ملاحظات رئيسة ثلاثة تلك التي سجلها محمد حنين، رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، حول التقرير الأخير الذي أعده النائب البريطاني المحافظ، شارل طانوك، بصفته مقررا للجنة الشؤون الخارجية، حول حقوق الإنسان في الساحل والصحراء. واعتبر الأستاذ الجامعي، والبرلماني عن حزب التجمع الوطني والأحرار، في مقال خص به هسبريس، أن تقرير طانوك لم يلتزم بالحياد الواجب إتباعه في مثل هذه التقارير، كما يكشف قدرات خصوم الوحدة الترابية على اختراق المؤسسات الدولية للإضرار بالمصالح الحيوية للمغرب، فضلا عن القصور الملحوظ في العمل الدبلوماسي المغربي، سواء على مستوى الدبلوماسية الرسمية أو البرلمانية. وهذا نص مقال الدكتور محمد حنين كما ورد إلى هسبريس: مرة أخرى وضعت بلادنا على محك مؤامرات خصوم الوحدة الترابية بمناسبة مناقشة البرلمان الأوربي لتقرير حقوق الإنسان في الساحل والصحراء، هذا التقرير الذي أعده النائب الانجليزي المحافظ، شارل طانوك، Tannok Charles بصفته مقررا للجنة الشؤون الخارجية. يثير هذا التقرير ثلاث ملاحظات أساسية: الملاحظة الأولى تتعلق بعدم التزام التقرير بالحياد، كما أنه يتسم بعدم الموضوعية كونه لم يلتزم بالمعايير المتعارف عليها في مجال إعداد التقارير المتعلقة بحقوق الإنسان، فمن جهة يتضمن التقرير مغالطات ووقائع غير صحيحة حول وضعية حقوق الإنسان بالصحراء، كما يشير إلى أحداث متقطعة خلال سنوات متعددة، مما لا يسمح بتقييم هذه الأحداث من المنظور الحقوقي في تفاعل مع سياسة الحكومات المتعاقبة في مجال حقوق الإنسان، ومن جهة أخرى يقدم التقرير صورة غير حقيقية عن الوضعية المأساوية لوضعية حقوق الإنسان بمخيمات تندوف حيث اكتفى برصد بعض مظاهر الانتهاكات الحقوقية مع التركيز على الفقر وغياب الخدمات الأساسية نافيا وجود أعمال للعنف بهذه المخيمات، وهو ما يخالف الواقع نظرا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المخيمات المذكورة. ومن المؤكد أن تقريرا بهذه المواصفات يشكك في مصداقية مؤسسة محترمة كالبرلمان الأوربي، وهي نفس القناعات التي عبر عنها عدد من أعضاء هذا البرلمان أثناء مناقشة هذا التقرير. الملاحظة الثانية تتعلق بقدرات خصوم الوحدة الترابية على اختراق المؤسسات والهيئات الدولية للمس بصورة المغرب والإضرار بمصالحه الحيوية، ويمثل تقرير طانوك نموذجا واضحا على هذا الاختراق. ومما لا شك فيه أن هذه القدرات تتجاوز بكثير إمكانيات جبهة البوليساريو، ومن تم يتأكد مرة أخرى وبالدليل القاطع أن الجزائر هي الداعمة والممولة بسخاء لكل المبادرات الاختراقية المناهضة لمصالح المغرب ، وبالفعل فإنه من المعروف منذ أمد طويل أن قضية الصحراء تتصدر أولويات العمل الدبلوماسي والمخابراتي للسلطات الجزائرية، وتبقى تصريحات الدبلوماسية الخارجية عند استقبال روس مؤخرا كون قضية الصحراء تعني المغرب والبوليساريو فقط مجرد تصريحات خادعة لتضليل الرأي العام الدولي. الملاحظة الثالثة تتعلق بجوانب القصور في العمل الدبلوماسي المغربي سواء على مستوى الدبلوماسية الرسمية أو البرلمانية، وهو ما يستغله خصوم الوحدة الترابية لتكثيف مؤامراتهم و تنفيذ مخططاتهم. وأعتقد أنه لا بد في هذا الصدد للفاعلين في المجال الدبلوماسي سواء على المستوى الحكومي أو البرلماني