المسؤولون. مات من مات وظلت الطفولة تعاني، تعاني ذاك الأمس وتعاني اليوم وما بين التاريخين ظل شبح الأمية والجهل والخوف عالقا على سبورة نظام ترك صغاره الرضع بلا عش وبلا مأوى وتاه وسط الزحام يبحث عن مكان له بين الأمم فلم يجده.فسخرت منه الأمم وتوارى في الظل خائفا، يزمجر بين الحين والآخر ويعتقد أن الآخر حاقد وجاحد وأن أطفاله يوما ما سينقلبون ضده وعاش النظام بوهمه وظل الصغار يبحثون عن عش وطريق الخلاص...