لمْ تهدَأُ بعدُ العاصفة، التِي أثارها مصرعُ المئات، إثرِ غرقِ قاربٍ قبالة سواحل لامبِيدُوزَا. كان يقلُّ بداية الشهر المنصرم، مهاجرِين أفارقة، آل حلمهم الأوربِي إلى نهايةٍ مأساويَّة. فبين عتابِ إيطاليَا، لدول الاتحاد الأوربِي، على خلفية تركها وَحيدة فِي وجه العاصفة، بالنظر إلى وقوعها جغرافيَّا في جنوب القارة العجوز، الذِي يشكلُ معبرًا إلى باقِي الدول الأوربيَّة، ودعواتٍ إلى مزيدٍ من التنسيق مع دول جنوب المتوسط، التِي لا زالتْ تخوضُ مساعيَ دؤوبة إلى استعادة الاستقرار فِي أعقابِ "الربِيع"يخرجُ مدير معهَد روبرتْ شرمان، جون دومينيك جيوليانِي، بقراءة يتلمسُ فيها سبل كبح توافد المهاجرِين على أوربَا. يرَى جيُوليانِي فِي مقالٍ لهُ، نشرَ بصحيفة "لُومُوندْ الفرنسيَّة"، أنَّ أُوربَا فِي حاجةٍ إلَى ساكنة تقومُ انحدارهَا الديمغرافِي. لأنها باتت غير قادرة على استقبال المزِيد من المهاجرِين السريين الذِين ييممون شطرها، ليستقرُّوا بضواحِي مدنها، أوْ يغرقُوا، قبل تحقق حلمهم الأوربِي، فِي عرض البحر. بحيث يتَحتمُ على فرنسا، وفقَ المتحدث، أنْ تأتِي إلى المجلس الأوربِي المزمع عقده، في الرابع والعشرِين والخامس والعشرِين، من أكتوبر الحالِي، برؤية واضحة تساهم بالملموس فِي بحث الإشكال. مدير معهد روبرت شرمان، أوضحَ أنَّ عدة خياراتٍ ستكون أمامَ اللجنة، أولها أنْ تنظم عملية إنقاذٍ واسعة. أوْ أنْ ترفع من قيمة المساعدات الماليَّة المقدمة إلى الدول المعنيَّة، علاوةً على خيار تعزيز إمكانيَّات معهد " Frontex" المكلفة برصد المهاجرِين السريِّين وإيقافهم فِي الحدود. بيد أنَّ مسعَى رصد المهاجرين السريين وكبح جماح طموحهم إلى دخُول أوربا، عند الحدود، عبر دعمِ "فرُونتِيكسْ"، يصطَدمُ بإكراه عدمِ تصويتِ فرنسَا على ميزانيَّة الوكالة ، لكونها تتضمنُ رفعًا لِما تساهمُ به من نفقات. زيادةً على وجود مساطر معقدة، وعبثية تسمُ الجهاز القضائِي. وحرب مصالح، وضعف فِي تنسيق الجهود. العوامل المذكورة تنذرُ مصيرَ أيَّة بعثة أوربيَّة، على النحوِ التقلِيدي، بِالفشل، فورَ ملاقاتها إكراهات بيروقراطية بشرية يصعبُ تحديد المسؤول عنها. سيما وأنَّ البعثاتِ المدنيَّة للاتحاد الأوربِي أضحتْ تتعرضُ أكثر فأكثر للانتقاد. منْ أولكسْ فِي كوسوفُو إلَى "أوكَابْ نوستُورْ" فِي الصومَال. دون إغفَال بعثة "أوبَام" فِي ليبيَا، التِي عهدَ إليها بالمساعدة على تأمين الحدُود الليبيَّة، وتنتظرُ فِي فندقٍ بطرابلس، منذُ مدة بدءَ مهامهَا. من جهته، اقترح رئيس المجلس الإيطالِي، عمليَّة "عسكريَّة إنسانيَّة"، يرى مدير معهد روبرت شرمان، أنَّ تنزيلها فِي فرنسَا لا يزالُ صعبًا، كما هو الشأنُ بالنسبة إلى التوجه نحو العمل بتحرك الدولة فِي البحر، بنجاعة وفعاليَّة، من خلال للربط بين إمكانيات الإدرات المدنية المعنية وبينَ الإمكانيَّات المهنيَّة والتجهيزات البحريَّة. وما يمكنُ أنْ تقومَ فرنسا، حسب جيوليانِي، استنَادًا إلَى ما راكمتهُ من تجارب في المجال، هو أنْ تتقدم بعمليَّة أمنيَّة بحريَّة، تنسق ما بين بعثات الإنقاذ وجهود حماية حياة المهاجرِين. فالتعاطفُ الحقُّ مع مصير ضحايا الهجرة، وفقَ المتحدث، يستدعِي العمل على اجتثاث جذُور الهجرة السريَّة عبر البحر. ما دامتْ أوربَا، فِي الوقتِ الراهن ذات شرعيَّة، فِي التحرك على مستوى نقاط انطلاق "قوارب الموت"، التِي تسائِلُ المجتمع الدَّولِي برمته. فِي هذَا الصدد، أظهرتْ كل من الجزائر والمغرب، حسب جيوليانِي، نجاعةً فِي التصدِي لظاهرة الهجرة المنظمة، في الوقت الذِي أخفقتْ تونس وليبيا، في الأمر، بسبب الإمكانيَّات، أوْ الإرادة السياسية بالبلدين. وهو ما يستدعِي حسب الباحث، أنْ تكون المساعدات الأوربيَّة لدول جنوب المتوسط مشروطةً بمدَى التزامهَا في التصدِي للهجرة السرية وللشبكات الإجراميَّة. فمن الممكن، يقول الباحث، اقتراح تعاون ملموس، بين شمال المتوسط وجنوبه، عبر دوريات بحريَّة مشتركة، بالقرب من السواحل التِي ينطلقُ منها المهاجرُون، بعد ضمان التمويل والتكوين اللازمين، للتعاون. ويتقرحُ الباحث فِي بسطه لفكرة تعاون طوعِي بين مجموعة دول، من أجل مكافحة الهجرة السريَّة، عمليَّات موسعة في المتوسط، تحترمُ قانون الإبحار، وميثاق الأممالمتحدة والمواثيق الدوليَّة المتعلقة بالمعاملة الإنسانية، من أجل إيجاد مقاربة شاملة توفقُ بين الوسائل العسكريَّة والأبعاد المدنيَّة لعمليات الحيلولة دون تدفقِ المزيد من المهاجرين صوب "الفردوس الموعود" بأوربَا".