من التجاوب الجدي و الفعال مع التوجيهات السامية لجلالة الملك نصره الله في عدة مناسبات آخرها خطاب جلالته بمناسبة افتتاح السنة التشريعية في 11 أكتوبر 2013 ، وتنطوي الفقرة التالية على أبعاد عميقة في هذا الصدد : " ذلك أن أغلب الفاعلين لا يتعبؤون بقوة، إلا إذا كان هناك خطر محدق يهدد وحدتنا الترابية، وكأنهم ينتظرون الإشارة للقيام بأي تحرك. فبدل انتظار هجومات الخصوم للرد عليها، يتعين إجبارهم على الدفاع، وذلك من خلال الأخذ بزمام الأمور، واستباق الأحداث والتفاعل الإيجابي معها." ففي الوقت الذي تقدم فيه هذه الفقرة تشخيصا دقيقا لنواقص العمل الدبلوماسي فانها تترجم حكمة جلالته و تبصره حول مواصفات العمل الدبلوماسي الفعال و المثمر . فأمام تقرير طانوك وقبله تقارير مجموعة من المنظمات غير الحكومية المنحازة تماما للطرح الانفصالي أصبح لازما تغيير منهجية العمل الدبلوماسي. صحيح أن المغرب يتمكن من وقت لآخر من احباط المناورات المتكررة للخصوم، من بينها إفشال المحاولة اليائسة في مجلس الأمن التي كانت تتوخى توسيع ولاية المينورسو لتشمل رصد حقوق الإنسان، ورفض البرلمان الأوربي في ستراسبورك لتعديلات خصوم الوحدة الترابية على تقرير طانوك و التي كانت ترمي إلى مناهضة مصالح المغرب. لكن لا بد من التأكيد أنه في أغلب الحالات لا يتم إفشال مخططات الخصوم إلا بفضل الدبلوماسية الملكية النشيطة نتيجة للمكانة المتميزة لصاحب الجلالة على المستوى الدولي و للتقدير و الاحترام الذي يحظى به في مختلف المحافل الدولية ، و بالفعل فان الكل يتذكر الدور الذي قام به جلالة الملك لإفشال مخطط خصوم الوحدة الترابية في مجلس الأمن ، بل حتى البرلمان الأوربي و هو يصادق يوم الأربعاء 23 أكتوبر على توصية حول السياسة الأوربية للجوار أشاد بدور جلالة الملك في الإصلاحات التي يعرفها المغرب في مختلف المجالات . وهكذا ففي الوقت الذي تحقق فيه الدبلوماسية الملكية نجاحات مهمة على المستوى الدولي والإفريقي نلاحظ مع الأسف حتى الآن ضعف الأداء الدبلوماسي للحكومة، ومن المؤمل تنشيط هذه الدبلوماسية بعد التغييرات التي عرفتها وزارة الخارجية. كما أن الدبلوماسية البرلمانية تتسم بتواضع مردوديتها، ويتضح ذلك من خلال مظهرين : المظهر الأول يتمثل في تناسل المواقف المعادية للمغرب و التي تصدر من وقت لآخر عن برلمانيين و برلمانات لها مع البرلمان المغربي علاقات وطيدة و له معها مجموعات صداقة ( البرلمان البرتغالي و البرلمان الاسباني و بعض الفرق النيابية في البرلمان الفرنسي التي لا تتردد في دعم أطروحة الانفصال مثال عن ذلك دعم نواب من الحزب الشيوعي الفرنسي لتنظيم ندوة حول قضية الصحراء بالبرلمان الفرنسي في أبريل 2012) أما المظهر الثاني فيتعلق بمبادرة البرلمان الأوربي منذ السنة الماضية إلى إصدار توصيات والإعلان عن مواقف معادية للوحدة الترابية، وذلك رغم العلاقات التي تربطه بالبرلمان المغربي والتي تؤدي إلى تبادل زيارات الوفود باستمرار خاصة من الجانب المغربي ، و آخر عمل لهذا البرلمان في هذا الصدد تقرير طانوك السالف الذكر، و ما تضمنه من مغالطات اعتبرها خصوم الوحدة الترابية انتصارا. ويتضح من خلال هذه الوضعية ضعف قدرات البرلمان المغربي على ممارسة العمل الدبلوماسي باحترافية و عدم قدرته على التصدي للتحركات المكثفة للبرلمان الجزائري لاختراق البرلمانات الدولية و دفعها لاتخاذ مواقف معادية للمغرب . و لئن كانت الآلة الدبلوماسية الجزائرية تروج لأطروحتها بكيفية متناسقة و متكاملة بين جميع المتدخلين ، فإنها لا تتوصل الى انتزاع المواقف المدعمة لهذه الأطروحة إلا مقابل صرف أموال باهظة من الخزينة الجزائرية . لكن ذلك لا يمكن أن يبرر ضعف الأداء الدبلوماسي البرلماني لكون المغرب من جهة هو صاحب قضية حولها إجماع وطني، ومن جهة أخرى وضعه مريح على المستوى الحقوقي و الديمقراطي بالمقارنة مع الجزائر، و هي اعتبارات أسياسية لا تصمد أمامها كثيرا المغالطات و الممارسات المشينة في الممارسات الدبلوماسية. غير أن التوظيف الجيد لهذه الاعتبارات في العمل الدبلوماسي البرلماني يصطدم بعدة عوائق : يتعلق أولها بغياب التنسيق بين مجلسي البرلمان في مجال العمل الدبلوماسي و طغيان هاجس التنافس بدل التعاون مما يؤدي إلى تشتت الجهود و اختلاف المقاربات و في أحيان كثيرة اختلاف الخطاب السياسي و تناقض المبادرات رغم وحدة الأهداف و هو أمر غير مقبول أمام شراسة خصوم المغرب و قوة حضورهم الدبلوماسي في المحافل الدولية. و فيما يتعلق بالعائق الثاني فيتجلى في غياب أجندة محكمة للعمل الدبلوماسي البرلماني بتنسيق مع وزارة الخارجية لكونها على إطلاع دائم و مستمر بتقلبات مواقف الدول و على علم بنقط القوة و الضعف في علاقات المغرب الخارجية ، فغياب التنسيق المسبق لبرمجة الأنشطة البرلمانية في الخارج يؤدي إلى عدم إعطاء الأولوية للدول التي تحتاج العلاقات معها إلى دعم حقيقي ، كما أن عدم موافاة البرلمانيين بالملفات و المعلومات و اقتصارهم في ذلك على إمكانياتهم الخاصة لا يسمح لهم باستيعاب المشاكل المطروحة و بالتالي تمكينهم من القيام بمأموريتهم بنجاح. أما العائق الثالث فيتمثل في هيمنة الطابع الظرفي على النشاط الدبلوماسي البرلماني في غياب لتنشيط مجموعات الصداقة البرلمانية بما يكفل تكثيف اللقاءات و الحوار و من تم تعزيز العلاقات و توثيقها. كما أنه في الغالب لا تحدد أهداف كل مأمورية الى الخارج بدقة ، و لا يلزم المشاركون في البعثات بإعداد تقارير عن مهماتهم في الخارج تناقش من طرف الأجهزة المختصة و هو ما لا يسمح بتراكم التجارب في المجال الدبلوماسي و ضمان الاستمرارية المؤدية إلى تتبع الملفات و القضايا ذات الطابع الدولي . أما العائق الرابع و الأخير فيتجلى في غياب مبادرة الفرق الى القيام بمأموريات الى الخارج لتوطيد العلاقات مع مخاطبين على الأقل في برلمانات الدول الفاعلة في القرارات الدولية . صحيح أن الدستور الجديد يقر بحق فرق المعارضة في المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية للدفاع عن القضايا العادلة للوطن و مصالحه الحيوية ، لكن لازالت ممارسة هذا الحق محدودة إن لم نقل منعدمة . فهذه الفرق تقتصر على انتداب من يمثلها في البعثاث و الوفود التي تشارك فيها كل الفرق دون اتخاذ مبادرات خاصة بها. وعلى العموم لازال العمل الدبلوماسي لا يستأثر كثيرا باهتمامات الفرق البرلمانية بالمقارنة مع التشريع و مراقبة العمل الحكومي. وهي مسألة تتطلب مقاربة جديدة ومتطورة ومزيدا من الاهتمام لممارسة النشاط الدبلوماسي بشكل مغاير وبكيفية استباقية طبقا للتوجيهات الملكية السالفة الذكر.